اليوم العالمي للتعليم
التعليم هو تهيئة الإنسان لتقبّل أساسيات المعرفة والمهارات الفكرية، الحسية والجسدية بشكل مرحلي مدروس ومتوازن، بحيث يصبح قادرا على اعتماد التعليم في حياته اليومية بسلوك واع وتفاعل مندمج وبرقي، لم يعد مفهوم التعليم كما في السابق، بمعنى أن يكون الطالب متلقي وسلبي في القاعات الدراسية يلقن ويوجه، ليكون المحور هو المعلم بأن يشرح ويوجه وينقل العلوم والمهارات والخبرات، بل أصبحت العملية التعليمية تبادلية يكون فيها المعلم هو المرشد والموجه والمحتوي والمفعّل لطالب متفاعل يبحث ويتساءل ويستنتج للوصول للوعي المعرفي والمهارة. والهدف من ذلك أن نصل الى مراحل متقدمة من التعلم والإبداع والتميز وخلق ثقافة مبنية على الاجتهاد الذهني في اكتساب المعرفة. وعندما نتحدث عن التعليم لا يمكننا أن نفصل بين التعليم والتعلم، فالتعلم هو اكتساب المعارف والمهارات وتغيير في رؤى وسلوكيات الإنسان بإضافة القيمة الحسية والمعنوية، لأن التعلم يوسع المدارك ويعزز القدرة على التفكير بطريقة إبداعية.
التعليم يطور إمكانية الأفراد على الفعل ويساعدهم بالتفكير بشكل نقدي و يعزز الذكاء العقلي ويصقل الشخصية، نستطيع أن نقول إن التعليم رحلة شيّقة من التطوير الفكري والتقبل الفكري والحسي يخوضها الإنسان منذ نعومة أظفاره وحتى الممات، فالطفل يكتسب معارفه من أبويه ومن خلال بيئته عن طريق الملاحظة والتقليد، ثم بعد ذلك تصبح تلك المعارف عناصر تحتاج الصقل بالتعلم من خلال برامج المؤسسات التعليمية، ومن الضروري أن ننوه بأن التعليم والتعلم لا يحدث فقط في المؤسسات التعليمية إنما خارجها أيضا.
ولابد أن ننتهز الفرصة في اليوم العالمي للتعليم 24- 1 للتفكر بالتعليم ووضعه الحالي بالمملكة العربية السعودية، ومن الجدير بالذكر في هذه المناسبة التشديد على أهمية دور التعليم والتعلم في بناء ورفعة الوطن، فبالتعليم ننهض ونرتقي كأمة، فنظام التعليم في أي بلد يركز على الفرد كلبنة أساسية لبناء المجتمع وتحقيق أقصى قدر من رأس المال الفكري واستثماره في الوطن ليكون جاهزة للارتقاء بكل القطاعات وتقديم الفائدة لوطنه، وبذلك نضمن جيل متزن يستطيع أن يحمل الراية ويقود الوطن في المستقبل، وكذلك يواكب التغيرات والانفتاح دون فقد للهوية وترسية الثقافة الوطنية وزرع قيم مبنية على المعرفة لنتوصل مع العالم باعتزاز وطني ومرونة إنسانية في التقاط المفيد والاندماج مع الآخر من خلال التعليم بكسر كل القيود والحواجز وهذا قادر على صنع المعجزات وتشكيل الوعي وإثبات الركائز الأساسية التي تضمن الانطلاق بسلام نحو المجتمع الدولي لترفع راية الوطن عاليا.
قطاع التعليم هو قطاع حيوي في أي مجتمع، يدفع عجلة التطور للفرد والمجتمع، وكان ذلك واضح في المملكة من خلال رؤية 2030 وهدف تحويل الاقتصاد الوطني من اقتصاد معتمد على النفط الى اقتصاد معرفي يعتمد اعتمادا كاملا على عقول الطاقة البشرية، فبذلك نحن نستثمر في العقل البشري لتحقيق حاجيات سوق العمل، فحدثت لدينا قفزة نوعية بالتعليم مثل إضافة حصص النشاط وممارسة الرياضة للفتيات مع إيماني بأنها لم تطبق وفقا للأهداف المرجوة منها، وكذلك ادخال التفكير النقدي والفلسفة للمساهمة في استثمار العقول والمواهب والمبدعين.
ومن أهم المحاور التي لابد أن نركز عليها حاليا كأكاديميين في هذا الفترة الذهبية في المملكة هي مخرجات التعليم وجودتها، وأن يكون واقعا ملموسا وليس حبرا على ورق لتقديمه للمسؤول أو للهيئات الخاصة بالتقويم والإعتماد الأكاديمي، لابد أن نحافظ على جودة التعليم، لزيادة معارف ومهارات الطلاب كي نحضرهم بشكل كافي ليكونوا مستعدين للتأقلم مع الواقع العام والنهوض به واستيعاب سوق العمل وتنوع المهام، فلا يهدر وقتهم ومجهودهم وجيوبهم في التطوير ليكنوا ملائمين لتحقيق متطلبات وحاجة السوق، بالإضافة لتحفيز قدراتهم وإمكانياتهم وزيادة التطوير الإجتماعي من خلال تطوير السلوكيات وتنوير الأفراد وغرس القيم المجتمعية المختلفة، فمثلا دخول الموسيقى للمدارس مطلب أساسي في هذه المرحلة التي نعيشها، فالموسيقى تطفئ على النفس الهدوء والسلام وتساعد في نشر المحبة والتسامح وتهذب الأنفس ويرتقي بذوق طالب سيكون مؤثرا على المجتمع.
بالتعليم تنهض المجتمعات وتتطور ونلاحظ ذلك واضحا وجليا في مجتمعنا ولكن حتى نحاكي الواقع ولا تكون أحلامنا وردية لابد من تسليط الضوء على الثغرات الكثيرة التي يواجهها التعليم والوزارة والعمل على تجاوزها، فتلك الثغرات تعرقل التطور ومسيرة الوزارة ومنها غياب الخبرات والكفاءات وعدم ملائمة المناهج لاحتياجات الطلبة لبناء وتطوير عقولهم على جميع الأصعدة، فالآن زمن الهاكثون ، هل مناهجنا تواكب هذا التطور؟ هل مازالت مدارسنا فيها السبورة التقليدية والطبشور؟ أم أن السبورة الذكية ملأت جميع الفصول، وبدأت تتفعل التكنولوجيا في نظامنا التعليمي؟
وأخيرا لم يخطئ الشاعر حين قال" العلم يرفع بيتا لا عماد له ... والجهل يهدم بيت العز والشرف". فنحن أمة اقرأ، وأساس ديننا العلم والتعلم والتدبر ولن يأتي ذلك إلا عن طريق التركيز والاهتمام بوضع خطط تطويرية واستراتيجيات وبرامج ترسخ الجوانب النظرية، العملية، المهارية، القيمية، النفسية والاجتماعية لكل من الطالب والمعلم على حد سواء.
الوطن يراهن على أبناءه فهم النواة التي يرتكز عليها فبذلت، أنفقت واهتمت ومازالت تهتم الدولة بالتعليم من كل جوانبه فبقي علينا أن نتكاتف معها للارتقاء والنهضة بالوطن عن طريق الاهتمام به وتطويره وجعله مناسبا للزمان والمكان وأهم من ذلك مناسبته للطالب .