أولياء الأمور إلى أين !
إنتشر مُؤخراً في وسائل التواصل الإجتماعي ظاهرة إكتساب الأطفال الشهرة من قِبل أهاليهم لغرض الحصول على المال؛ وذلك جعل من الأطفال أداة في يد أوليائهم تُستعمل بطريقة غير شرعية وغير نظامية مما يقتل برائتهم ويحد من إستمتاعهم بطفولتهم؛ وهذا الأمر من شأنه أن ينعكس على شخص الطفل مما ينتج عن ذلك من أضرار بدنية كقلة النوم وقلة الأكل الناتجين عن كثرة إنشغال الطفل بأعمال الشُهرة من تصوير وإعلانات والذهاب إلى الحفلات ! وأضرار نفسية تؤدي إلى إضطراب الطفل عن مدرسته أو إهماله لدراسته وعدم تفوقه وكسله وعدم الرغبة في رؤية الناس وزيارة الأقارب نتيجة الضغط النفسي للأعمال المتواصله، وأيضاً أضرار في نفسية الطفل نتيجة الإهانة والسب والشتم الموجه له عبر وسائل التواصل الإجتماعي أو عبر الواقع مباشرة، ومن ضرائب الشهرة أنها تؤدي إلى إهمال كبير جداً من قِبل الوالدين يرتبط هذا الإهمال بعدم توفير حاجات الطفل الأساسية؛ وتشمل ذلك الحاجات الصحية والعاطفية والتربوية والإجتماعية والفكرية، فما ذنب الطفل من الإهمال في توفير إحتياجاته أو التقصير فيها ! قد يتساءل البعض كيف تؤثر الشهرة على نفسية الطفل ؟ أجيب بنعم تؤثر؛ فالكثير من الأطفال المشاهير لا توجد رقابة من أهاليهم على حساباتهم أو الرقابة تكون ضعيفة لكونهم يجيدون إدارة الحساب ولديهم العلم الكافي من الكتابة والقراءة؛ وهذا ما يجعل من الأطفال يقرأون ما يُكتب من تعليقات يخجل العاقل قراءتها، فما بالكم بالطفل صافي القلب الذي لم يتعلم من والديه ومدرسته إلا الكلام الطيب والحسن، فغالبية الناس يرفضون بشدة خروج الأطفال عن واقعهم الطفولي وحياتهم البسيطة، فأين أهاليهم من ذلك ؟ أيُعقل أنّ كسب الأموال أهم وأولى ومقدم على صحة الطفل وإستمتاعه بطفولته ؟ بالطبع لا وذلك مرفوض بشدة من المجتمع، فإنطلاقاً من إهتمام القيادة الرشيدة في المملكة العربية السعودية بحفظ سلامة الطفل و حقوقه من كل أشكال الإيذاء و الإهمال صدر نظام حماية الطفل في عام 1436هـ للدفاع عن حقوقه وحاجياته.
ففي نص المادة الثالثة :
الفقرة الثامنة : (استغلاله مادياً، أو في الإجرام، أو في التسول).
الفقرة الثانية عشر : (التقصير البيّن المتواصل في تربيته ورعايته).
الفقرة الرابعة عشر : (كل ما يهدد سلامته أو صحته الجسدية أو النفسية).
فِيما سَبق ذِكرُه أكَّدَ النظام على أولوية الطفل في التمتع بطفولته، وأوجب على الوالدين عدم إستغلال الطفل بما يعود بالنفع المادي لهم عن طريق أعمال الطفل الجالبه للمال؛كإنشاء قنوات في اليوتيوب والظهور فيها تحت المسمى الشائع "فلوقات" تعرض فيها حياتهم اليومية، أو فتح حسابات في "سناب شات" و "الإنستقرام" والتصوير الشخصي المستمر فيها مما يجرد الخصوصية ويُمكِّن التجار الطلب منهم الظهور على الساحة والإعلان عن منتجاتهم مقابل المال المُقدم للأطفال، أو ما ظهر مُؤخراً بشكل كثيف وهو إشتهار الفتيات الصغار بوضع مساحيق المكياج أو إرتداء الملبس للتصوير والإعلان عنه وعرضه في مواقع التواصل الإجتماعي تحت مسمى "مودل" أو "فاشينيستا" أي عارضة للموضة مما يتعارض مع الواقع الطفولي المُتَّسِم بالبساطة !! أو إستعراض الأطفال في مواقع التواصل الإجتماعي بما يطلق عليه "الرقص" غير اللائق، والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى وتشمل جميع الأطفال من ذكور وإناث، فتعريض الأطفال للأضواء بالشكل المؤدي إلى حرمانهم من أبسط حقوقهم كاللعب والإستمتاع وممارسة حياتهم الطبيعية مما يؤثر سلباً عليهم ويدفع بعضهم إلى "الغرور" بسبب الإهتمام الزائد تعد جريمة؛ لأن من شأنها إنتهاك براءة الطفل وحرمانه من طفولته، فيحق لأي طفل تعرض للشهرة من قِبل والديه أن يرفع شكوى ضدهم أو رفعها من قِبل أحد أقاربه إلى الجهة المختصة وهي النيابة العامة لإتخاذ اللازم حيال ذلك؛ والتي بدورها تُحيل الدعوى للمحكمة المختصة لمطالبتها بحق الطفل، وتقدير القاضي للعقوبة المناسبة التعزيرية في حق الوالدين.
وخِتاماً : أتمنى من كل ذي شأن على طفل مراقبة الله عز وجل ومخافته، ومعاملة الطفل بشكل طبيعي بما يتناسب ويتوافق مع عمره، وجعله يعيش في جو منسجم مع فئته العمرية، وعدم تشهير الطفل لما يسبب له أضرار كثيرة، وعدم إهماله، وإعطائه الحرية اللازمة للعيش بسلام وراحة وإطمئنان، ومتابعته اليومية في أمور مدرسته وحياته الإجتماعية، وتعزيز مهاراته بجعله طِفلاً ناجحاً متفوقاً، وصقل شخصيته بما يعود عليه بالنفع بما لا يخالف الشرع والنظام.