فليتقنه
غالباً ما توصف المنتجات القديمة المنتجة في خمسينيات الى بداية تسعينيات القرن الماضي بأنها ذات جودة عالية وتعّمر أكثر من منتجات اليوم والتي تأتي بفترة عمر محددة وقصيرة لزيادة أرباح الشركات المنتجة سواءً من قطع غيار تمدد العمر لفترة ضئيلة أو استبدالها بموديلات أخرى جديدة. في ذلك الوقت كانت الجودة ضرورة ملحة لا رفاهية زائدة. فالشركات كانت تتفاخر بالجودة والاختصاص أكثر من تنوع المنتجات وبهرجة التصاميم.
وفي ظل حرص مؤسسات وشركات ذاك الوقت على جودة المنتجات والخدمات ولتشجيع بقية المنظمات للإلتحاق بالركب تم إطلاق أول جائزة تميز مؤسسي في العالم في اليابان عام 1951 م، وسميت تلك الجائزة بجائزة ديمينغ للجودة والتميز المؤسسي، عرفانا للجميل من الحكومة اليابانية وكبار التجار في البلد، لعبقري الجودة والإحصاء ويليام إدوارد ديمينغ William Edward Deming، نظير جهوده في النهضة الصناعية اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية. جاءت بعد ذلك الجائزة الوطنية الأمريكية للجودة، المعروفة بمالكوم بالدريجMalcolm Baldrige سنة 1987م ، التي تحمل اسم وزير التجارة الأمريكي في عهد الرئيس ريغان، واتبعت بعد ذلك بالكثير من الجوائز مثل جائزة التميز المؤسسي الأسترالية 1988م ، والكندية 1989 م، والبلجيكية والهولندية 1990م، والتركية 1993، والبريطانية 1994م والسنغافورية 1995م، والروسية 1997م. ولكن لعل أشهرها على الإطلاق حالياً جائزة المنظمة الأوروبية لإدارة الجودة EFQM التي أنشئت سنة 1992م. وهي جائزة عالمية وليست وطنية مثل أغلب الجوائز السابقة. أما على الصعيد العربي هنالك جائزة الملك عبدالعزيز للجودة في المملكة العربية السعودية والتي انشئت عام 2000 م ، وجائزة الملك عبدالله الثاني في الأردن 2002، وجائزة الإمارات للتميز الحكومي 2006م. ولعل من أهم أسباب النهضة الإقتصادية في الإمارات هي أن جميع الجهات الاتحادية (الوزارات والهيئات والمؤسسات الاتحادية) ملزمة بالمشاركة في الجائزة لرفع أدائها والسعي لرفاهية المواطن.
لا أقول إن منتجات وخدمات اليوم تفتقد للجودة. لا بالعكس. هنالك الكثير.
لكن تغير وتطور مفهوم الجودة من عملانية المنتج فقط إلى أسلوب العمل نفسه والقيمة المضافة والسعر مقابل الفائدة والتطوير المستمر وغيرها. فجميع هذه الجوائز تعنى بتطبيق نظام عمل للتميز المؤسسي والذي سينعكس بالتالي على جودة المنتجات والخدمات ونتائج رضى العملاء للمؤسسة التي ستطبق هذا النظام. حيث تشترك جوائز التميز المؤسسي في نفس المعايير والأسس مع اختلافات طفيفة وفقاً لطبيعة الأعمال في البلد. ولعل من أهم المعايير التي تشترك فيها هذه الجوائز هي القيادة والتخطيط الاستراتيجي وإدارة الموارد والعمليات. وتهدف جوائز التميز المؤسسي لـنشر الوعي بالجودة وبالأداء المؤسسي ورفع مستوى التنافسية وخفض التكاليف التشغيلية والتطوير المستمر والتركيز على العميل. واخيرا" يبقى السؤال الأهم متى سوف يتم الزام جميع الدوائر الحكومية في بلدنا الحبيب بالمشاركة في جائزة الملك عبدالعزيز للجودة. قال رسولنا صلى الله علية وسلم (انّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ)