قلم رصاص
استوقفني إحدى المشاهد " المقززة " لسيارة قد قضى قائدها نحبه في حادث مروري مروّع هو وأفراد أسرته ، امتزجت دماؤهم ، وأشلاؤهم بالحديد ، وفي هذه اللحظات العصيبة ، وكآبة المنظر ؛ يترجل أحد المارة من سيارته يرفل في ثوبه القشيب ليضع ملصقاً به عبارة " السيارة للبيع تشليح " !!
هنا نقول : مصائب قومٍ عند قوم فوائد ..!
هذا الأمر لايقل أهمية عن سلوك المرتزقة
ومصّاصوا الدماء والمحسوبين على القبائل الذين تجاهلوا قول الله تعالى " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون "
حيث جعلوا المتاجرة بالدماء تقفز الى أرقام فلكية تجاوزت سبعون مليون ريال !
سماسرة الدماء أصبحوا يتتبعون آثار القتلة في كل حدبٍ وصوب " وزنقة زنقة وبيت بيت " كما يتتبع عُشّاق الكمأة " الفقع " في صحراء الجزيرة العربية ، لعلهم يظفروا بغنيمة من تلك القسمة " الضيزى " دون النظر لنوع الجُرم وحيثيات الجريمة ...
الأدهى والأمرّ أنه في آخر صيحات هذا المُعترك " القبلي " إرتفع سقف المطالب من الملايين " المتلتله " الى المطالبة بضرورة التوظيف في الكليات العسكرية ، غير آبهين بالنظام وشروط القبول ، ولربما نسمع يوماً ما عن مطالبات أخرى يندى لها الجبين وتقشعرّ منها الأبدان وتكتوي بها الجباه !
المتأمل في سلوك هؤلاءيرى أن الدماء أصبحت رخيصة " بخسة " ؟!
يُساومون بها من أجل حفنة مال ...
أصدُقكم القول .. ليس حفنة من المال بل حمل بعير من الأموال .
تُقام المخيمات ، وتُعدّ الولائم ، أمام منزل ذوي القتيل ، تلك الأسرة المكلومة ، التي وجدت نفسها في بحر لُجيّ ، بين سندان القهر والألم والفجيعة ، ومطرقة الملايين التي يسيل لها لعاب أصغر فرد من أفراد العائلة ....
تستمر المحاولات " المستميتة الواحدة تلو الأخرى ، و حينما توصد الأبواب وتُغلق الشبابيك في وجوههم ، يعاودوا الكرّ ، والفر ، ويُلقوا بشوتهم ، وما يُغطي روؤسهم ، على الأرض ، ولا يبتئسوا ، ولا يهنوا ، ولا يحزنوا ، فما ينتظرهم من ".. .." الأجر والثواب لايُقدّر بثمن !!!!
أثقلوا كاهل أهل القاتل بما لا يُطيقونه من شروط تعجيزية تقشعر منها الأبدان كأنها حمل بعير ...
وأصبحوا يجوبون الصحاري والقفار ، ليل نهار ، أملاً منهم أن يجمعوا هذه الملايين " وينتخون " بشيوخ القبائل ورجال الأعمال وأهل الخير ...
ويُشعلوا مواقع التواصل الإجتماعي وقروبات الواتس أب بنداءات " وفزعات " الجميع .
والسجين يعيش خلف القضبان بين أمل الحياة المشروط ، وحد السيف الذي لا مفرّ منه !
من يُريد العفو والاصلاح فأجره على الله ، أما هذه المزايدات التي ما أنزل الله بها من سلطان فإنها ستكون وبالاً على الجميع شئنا أم أبينا !
نحن في بلد يحكم بشرع الله ونسبة جريمة القتل فيه أقل معدلاتها عن باقي دول العالم ، لأن الله عز وجل لم يُشرع أمراً إلا لحكمة معينة ولله الأمر من قبل ومن بعد ...
أنا على ثقة أن ولاة أمرنا حفظهم الله سيضعون حداً لهذا " النزيف " من الملايين وتحديد سقف العفو والتنازل لمن أراد أن يعفو مقابل المال ، بما يقبله العقل وتطمئن له النفس ..
وقفة ..
هناك رجال كُرماء لايرجوا سوى رحمة الله وعفوه والأجر من العلي القدير ..
همسة ...
من يعفو عن القاتل لوجه الله في ساحة القصاص ، بعد أن كتب وصيته وودع أهله ، واقتادوه كالحمل الوديع ، مغمض العينين ، مكبلاً بالسلاسل ، على أنين مكبرات الصوت ، وصليل السيوف ..
بادروا بالعفو قبل وصوله ساحة القصاص وإلا
دعوه وشأنه لانه قد مات نفسياً قبل أن يموت جسدياً !!
نسأل الله العفو العافية .
✍ مشعل الحارثي