شوارع المشرعين
الكاتب : عطية جابر الثقفي
بات الصدق ضرباً من الخيال وأسفرت كل الرؤى والتطلُّعات عن تسيّد الكذب والمُحاباة لمنهج حياةٍ زائفةٍ تعُج بالتقلُّبات الجغرافية طقساً ومُناخاً ..! حتى تضاريسها لم تعُد تِلك التضاريس التي عرفناها وترعرعنا في كنفها فهناك سباق محموم وعلى شتّى الأصعِدة باتجاه أهداف من نسج الخيال فالكل يلهث إلى المجهول
حتى ازدحمت الشوارع بالمُشرِّعين رغم اتساع المساحات فهُنا مفتي وهناك مُنجِّم ومابينهما زخمٌ هائلٌ من المُتشدِّقين ومُدَّعِي العلم الشرعي والثقافة العامة وأنهم هم الذين يمثلون الطبقة الرفيعة في المجتمع وما عداهم هم الجهلاء الرُّعاع الذين لا يُؤخذ بكلامهم ولا يُسمع صوتهم فتضاربت الاجتهادات وكثر التلاسن وتسفيه الآراء فكان من نتيجة ذلك أن احتار عامة الناس في أمور دينهم مما يجعل العاقل في أمسِّ الحاجةِ إلي الانصراف والبحث عن مكان آخر لا صخب فيه ولاجدال ولا ملاسنات ..!
وعلى مستوى البيوت التي ربما كانت مستورة ترى التقليد الفاضح الواضح يفتك بأركانها ويهدم جدرانها لبنةً لبنة فالرّاعي يكاد يكون مشلول الحركة معدوم الإرادة تسير الأمور بدونه كأن لم يكن موجوداً وقد يؤخذ برأيه بعد أن تكون الأمور قد انتهت وتمتْ حبكتُها ليُضْفي شيئاً من الجدية والصدق على ماتم اعتماده من أمر .
والراعية غالباً ماتكون مشغولةً بنفسها ومتابعة لنظيراتها في مأكلها وملبسها ومشربها متخذة من بعضهن مثلاً يُحتذى.
وإن كان ذلك لا ينطبق على الجميع فهناك من تُدير بيتها بجدارة واقتدار وفق الضوابط الشرعية والعادات المرعية .
و في ما مضى كانت جميع شؤون الحياة تسير وفق نظام واحد يكاد يكون مُشترَكاً بين الناس ورغم البساطة وقلة ذات اليد والجهل بكثير من الأمور إلا أنَّ إيقاع الحياة كان جميلاً متناسقاً متناسباً مع قدرات الجميع فالطبقية معدومة والمساواة ظاهرة والناس سواسية لا تمايز ولاتمييز بينهم.
أما الآن فقد اختلط الحابلُ بالنابلِ ولم تُعد تفاصيل الحياة واضحة عند معظم الناس .!