يعود رمضان ولا يعودون هم ! 2
( 2 ) قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186) شهر رمضان فماذا نعني برمضان ؟ لقد اختلف علماء اللغة العربية وأربابها في أسباب تسمية هذا الشهر الفضيل بهذا الاسم، فمنهم من قال أنه مشتق (رمض) أي الرمضاء، والرمضاء كما هو معروف هي شدة الحر في الصيف القائظ، وسمي بذلك أيضا للارتماض من الجوع والعطش، وقيل كذلك إنما سمي برمضان لأنه يرمض الذنوب ويحرقها بالأعمال الصالحة الطيبة، وقيل أن العرب كانوا يرمضون فيه أسلحتهم أي يشحذونها استعداداً للحرب في شهر شوال، قبل حلول الأشهر الحرم. أيامٌ قلة ويهلُ علينا هذا الشهر العظيم ، شهرٌ ميزه الله وعظمه وأجزل فيه العطاء والمنح والبركات، *من صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه* ومن أدرك فيه ليلة القدر فكأنه أدرك فضل ألف شهر،* بصلاحه يصلح العام والأعوام وببركته تتغير الأحوال التقيت بها بعد غياب عدة أشهر فوجدتها على حال غير الحال، سعادةٌ تنتشي منها قسمات وجهها الذي غابت عنه معالم الجمال لكن سكنته نفحات الرضا و السكينة والاطمئنان فسألتها وأنا في داخلي أرثي فيها الحال وأقول من سيتزوج هذه التي غادرت محطات الجمال، وسكنت مدن الفقر ، وحُرمت النسب والقبيلة وبعض الدهاء لتكمل المسيرة! فإذا بها تفاجآني بكل سعادة ونشوة فرح وصوت يسمعه القاصي والداني وأنا أُشير إليها بأن تغضض من صوتها العالي وهي تقول لي بكل براءة : باركي لي لقد تزوجت ياشيخة لم أغب عنك سوى عدة أشهر فمتى حدثت المعجزة ؟ وماهي الوصفة ؟ تحدثت ببراءة مدهشة أجرت فيها دمعاتي وزاد فيها إيماني ،* وهي تقول لي في رمضان كنت أدعو الله كثيرًا في كل حين وخاصةً في القيام وفي إحدى الليالي العشر وأنا ساجدة أدعو الله موقنة فإذا بقطرات المطر تتساقط فأكثرت الدعاء وما إن انتهى رمضان إلا وفتى الأحلام جاء أكثر مما أتمنى وأرغب ويحبني جدا. أسعدك الله أيتها الرائعة فهذا رمضان وهذه نفحاته وهذه بركاته. وهناك في المسجد قصة أخرى لأخت ترجو لأخيها الزواج والاستقرار وتسمع دعائها في السجود امرأة عجوز وتقول لها لن يتزوج ! ومن ذا الذي يتألى على الله ويجيب الله الدعاء ويمتلئ الدار بالأبناء. وهناك من ابُتلي بالفقر والحاجة وتكالبت عليه الدنيا ومنغصاتها وفي رمضان وعلى عتبات العبودية فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا، تضرع وأكثر الدعاء فإذا بالرزق من كل حدبٍ وصوب . وهناك من أصيب بالمرض والداء وجاء رمضان ومعه الشفاء. وهناك قصص تترى ورواياتٌ تروى ألم يقرن الله بين الرمضان وإجابة الدعاء ! بلى والله الحق وقوله الحق ووعده الحق . يعود رمضان ولايعودون هم أماكنٌ شاغرة في كل دار ، تحتاج نفحاتٌ من الدعاء وأعمالٌ من البر لتصل ، انقطع عملهم ونحن أملهم. عاد رمضان ليهيج المشاعر ، ويجري فينا المدامع، وتتدفق الحروف، ففي الرسائل بريدٌ من الحنين يخمد إذا دون فيه الحبيب لحبيبه المشاعر، وتركه خلف الشاشات والأوراق يسافر . اقترب رمضان يا أبي والتمرة تشتاق لك ومعصمي ويدي هاك بنيتي تمرتك فافطري وبضع دقائق حتى يأذن فانتظري وأذن المغرب وأختي لم تأتي أين* هي يسألني أبي ؟ لاعليك وقرأت (يا أيها الناس عليكم أنفسكم) ففاجأني أبي بتنهيدة لا يا ابنتي ضحكتُ وأقبلت أختي وأبي مازال يحمل تمرته لها ولي وأذن المغرب وكان الإفطار شهي أقترب رمضان يا أبي ألن تأتي وتطعمني التمرة وتنظر لي بتلك النظرة أتسيد وأعرف أنّي الملكة وأن دعوة الصائم منك لي مُنتظرة وأطمئن وتغفو كل حياتي سعادة وتجد لصلاة والتراويح وتنادي علي هيا استعدي وأي مسجد تريدين ياابنتي وهناك في المسجد أصلي وأسمع كحة أبي وتوجيه أبي* وتنظيم أبي وخشوع أبي كان رمضان جنة الدنيا* بأبي أفراحي فيه لا تنتهي دعواتي فيه أصلح لي ديني ودنياي وآخرتي وأحفظ لي أبي وأعود إليه لأخذ وعدًا منه أن يحملني بيديه الجميلتين لقبري لا أريد سواها أن تحملني يهز رأسه أبي وأصدقه كأنّي جاهلةٌٌ لاتعي يوما ما كذب أبي فأفرح أنه سيظل معي وفي يومٍ كنت في مخدعي بعدما ودعته لرحلة سافر فيها أبي استيقظت على صوت يقول مات علي مات أبي ولم أره ولم أقبله وعلى صدره لم أنثني وكنت قد حسبتني أني في يوم وداعه لن أتركه حتى يجاور قبره قبري وانتهي فرحمات ربي عليك يا أبي عشت كريما حتى فارقتني وكل رمضان وأنت حرفي وشعري ومحبرتي أبي لكل من فقدناهم رحمة ربي بهم إلى يوم نلقاهم . لكل من هم معنا ، لكل من أسدوا لنا خيرًا ، لكل من صوبوا في أرواحنا جرحًا وسهمًا ، لكل من يعرفنا ، لكل من يجهلنا ، لكل من يقرأنا، لكل من يفهمنا، لكل من يكتبنا، لكل من يجهلنا، لكل من يكرهنا ولكل من يحبنا. للكل بلا استثناء كل عام وأنتم بخير مبارك علينا وعليكم أعظم الشهور شهر القرآن ، شهر الرحمة والغفران، شهر الإرادة والتغيير، شهر النفحات والبركات والرحمات ، شهر صفدت فيه الشياطين ، من وُفق فيه أفلح ، ومن ضيعه خاب وخسر . شهرٌ نسأل الله فيه العز والتمكين وأن يجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد ، وأن يبرم لها أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويُهدى فيه أهل المعصية ، شهرٌ نسأل الله فيه أن يُصلح حال المسلمين في كل مكان في فلسطين وفي بورما وفي سوريا وفي العراق وفي اليمن وفي لبنان وفي كل مكان ، وأن يرد كيد الكائدين وأن يدمر أعداء الدين الخونة والفاسقين ، وأن ينصر جنودنا المستضعفين في كل مكان والمرابطين على الحدود وأن يجعل رمضان لنا شهر النصر والعزة والفلاح المبين. نفعنا الله وإياكم بالقرآن الكريم وجعله لنا قائدا ودليل وصلى الله على الهادي البشير عليه أفضل الصلاة والتسليم.