لطالما أخبرتكِ أني لا أحب الشتاء
الشاعر مفرح آل مَجْرَد الشقيقي
كلما عاد البرد أيقظتُ ما تبقى من جمر الذاكرة ، وتدفأتُ بأيامنا التي كانت تصهل يوماً ما كالنارِ هنا ... لم نكن نعبأ بقوة البرد بقدر ماكنّا نخشى هبوب الرقيب ... لم تكن لحظة ألذ من استراق قُبلة خاطفة بعد أنْ نتيقَّن أنَّ المحيط آمن ، وأنَّ الظلام يتخلّى عن حياديته وينحازُ إلينا ، وكنت أهمس لك بعد كل زحام الخوف هذا :
"أرأيتِ ؟؟! حتى الطبيعة معنا وكأنّا جزء من فطرتها" .
لطالما أخبرتكِ أني لا أحب الشتاء ، ولكنك في كلّ مرة تتمردين وتشعريني بلذةِ أن أكون بقربك في لحظةِ برد ، تجيدين تفصيل المساءات الباردة كما تشاء أحضانك ، وتتقنين ترويض الريح حتى كأنَّ زمن الصقيع لم يحنْ بعد ، ولاتكفّي عن تذكيري بأن امراة دافئة يمكنها أن تهزم مواسم الثلج ... وهكذا كنتِ بحق .
واليوم وأنا أجلس أمام الحطب والقهوة و رفٍّ رفيع من الذكريات ... أحاول أن أستعيدك ، أن أخلعك من منفى الغياب ، أن أمزق أسراب الضباب وأصلك ، أن أعلق أجراسي على الجسر ، وأسير إليك محمّلاً بموسيقاي ، ومتعباً من لعنة الشتاء ، ومقيداً بما يكفي من وَلَه ...
أعلم جيداً معنى ألا تكون الأقدار إلى جوارك ، وأتفهّم لؤم الاشتياق حين يتمرّد ، وأدرك صعوبة أن يسير رجلٌ بلا عنوان ولا خارطة ولا بوصلة إلاّ مايهتدي به من حنين ، لكن ما لا أفهمه أو ربما لا أريد أن أفهمه : أن أقضي الشتاء تائهاً في مهبِّ البرد ، مشنوقاً بانتظار جديد
@Mofareh5