سِمة الصمت
ثمة فرق بين السمة و السمت فالأولى تعني الدلالة و الثانية تعني الوقار ؛ فهل الصمتُ دلالة أم وقاراً؟
الصمت عربون محبة للجهل ، و لو كل الذين التزموا الصمت في المواقف الحرجة عرفوا كيف تجرعوا هوان الذل و كيف يراه الأعداء باعتباره حقنة تخدير لمن تمثلوا بالصمت كونه مثيراً للجدل و كونه أنموذجا للحكمة و كونه ميزان للعقلاء و ما إلى ذلك من أوصاف طوباوية يراه العدو فُرحة مسرحية للفارغين بينما يراه الصامتون عكس ذلك تماماً .
لا تكن صامتاً في جماعة و لا محايداً بين طرفي نزاع و لا ملولاً حينما تطالب بحقك و لا حائراً طالما تمتلك ناصية المعرفة ؛ فإذا كان المرء عدو مايجهل ، فالصمت عدونا جميعاً و لا أعني الثرثرة مقابل الصمت أو الإزعاج إزاء الهدوء القاتل فذلك لا يثير اهتمامي و حديثي !
ملوك الصمت هم القادة ؛ فكن مثلهم .. خبراء الصمت هم الفلاسفة ؛ فتدرب معهم .. وحوش الصمت هم الخونة ؛ فابتعد عنهم .. ملائكة الصمت هم الأطفال (عيال الله) فعُد إليهم .. حُداة الصمت هم الزجالون بأحاسيس فريدة ؛ فاقتبس منهم .
أحجارٌ نحن في رقعة شطرنج الصمت ، كلما لعبت بنا الحيرة خرجنا مهزومين بمزاج حاد ... الصامتون لم يعتادوا على النقاش و لم يمارسوا الدبلوماسية في علاقاتهم لذلك قرارتهم سريعة و مخيفة و هوجاء في آن ، فالصامت كالأرعن الذي يهيج إذا ألمّتْ به حادثة أو اعترضه موقف و يفقد اتزانه لأنه مندفع و هو واقف و ثائر في عز نومه و متخبط في حله و ترحاله فلا غرو أن ينتابه القلق يومياته إذا واجه الناس و تطلب الأمر أن يتحدث و يُدلي بدلوه فهذه الطامة الكبرى كمن يضع رقبته على حبل المشنقة و يعلم أنه مصيره الإعلام لهذا "عليّ وعلى أعدائي" فكل صامت هو متخبط بطبعه !
و لا أستثني صمت العلماء فلهم من النقد جانبٌ و كما لهم من الإيجابية جوانب ، حيث أصبحت ملامح الصمت بها من الغموض ما بها من الكآبة و القنوط و لم تعد الطمأنينة و الوقار صفة للصامتين حتى لو كان المتصف بها عالماً لا فرق .
هل الصمت حيلة من لا حيلة له ؟ نعم
هل الصمت كذبة خجولة ؟ نعم
هل الصمت سلاح ذو حدِّ واحد؟ نعم
هل الصمت نقص في العقل؟ نعم
وماذا بعد ......
لماذا كل هذا التجني في حضرة الصمت؟
لأننا في زمن الكلام ، الكلام الذي يضعك بمقام الأولياء و الصديقين "تكلموا تُعرفوا ؛ فإن المرء مخبوء تحت طي لسانه" لا تدع أحداً يخطف الضوء من عينيك و لا تترك صدر المجلس لمن يعد نفسه من عِلية القوم و هو طيلة الوقت يُحملق في الوجوه شاحباً و ملتاعا و كأن الكلام ينفر منه ... فلا تتفاخر بالصمتِ مادامتْ لغتك مقدسة !
الصمت سجن ؛ فهل تقبل أن تكون سجيناً؟ الصمت عثرة و ميدان الكلام ينتخبك فارساً ممتطيا صهوة الحكمة ؛ فلماذا تترجل باكراً في نكبة ذاتك؟ الصمت لعنة تفوق لعنة الفراعنة ؛ فهل ترضى الهوان و الانكسار الأبدي؟ الصمت لا يحتاج لإجابة بل يحتاج لنضال شرس كي ينقلب السحر على الساحر ... تعالوا معي نشن حربا كاسحة على جرائم الصمت و سوف تحط الحمام على صدوركم من فرط النقاء و الصفاء و الرخاء و الهناء وووووو