المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 24 نوفمبر 2024

كل الطرق تودي إلى عينيك

*وسيلة الحلبي

قالت له وهي تجري مسرعة ، لا يهم أكتبني كيف تشاء وأين تشاء فأنا المرأة الأقرب إلى قلبك . ناداها وهو يعزف لها على الكمان ، *قفي لا تسرعي المسير، فكلانا خلق لنكمل بعضنا بعضا .

قالت له : أعزف أيها الحبيب فكل عزفك مدفون في قلبي وبين أضلعي . قال لها : تعالي وارتاحي بين يدي ، على صدري فأنا متعب ، أريد أن أستمع إلى أنفاسك . ركضت صوبه وعانقته بقوة فوقع الكمان على الأرض وانكسر .

قال لها : اتركيه وشأنه ، لا تنشغلي بأي شيء ، أريد أن أعيش هذه اللحظة بعمق، وأغمض عينيه وأغمضت عينيها للحظات ، لكنها كانت بسعادة العمر كله . لم يمض على تعارفهما سوى خمسة أشهر فقط ، *كانت تدرس في كلية العلوم *وكان زميلها في نفس الكلية . كانا كلما التقيا في بهو الجامعة تتحدث عيناهما الكثير ، الكثير ، في صمت أمام زملائهم ، وكبر الحب في قلبيهما وانتعش أكثر حين كانا يلتقيان في المختبر لإنجاز بعض الأبحاث . حيث كانا يتبادلان بعض الأحاديث والنظرات *خلسة ، ويسرقان بعض الوقت بعد نهاية المحاضرات .

(هي سامية وهو علاء )*************************************************************************قالت سامية بشغف : علاء هل نلتقي مساء اليوم في الكوفي شوب؟

علاء : كنت أتمنى يا حلوة العينين ، ولكن عندي الكثير من الأعمال الليلة ، نلتقي في يوم آخر يا حبيبة القلب والروح .

سامية: لا بأس ، لا تطيل البعاد فأنا أشتاقك كثيرا . هز علاء رأسه متبسما *ولوح لها بيديه ، وركب سيارته وانطلق مسرعا *.

وفي اليوم التالي لم يحضر علاء للكلية ، فاستغربت سامية وبقيت صامتة شاردة لا تتحدث مع أحد . ومضى يوم آخر ولم يأت علاء فازداد استغراب سامية وكانت قلقة جدا لغيابه، وهو المنتظم في دوامه، والأول على دفعته* حاولت الاتصال به فلم يجب . وبدأت تفكر - ترى ماذا* حدث له - ؟ وأسهمت في التفكير، ومسحت بكلتا يديها دموعا جرت على وجنتيها وبدأت تسأل عنه الرفاق ، ولكنهم *لم يشاهدوه .

وباتت المحاضرات ثقيلة كئيبة ، ووقتها طويل جدا ، وسامية شاردة ولم تعي منها شيئا ، وأصاب ملل وكآبة فخرجت من القاعة وهي مكتئبة وحزينة تفكر - ترى أين أنت يا علاء -؟. وماذا حصل معك لهذا الغياب ؟ ترى لم لا تجيب على هاتفك النقال ؟

أفكار سوداء تصول وتجول في خاطرها ، ووصلت للبيت متعبة، مرهقة ، باكية . ورمت بجسدها المتعب فوق السرير، وغطت في نوم عميق . وفي اليوم التالي لم تذهب سامية *للكلية . وغابت عنها ثلاثة أيام وهي متوترة، *وعلاء لا يجيب على اتصالاتها البتة ، قررت سامية مواصلة مشوارها التعليمي وذهبت للكلية، وتسمرت عيناها على إعلان كبير كتب عليه باللون الأحمر : زميلكم علاء في المستشفى ، ويحتاج لزراعة قرنية ، لأنه تعرض لحادث فقد فيه إحدى عينيه . تسمرت *سامية في مكانها ، وأعادت قراءة الإعلان أكثر من مرة، علها تستوعب ما كتب فيه . وفجأة سارعت إلى الشارع واستقلت سيارة أجرة ، وذهبت إلى المستشفى كالمجنونة، تسبقها دقات قلبها ، وسألت عن غرفة علاء، ثم دخلت عليه وهي تبكي، واحتضنت كلتا يديه بيديها وقبلتهما بقوة . *وهي تقول : علاء ! ماذا جرى؟ *وكيف ومتى *حصل ذلك ؟

*فرد عليها متثاقلا: *في نفس الليلة يا سامية، نفس الليلة *التي طلبت فيها أن نلتقي يا حبيبتي . حدث لي حادث تصادم شنيع وفقدت فيه عيني وتكسرت ضلوع صدري . تظاهرت سامية بابتسامة، رغم الحزن الذي ملأ قلبها على حبيبها علاء . قبلت يديه بشغف وقالت له : ألف سلامة عليك يا علاء ،لا تحزن ، ستخرج قريبا ، سالما معافى بإذن الله . واحتضن علاء *بيده شعرها المتناثر وهو يقول : اذهبي في طريقك يا سامية ، فأنا أصبحت بعين واحدة ، لم أعد أليق بك *وبجمالك . نظرت إليه سامية وهي تبكي بكاء مرا وقالت له: *أنا عينك الأخرى يا علاء ، *لن أتركك ما حييت . ومضت لحظات صمت كانت الأيادي متشابكة والقلوب متعانقة وأجواء الحب تملأ الغرفة .

