أكلت المقلب
في يوم ما قمت بتجربة أحد المطاعم اللبنانية التي لم أزرها من قبل, وللمطاعم اللبنانية أجواء خاصة وأكلات شهية تتميز بها عن باقي المطاعم.
كان ترتيب المطعم من ناحية الأثاث وحسن الاستقبال والبشاشة أكثر من رائع, وكانت أغاني السيدة فيروز تملأ المكان والتي تعتبر علامة مسجلة بامتياز في عالم المطاعم اللبنانية وتوحي للزبون أنه في مطعم لبناني أصيل. فضلاً عن أن الأخوة اللبنانيين ذوقهم رفيع جداً ومعروفين بحلو الكلام ولطف التعامل والتأدب مع العميل. فقد وهبهم الله حسن المنطق ولديهم قدرة عالية في جذب العميل وإرضاءه.
لكن حين وصل الطلب كان مختلفاً تماماً عما شاهدته ولا يعكس أي شي مما مضى, فقد كان مستوى الأكل عادي جداً ولا يليق أبداً بالمطعم ولا اسمه ولا تجهيزاته. باختصار كان دون المتوقع بكثير. وكما يقال أكلت المقلب.
تذكرت من قصة ذلك المطعم بعض الأفراد والمنشئات حين ننخدع ومن ثم نكتشف لاحقاً أنهم لا يعكسون الصورة التي نعتقدها عنهم.
فعلى مستوى الأفراد تسمع حديث أحدهم عن الاستثمارات ومغامراته التجارية ويخبرك عن تجارب وأحداث وقصص ويبهرك بسيارته وأرقامه المميزة وكرت العمل وموقعه الالكتروني الخاص بمنشأته. ويسرد للآخرين النصائح حول أفضل طرق الاستثمار, وما هي الأساليب المبتكرة في إدارة المنشئات ويعطي دروس في الإبداع وكسب ولاء الموظفين, ويعطيك انطباع أن لديه عمل مؤسسي احترافي أدق من عقارب الساعة. فيخيل إليك أنه لا فرق بينه وبين جاك ما أو وارن بافت. بينما لو جربت التعامل معه لاكتشفت أنه عبارة عن مظاهر وأشياء أخرى مصطنعة, وأنه لا يجيد شيئاً مما يتحدث عنه وأغلب تجاربه فاشلة. وأن تعامله مع موظفيه أسوأ ما يكون. وللأسف أنك غالباً لا تكتشف حقيقة هذا الشخص إلا بعد أن تأكل المقلب وتجرب التعامل معه.
حتى على مستوى الموظفين حين تقرأ سيرته الذاتية فيبهرك ويجعلك تظن أنه شخص منتج ويبدو للجميع وكأنه يعمل ومشغول. بينما في الحقيقة أنه بلا فائدة, وهناك الكثير من الموظفين الذين على رأس العمل ويعرفون جيداً كيف يعطون مدرائهم انطباع أنهم يعملون بإخلاص وأنهم يبذلون جهود كبيرة في مصلحة وتطوير العمل بينما في الحقيقة ينطبق عليهم المثل القائل: أسمع جعجعةً ولا أرى طحناً.
وكذلك على مستوى المؤسسات والمنظمات حين تجد إعلاناتهم التي تملأ الشوارع واللوحات الإعلانية والصحف وحتى أيقونات التطبيقات وشبكات التواصل, فتبهرك بطريقة الإخراج, وصور المنتجات, وتجد أن مطبوعاتهم وجدران مقراتهم كلها شعارات ويتحدثون عن رؤية ورسالة وأهداف وكلام كثير حول الجودة وإرضاء وراحة العميل. وفي الحقيقة لا تجد أي شيء مما سبق سوى الشعارات الزائفة. بل تجد في التعامل معهم الفوضى العارمة وسوء الإدارة وسوء المنتج وليس للعميل عندهم أي قيمة ولا يهمهم رضاه. تخدعك مظاهرهم وتنجرف نحو شعاراتهم ثم إذا جربت التعامل معهم تجد أنك أكلت المقلب.
أسوأ ما يكون هو الانبهار بالمظاهر الخداعة ولا بد من الاعتماد على معايير أكثر دقة في الحكم على الأشخاص والأعمال والأشياء, وهذا يذكرني بقصة الفاروق رضي الله عنه حين قال له رجل إن فلانا رجل صدق فقال له هل سافرت معه؟ قال: لا. قال: فهل كانت بينك وبينه معاملة؟ قال: لا. قال فهل ائتمنتَه على شيء؟
قال: لا. قال: فأنت الذي لا علم لك به أُراك رأيتَه يرفع رأسه ويخفضه في المسجد.
______________
*القصيم - بريدة