صِـنـاعـةُ الـرُّوحِ بـيـن الضـلـوع
رُوحُ الإنسانِ أوسعُ من الفضاء ، وأعمقُ من المُحيط ، فهي شُعلةٌ لا تنطفىء إلّا في يدِ ملك الموت .
من يصنعُ الجسدَ هي الرُّوحُ ، والجسدُ سندٌ لها ، والروحُ هي من تُقرِّر مصير الجسد ، الذي ترتجفُ أطرافه ، وترتعشُ ؛ عندما تنطلق الروح من الجسد .. لذلك قال [كابيون] :( الرُّوحُ هي الإنسان).. لذلك ، فالروحُ أصلٌ ، والجسدُ فرع.. فلا حياة بلا روح !
لقد كثُر الكلامُ عن موقع الرُّوح في الجسد - ولن أُطْنِبَ القول في ذلك - ولكن ، هناك قول رسول الله - صلى اللهُ عليه وسلّم - أنَّ في الجسدِ مُضغة إذا صلُحت صلُح الجسد كله ، ويقصد بذلك القلب .. والقلبُ مكانهُ بين الضُّلُوع .. فهو أميرُ الجسد وملِكُ الأعضاء.
وفي المقابل يرى الشاعر غازي القصيبي ، أنّ الروح مكانها في الصدر ، عندما قال:
فقد أكلَ السيفُ من غِمدِهِ ❄ وقد أضنت الرُّوحُ صدري الجريح.
فالروح الجريئةفي صدرٍ مُخلِص.
فلا بُدَّ للقلبِ من هدْأَةٍ ❄ ولا بُدَّ لِلْحُبِّ أنْ يستريح.
فحيثما يكون القلب ؛تكون الروح.
يقول جبران:
وقاتلُ الجِسمِ مقتولٌ بِفِعْلتهِ ❄وقاتلِ الرُّوح لا تدري بهِ البشرُ.
إنَّ هذهِ الروح ، تتشكَّل ، وتتبدَّل ، وتتلوَّن بِلَون أفكارها ، بل تظمأ . في الوقت الذي فيه يرتوي الجسد ، وقُوتُها هو أرواح المعاني ، فالأجسادُ ماديّة ، والأرواحُ معنوية ، فإنْ كان الجسدُ محسوس ، فإنَّ الرُّوحَ معنويّة ، كالدورةِ الدمويّة ، لا نحسُّها ولا نشاهدها، ولكنّها موجودة في أجزاء الجسم .
إنَّ الأبَّ مثلُ الرُّوحِ ، عندما تخرج يتهاوى الجسد ، وإنَّ الدموعَ بمثابة الجليد المُذاب من الرُّوح، وعادةً ما تكون الملائكة جميعاً بالقُرب من الشخص الذي يبكي .
الروحُ تفرح وتحزن ، وتتألم وتتأمّل ، وتتفاءل وتتشاءم ، وتخفُّ وتثْقُل ، وتتحرّك وتستكين ، بل أنَّها تتضجَّر ، وهذا ما يُسمى بسرطان الرُّوح كما قال نجيب محفوظ.
لقد اعتبر أفلاطون أنَّ الرُّوح هي أساس كينونة الإنسان ، والمُحرِّك الأساسي له ، واعتقد بأنَّ الرُّوح تتكون من ثلاثةِ أجزاء متناغمة ، هي: العقل والنفس والرَّغبة ، بينما يرى تلميذهُ أرسطو أنَّ الروح محورٌ رئيسي للوجود ، ولكنَّهُ لم يعتبر الروح وجوداً مستقِلّاً عن الجسد...
قال تعالى:{ ويسألونك عن الرُّوح قُلِ الرُّوح من أمرِ ربِّي .. وما أُوتيتم من العِلمِ إلّا قليلا}.