" لله درّكُما ! " في رثاء الفقيد طاهر وابنه
كتبه : طارق بن خويتم المالكي
" لله درّكُما ! "
-في رثاء طاهر بن مسفر المالكي، ونجله الأكبر مسفر، اللذان استُشهِدا إثر الجريمة الإرهابية البشعة في مطار أتاتورك الدولي بإسطنبول قبل بضعة أيام-
يا طاهر ! يا أبا مسفر !
لم يهبُنِي الخيرُ معرفتَك
ولم يمنحني الشرفُ لقاءَك
لكن عندما كشفَ الإرهابُ وجهَه القبيح
وظهرت أنيابُه القذرة
تردّد اسمُك بين الضحايا
ورأيتُ من يعرفك خاصة .. ومن النَّاس عامة
ينتفضُ .. يدعو الله أن يُظلّك
بسحائب رحمته الواسعة
ويتوّج سيرتَك .. بأخلاقِك العالية
ويخبرنا أنك منقوشٌ في قلوبِ زملائِك
ومرسومٌ في وجدانِ طلّابك
وتساعدُ أُسَرَ المعوزين ممّن عَلِمتَ حاجتهم
بل إن ّمن آواخر تغريداتِك قبيلَ وفاتِك بأربع ليال
" أمنيتي أن يُكتب في صحيفتي:
عُتِقتَ من النار "
أمنيةٌ .. حزمتْ في حقائبها رحيلك
وأنت لا تعلم
ولوّحتْ بيدك اليمنى مودعاً
وأنت لا تشعر
فلعلّها بشرى من الله .. ساقها إليك في غير وطنك
وهو القائلُ .. صدَقَ قولُه
" وما تدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت "
*
أتعلمُ .. يا أبا مسفر
ما الذي جعل قلبي يحترقُ في هجيرِ الألم ؟
وما الذي جعل نفسي تسيلُ منها أنهارُ الحزن ؟
عندما قرأتُكَ كاتباً: " لو كان بين يداي أمنية .. وستتحقق
لتمنيتُ شفاء الطفل (مسفر) .. ربي يشفيه "
لكن نجلَك الأكبر .. حشاشةَ فؤادك
مسفر .. ذو السبعة عشر ربيعاً
من ذوي الاحتياجات الخاصة
أراد القدرُ أن يجعلَه رفيقك في رحلةِ الخلود
كما كان قطعةً منك في الدنيا
وأبى إلا أن يكون شريكك في دعاء الخلق لك
كما كنت تدعو الله أن يشفيه
قربٌ في الحياة .. وقربٌ في الممات
تلك معجزةٌ من المعجزات
ولله الحكمةُ البالغة ..
*
كل كرمِنا .. هُراء
وكل جودِنا .. هواء
وكل عطائنا .. غباء
أمام ذلك الشهم الذي آثر كِلْيته على جسده
ووهبها بيديه التي تفيض سخاءً .. لأمِّ مسفر
التي أصابها ما أصابها جرّاء الجُرمِ الغادر
عظيمٌ أنتَ .. حقاً
منحتَ كنزاً من عمرك
وغيرك يبخل بكأس ماء .. أو حتى بابتسامة !
وجليلٌ أنتَ .. صدقاً
علمتنا أن الإيثار ما زال في زمننا .. مَلِكاً
على عبيدِ الأنانيةِ .. والنرجسيّة
*
أيُّ دينٍ هذا الذي يبعثرُ أسرةً سافرت آمنةً مطمئنة ؟!
أيُّ غربانٍ هذه التي تنعقُ على رؤوسِ الأبرياء ؟!
أيُّ وباءٍ هذا الذي يحصدُ المسلمَ .. و غَيْرَ المسلم
والعسكريَّ .. والمدني
والسني .. والشيعي
والصحيح .. والمعاق ؟!
فتنةٌ جلّى .. ما رأينا كشياطينها ضلالاً
ولا كخفافيشها .. سواداً
فصبرٌ جميل ..
وموعدُنا .. يوم العرض الأكبر
في حضرة من لا يظلم .. ولا ينسى
*
فيا ضيفا الرحمن .. و يا نزيلا الجِنان
الله أسأل أن يُعتقكما من النار
فأنتما من الشهداء .. إن شاء الله
وصُلِّيَ عليكما في البيت الحرام
في ليلةٍ .. يُرجى أن تكون ليلة القدر
فما أحسنها من خاتمة
في ضيافة ربٍ كريم .. في شهرٍ كريم
في بلدٍ مبارك
فللّه دركما !