سحبت سامية يديها بهدوء شديد وكأنها تسحب قلبها من صدرها ، وخرجت من غرفة علاء، *وجلست في بهو المستشفى، وهي تفكر ماذا ستفعل؟ وكيف ستنقذ حبيبها مما ألم به . وبدأت تسأل نفسها : هل هي تحب علاء بصدق ؟ وهل يستحق علاء أن تضحي بعينها لأجله ؟ هل* ستعيش معه وهو بعين واحدة ؟هل،* وهل،* وهل ، *وبدأت الأفكار تداهمها ، وهي تشد شعرها ، وتبكي *بحرقة . يا الله لماذا حبيبي ، يا الله ساعدني . وتسمرت عيناها على الجدار ، وهي تتخيل لوحة الإعلان التي قرأتها في الكلية *.

وفجأة أسرعت سامية للدكتور المعالج، وسألته عن كيفية مساعدة علاء لاستعادة نظره . فقال لها الدكتور: *إن وضع علاء صعب جدا ، فهو يحتاج زراعة قرنية . فهرعت سامية إلى غرفة علاء ، ووقفت عند الباب تتأمله ، وتستعيد ذكرياتهما معا في الجامعة , في المختبر، في الطريق المؤدي للبيت، في الكوفي شوب ، ودموعها لم تجف أبدا . وكان يكلمها ولكنها لم تكن تسمعه ، ثم خرجت من عنده *وهو مشدوها لماذا لم تكلمه كلمة واحدة . لماذا خرجت فجأة وإلى أين ؟

ومرت الأيام ثقيلة جدا على علاء لأن سامية لم تأت لزيارته مرة ثانية ، ثلاثة أيام مرت وكأنهم ثلاث سنوات. ورغم آلامه المبرحة كان علاء يشتاق إليها كثيرا . وكان يتعبه غيابها ويفقده أمل اللقاء . رغم أن سامية لم تبرح المستشفى ، ولكنها لم تذهب لغرفته أبدا. وفي صبيحة اليوم الرابع ، نامت سامية فوق السرير، في غرفة العمليات- بعد أن وقعت على إجراء العملية- وزرع قرنيتها لحبيبها علاء .

فوجئ علاء بأن له متبرع بالقرنية، *ففرح فرحا شديدا، وحمد الله أنه سيلتقي بحبيبته سامية طوال العمر، بعد عودة النظر لعينه المفقودة . وتم زراعة القرنية لعلاء، دون أن يعرف من هو المتبرع، ورغم إلحاحه بالسؤال عنه . وبقيت سامية في المستشفى ثلاثة أيام بعد العملية، ثم خرجت منه بعد أن كانت تزور علاء أثناء نومه، وتستمتع برؤيته ، وهي فرحة بأن قرنيتها استقرت في عين حبيبها ، وأنه سيرى بعينها ، وسيتابع دراسته. *

استغرب علاء عدم زيارة سامية له . وبدأ يتألم كثيرا والشوق يضنيه والتفكير يؤلمه، وكان يطلبها على هاتفها النقال ولكنها لا تجيب . في حين أن *سامية كانت *ترى اتصال علاء ، وتبكي بحرقة ولا تستطيع الرد عليه* ومضت الأيام ، وخرج علاء من المستشفى سالما معافى ، يرى بعينيه الاثنتين .

وعاد إلى الكلية وكله يقين أنه سيلتقي حبيبته سامية هناك ، ولكن أحلامه لم تتحقق. وسأل عنها *الرفاق،* فعرف أنها نقلت إلى جامعة أخرى.

ابتعدت سامية عن حبيبها وهي شديدة الاشتياق له . ولكن كانت تقول : انه يرى بعيني وهذا يكفيني .

كيف سيعيش مع امرأة بلا عين - قمة العطاء وقوة الحب الصادق- حاول علاء أن يستقص عن أخبار سامية من خلال الأصدقاء ، إلى أن عرف مكانها . وفاجأها بزيارة لها في جامعتها ، وفوجئ بارتدائها نظارة* احتضنها بعينيه، *وقال لها : اشتقت إليك ،* لم تركتني في عز مصيبتي ومرضي ؟ لم تركت الجامعة ؟ لم لا تردين على الهاتف ؟

بكت سامية بحرقة ، وشدت يديه إلى صدرها بقوة عجيبة ، وقالت له وهي تترنح : ( كل الطرق تؤدي إلى عينيك ) يكفي أنك ترى بعيني يا علاء* أحبك ..أحبك.. أحبك . وسقطت سامية على الأرض وسلمت روحها لله ، فاحتضنها علاء وهو يصرخ أنت إذن يا سامية ، أنت *إذن يا غالية ، أنت يا من تسكنين الفؤاد . لا.. لا تذهبي ، لا.. لا تتركيني وحدي يا حبيبتي ، ولكن سامية لم تسمع توسلاته فقد ذهبت إلى بارئها، وتركت عينها تعيش في جسد حبيبها إلى الأبد .

  • عضو جمعية الكتاب والصحفيين الفلسطينيين
  • عضو جمعية الكتاب والأدباء العرب**
بواسطة :
 2  0  10.8K