المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024

صبراً صبرًا صبرًا يامن فقدت...

بقلم:* د. حياة الهندي
صبراً يامن فقدت....
أكتبها اليوم ولا أدري هل أكتبها لنفسي أم أكتبها لسواي!
لكنني أكتبها لأن الله وحده هو من وضع بذرتها في قلبي وتفتحت أكمامها على ورقي فأبكتني قبل أن أكتبها ، وتساقطت عبراتي تنثرها .
فالحمدلله على كل حال ، والحمدلله حتى يرضى من قدر الفقد وهذه الأحوال ، وكتب قبل أن يخلق سمواته والأرضين مقادير العالمين
فالحمدلله على أقداره المؤلمة والحمدلله على كل فقد بعدد كل من فقد من يوم خلق السموات والأرض وحتى يوم العرض عليه حمداً يرضاه ويقبله
ونسأله أن يجعلنا من عباده القلة الشاكرين الصابرين.
صبراً يامن فقدت...
صبراً صبراً فلا تدري أنت بعد الفقد ماذا ينتظرك من أجر ؟
برغم مرارة الفقد الموجعة لانقول إلا مايرضي الرحمن الرحيم ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ) نحن له ونحن إليه وهو بحالنا أصبر وبصلاح أحوالنا أعلم وأخبر.
فصبراً صبراً يامن فقدت ، وتأنى ولاتتعجل ولاتظننّ أنّ مصيبتك هي الأكبر فلكل منا إدراكه وتعلقه وأحلامه فلربما تظنّ أنّ فقدك ومصابك عظيم ويراه غيرك حقير ، وماعظُم عندك إلا لأنّك في إدراكك كان لك كبير وعظيم ولذلك حزنت وانكسرت وتبعثرت ولو كان من حولك حكيماً لأدرك أنّ جميعنا يتلظى من ألم الفقد.
انظر في حال الرضيع يفقد رحم أمه وحجيراته فيبدله الله الكرة الأرضية باتساعها.
ويفقد إرضاعها له فيبدله الله أطايب الأرض ويكبر ويكبر معه الفقد أكثر فلربما لعبة يفقدها تزرع فيه حزناً لاينفصم عنه، ولربما أكلة يشتهيها ولربما لباس يتمناه يراه على غيره ويفقده هو، ولربما صديق في صغره يتعلق به ثم يفقده ، أو يفقد حتى والديه أو عضو من أعضائه أو أي شيء فالمعول على سنة الفقد في الأرض وفي الناس.
لكن هذا الصغير لايفطن إلى كثير من الأمور التي تجبر الفقد فتجده يتعذب به حتى يكبر ويستوي عوده وفي كل المشاكل التي تعترضه مستقبلاً إن بحثت عن أسبابها ستجدها في الفقد الذي حلّ به ولم يُعالج؟
ويقال له في هذا الموضوع عالج اعتلالات الطفولة وستتحسن أحوالك وستسكن رياحك وأمواجك.
هذا عن الصغير أمّا عن الكبير فهل الجميع يفطن كيف يُعالج الفقد ويحوله من خسارة إلى مكسب ؟
فالكريم يبتلي ليهذب لا ليعذب!
أم أنّه سيظل صغيراً مهما كبر وتعلم ؟
أم أنّه في حين مرارة الفقد نسي كل مامر به وماتعلم!
وهذا وارد ولايُلام عليه فالمصيبة إذا حلت كانت السيالات العصبية على المخ سريعة ومتتابعة لدرجة أن المخ لايستطيع استيعابها ، لذلك نلحظ في المصاب عند حلول المصيبة شروداً وسرحاناً وماذاك إلا بسبب تأثير المصيبة عليه ، وهذا ماحدث لأم موسى حين ألقت وليدها موسى عليه السلام في اليم فربط الله على قلبها .
لذلك تجدنا عند المصيبة ندعو للمصاب أن يربط الله على قلبه ويصبره ويبصره ويثبته.
فالمصيبة حلت ووقعت فلا الجزع يردها أو يبطلها فنسأل لمن أصيب الربط والصبر حتى يفوز بأجر المصيبة فلا تقع عليه المصيبة مصيبتين
المصيبة الحاصلة ومصيبة فوات أجرها.
فصبرا صبراً يامن فقدت أنا اليوم أهمس لك بحروف كتبها مداد القلب قبل القلم .
صبراً يامن فقدت أبا .. أماً ... اخاً ..أختاً .. صديقاً... قريباً ...زوجاً .. عضواً ..مالاً... مركزاً ... مكانةً...منصباً... جاهاً...علماً...بيتاً..وطناً..فكرةً...حلماً.. زرعاً...دابةً ...ولداً ..ثقةً...هدوءاً... أمناً... سلاماً... طبعاً...رقياً...طبيعةً... ملكةً..موهبةً... خطوةً... مكانةً... عافيةً... نضارةً... قوةً...جسارةً.....الخ
صبراً يامن فقدت كل شيء في وقتٍ واحد ، وابتليت بفقد أكثر وأكثر
أو حتى توالى عليك الفقد وتهاوت عليك المصائب وضعفت وانكسرت
صبراً صبراً صبراً على كل هذا..
