وحي رمضان
لقد اختار الله عز وجل شهر رمضان، واصطفاه على سائر الأزمنة، فهو الشهر الوحيد الذي صرح الله تعالى باسمه في القرآن الكريم، وهو الشهر الوحيد الذي أفاض الله فيه أكثر نعمه وأفضاله على عباده، رفع الله شأن هذا الشهر وكرمه وعظمه وفرض على الخلق صومه وجعله ركناً من أركان الدين وعنصراً من عناصر الشخصية الإسلامية.
ولشهر رمضان المبارك إيحاء تهتز له القلوب وتنشرح به الصدور وتسمو به الأرواح، وتكثر ملامح إيحائه كلما اتسعت معارف الإنسان بخصائصه وحوادثه وآثاره، وإيحاء هذا الشهر العظيم يدركه كل مسلم؛ بل يمتد حتى يدركه الأطفال الصغار، فهؤلاء أطفالي -حفظهم الله- منذ دخول شهر شعبان وهم يرددون كل يوم وبكل شوق سؤالهم الذي لا يمل: ( متى رمضان يا بابا ؟!)، وكل همهم أن يعلنوا الفرح والابتهاج بحلول رمضان، هذا هو حال كل الأطفال وكأنهم لمحوا من حيث لا يشعرون ما يحمله رمضان من النور والهدى، ومن معنى التآلف والترابط واجتماع الأهل والأحباب، وأما الذين يعرفون رمضان ويعرفون خواصه وقيمته ومكانته فكلمة رمضان توحي إليهم بأشياء كثيرة؛ توحي برحلة إلاهية ميقاتها شهر كامل، ينتقل فيها المؤمن من حياة مادية مظلمة إلى حياة روحية مضيئة، فيبدأ يومه: باسمك اللهم صمت ويختم نهاره: باسمك اللهم أفطرت، وبين هذين الوقتين يصلي ويعبد ويركع ويسجد ويسبح ويدعو ويرتل القرآن الكريم راجياً من مولاه عز وجل أن يمن عليه بالرحمة وأن يرزقه المغفرة وأن يكتب له العتق من النار .
والصوم في حقيقته هو الإمساك عن الشراب والطعام وصوم الجوارح عن ارتكاب الآثام وصوم القلوب وتطهيرها عن كل ما لا يناسب الإيمان ولا يلائم الإخلاص، وفِي الحديث: "كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع"، وإن الصوم مع مظهره المادي هو عبادة روحية لها آثارها المعنوية، وهو تكليف رباني يسمو بالروح.
رمضان هو شهرنا الذي يوحي بالهداية العظمى ويوحي بالنور ونزول القرآن، ويوحي بالخير والحق والتشريع والإرشاد، ويوحي بالنصر والتمكين والإخلاص والتقوى، ويوحي بالعطف والإحسان والعدل والمساواة، ويوحي هذا الشهر العظيم بالفتح العظيم.
فمرحبا بك أيها الشهر الكريم وهنيئا لكم أيها الصائمون المؤمنون المحتسبون، وإنما يتقبل الله من المتقين.