ساندويتشات بخلطة "العولمة" السرية
لا أحد يعرف على وجه الدقة متى و كيف قفزت تلك الفكرة العجيبة إلى رأس الإيرل الإنجليزي جون مونتاجيو لكن التاريخ يذكر أن الرجل الذي عاش في القرن الثامن عشر كان مدمنا على لعب الورق لدرجة أنه لم يكن يجد وقتا لتناول الطعام و تجنبا لإلحاح خادمه و هو يدعوه كل مرة إلى مائدة الطعام أمره مونتاجيو بأن يعد له وجبة جديدة عبارة عن شريحة لحم بين قطعتي خبز و كان ذلك هو أول ساندويتش في التاريخ أما لماذا سمي بالساندويتش ؟ فذلك لأن الاسم الكامل للسيد مونتاجيو هو جون مونتاجيو ساندويتش.
غير أن الساندويتش استغرق بعد هذه الواقعة عشرات السنوات ليتحول من فكرة ولدت على طاولة للقمار إلى نشاط اقتصادي هائل يدر أرباحا بالمليارات على أصحاب مطاعم الوجبات السريعة حول العالم بل أن ساندويتشات "الهامبرغر" الأمريكية تخطت دورها كوجبات غذائية لتتحول إلى رسائل سياسية عميقة المغزى و ليصبح دخولها مع مشروبات المياه الغازية الشهيرة إلى دول أوروبا الشرقية مؤشرا على إنتهاء الحرب الباردة بانتصار الولايات المتحدة و إنهيار الكتلة الشرقية ..
و بينما كانت الساندويتشات الأمريكية تلعب ذلك الدور في أوائل تسعينيات القرن الماضي كنا نحن العرب نتناولها بينما نفكر في إيجاد مرادف عربي لكلمة "ساندويتش" ليقع القوم في حيص بيص بين عبارة " شاطر و مشطور و بينهما كامخ " وهي عبارة أطول من الساندويتش"الكومبو" نفسه وبين كلمة "شطيرة" بمعناها المبتور و وسط احتدام الجدال اللغوي العقيم تسلل الساندويتش رويدا رويدا إلى أعماق حياتنا اليومية جالبا معه العديد من المتاعب الصحية و ثقافته التي تسربت إلى أركان حياتنا لتطبع "ثقافة الساندويتش" طرق التواصل بين الناس بطابعها السريع على هيئة علاقات سطحية عابرة تنتهي غالبا قبل أن تبدأ سواء في غرف الدردشة على الشبكة العنكبوتية أو حتى في البيت الواحد الذي يندر أن يلتقي أفراده على مائدة الطعام يوميا .
و بدخول عصر الأغاني المعلبة تحول الطرب كذلك إلى نوع من الساندويتشات الغنائية التي و إن بدت شهية أحيانا إلا أنها لا تشبع جائع و لا تملأ بطنا أما الساندويتشات التعليمية فقد إحتلت هي الأخرى مكانها كبديل للوجبات الدراسية الدسمة فبضعة ملخصات للمنهج الدراسي مع قائمة للأسئلة المتوقعة صارت أكثر من كافية لاجتياز إمتحانات آخر العام.
و كطريقة التهام الساندويتش على عجل بمكوناته المتنوعة دون معرفة كنهها أصبح الكثيرون يلتهمون ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة دون تأن و بلا تدقيق لصحة هذه المعلومة أو تلك فالمهم في الساندويتش الإعلامي هو خلطته السرية و نكهته الجذابة ثم بعد ذلك لا تسل عن حالة التلبك "الإعلامي" التي قد تصيبك.
فهل السيد " ساندويتش " هو المسؤول عن ظهور كل هذه الساندويتشات في حياتنا المعاصرة ؟ بالقطع لا فالساندويتش هو وليد عصر طغت فيه المادة و تسيدت القيم الاستهلاكية و تسارع فيه إيقاع الحياة و تعالى فيه لهاث البشر لإشباع إحتياجاتهم اليومية المتنامية و لحسن الحظ أن السيد "جون مونتاجيو ساندويتش" قد فارق الحياة قبل أكثر من مئتي عام و إلا لطالب بحق الملكية الفكرية عن كل ساندويتش تم تناوله في العالم حتى هذه اللحظة