وقم من عثراتك
ولاتحزن لاتحزن لاتنكسر لاتضعف لاتيأس
وإليك بعض الإرشادات التي استخلصتها لك من الواقع ووجدتها ناجعة بإذن الله ومثمرة وختماً بل مفرحة ومهدئة :ـ
1_ أحمد الله أن المصيبة لم تكن في دينك وكم من مصاب في دينه وهو لايعلم نسأل الله العفو والمغفرة والرجوع إليه رجوعاً حسناً
2_ أحمد الله أنها لم تكن أكبر من هذا.
3- أحمد الله أنك جعلتك تسترجع وتستعيد حساباتك مع ربك فتدعو وتستغفر وتتذكر نعمائه عليك.
4ـ تذكر أنّ مافقدته لم تفقده!
نعم غير إدراكك ونظرتك للأمر ستجده بإذن الله يتحول معك من مصاب إلى نعمة .
5_ اصبر وارضى عن قضاء الله وقدره . وقل لقلبك المكلوم إياك أن تُري الله منك سوى الرضا فالرب ينظر للقلوب فاخجل واستحي من جزعك وارضى عن أقدار مولاك وسيدك.
6_ الصلاة حتى لو ركعتين خفيفة تسأل الله فيها تفريج الهم.
7_ سماع القرآن الأفضل القراء ة لكن ربما المصاب لايستطيع فليستمع وليتفكر في اليوم الآخر وليعتبر أي موضوع هل خسارته هي الجنة ؟ فإن لم يكن فلم الحزن والأسى ؟
8- يحول مخه وإدراكه لشيء إيجابي ينفعه خير له ، بأن يركز على الإنجاز ( القيام بأي عمل ، تلخيص كتاب مثلاُ أو قراءته أو تنظيف المكان الذي أنت فيه ، عمل تحبه ، عمل مفروض عليك ، ... أو أي عمل صالح آخر ... المهم أن تعمل .
9- العافية أجمل مافي الوجود لذلك لابد من الاهتمام بها وسؤالها الله دوماً وأبداً فلا تكترث لأي شيء فتخسر عافيتك.
10- احرص على العلم فالعلم يضمد الجرح ويوسع المدارك ويشغلك بالنافع.
11- استفد من خبراتك وتجاربك اعتبرها وقودا للمراحل القادمة
فكل مؤلم مرّ بك استفد منه كدافع وحافز لعمل مثمر يزهو بك.
12_ استمع لما يجدد شحناتك وطاقتك ويوجههك من توجيهات دينية أو حتى أفكار غربية بعد تأصيلها بالمنهج الإسلامي .
14_ غير منحنى حياتك بعدما الفقد وتأكد دائماً يغلق باب تفتح أبواب فلا تقف عند الباب المغلق كثيراً ، وانطلق لأهداف أكبر، وأفكارأعظم ،واترك بصماتك ،وأكسب أكثر وإن كسبت تستطيع أن تعوض مافاتك وتتصدق عمن فقدت.
15ـ مارس الرياضة فتهدئ روحك ويستقيم جسدك وتتحسن عافيتك .
16- تفاءل فالقادم دوماً أجمل لأنّك أنت الآن أجمل بخبراتك وإنجازاتك وأحلامك وأهدافك وقبل كل شيء بصبرك ورضاك.
وتأمل معي هذه اية
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ } أي: من بني إسرائيل { أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } أي: علماء بالشرع، وطرق الهداية، مهتدين في أنفسهم، يهدون غيرهم بذلك الهدى، فالكتاب الذي أنزل إليهم، هدى، والمؤمنون به منهم، على قسمين: أئمة يهدون بأمر اللّه، وأتباع مهتدون بهم.والقسم الأول أرفع الدرجات بعد درجة النبوة والرسالة، وهي درجة الصديقين، وإنما نالوا هذه الدرجة العالية بالصبر على التعلم والتعليم، والدعوة إلى اللّه، والأذى في سبيله، وكفوا أنفسهم عن جماحها في المعاصي، واسترسالها في الشهوات.{ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } أي: وصلوا في الإيمان بآيات اللّه، إلى درجة اليقين، وهو العلم التام، الموجب للعمل، وإنما وصلوا إلى درجة اليقين، لأنهم تعلموا تعلمًا صحيحًا، وأخذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين.فما زالوا يتعلمون المسائل، ويستدلون عليها بكثرة الدلائل، حتى وصلوا لذاك، فبالصبر واليقين، تُنَالُ الإمامة في الدين. سورة السجدةاية (24)
نفعنا الله بالقرآن الكريم وجعله لنا سائقا وقائدا ودليل وصلى الله على الهادي البشير محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.
بواسطة :
 0  0  11.2K