المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024

الباحثات عن الزواج في تويتر!

  ياسر صالح البهيجان*  

من أكثر التساؤلات الجريئة في زمن الاتصالات الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي هي: هل تلك البيئة الرقميّة صالحة حقاً لإنتاج علاقات متينة قادرة على أن تؤسس أسرة سعيدة تنسجم مع طبيعة المجتمعات المحافظة ذات الاعتماد على الموروث الذي يحدد من منظوره الطريقة المثلى لارتباط الأزواج؟.

قبل الإجابة عن ذلك السؤال المعقّد وإن بدى سطحياً بعض الشيء، دعونا نستقرئ تطوّر طقوس ارتباط الرجل بالمرأة لفهم سيرورته الثقافية والاجتماعيّة، ففي بادئ الأمر وتحديداً في زمن الجاهليّة كانت أعراف الزواج استبداديّة وذكوريّة بحتة، ولم يكن للأنثى رأي في القبول أو الرّفض، هي جزء من الميراث كالأموال، وقد يرث الابنُ زوجة أبيه والأخ زوجة أخيه، ويأخذ النكاح أحياناً أشكالاً أخرى تشرّع للبغاء كنصب خيامٍ بداخلها فتيات ويدخل عليهنّ رجال من القبيلة ويعاشروهنّ معاشرة الأزواج سعياً لمضاعفة أعداد الأعباء حتى وإن كان الأب مجهولاً، ولذا لم يخرج مفهوم الزواج في الجاهليّة عن ثنائيّة المتعة والإنجاب، دون أن يشمل فكرة الاستقرار وتكوين الأسرة، وهو نتاج طبيعيّ لعشائر اعتادت على الترحال والغزو بوصفهما مصدرين رئيسين للبقاء على قيد الحياة.

وعندما جاء العصر الإسلامي تشكّلت مفاهيم جديدة للزوّاج، وأوّل ثورة إسلاميّة فكريّة كانت ضد استعباد المرأة وذلك بفرضه مهراً لها، وإقراره لمشروع الميراث الذي ترث به المرأة زوجها بعد أن كانت هي من يُورث، وتأسيسه لقانون يتيح للزوجة خلعَ زوجها إن كرهته، ووضعه معايير لحضانة الأبناء وحفظ الأنساب من الاختلاط، لتتبلور بذلك فكرة الاستقرار وتأسيس الأسرة كمحورين أساسيين في الارتباط الزوجي.

وظل مفهوم الزواج مترنحاً بين العقليّة الجاهليّة والمنظور الإسلامي طيلة القرون الماضية حتى عصرنا الحاضر، فكلما كانت التجمعات البشريّة ميّالة إلى حياة البادية كانت الرؤية الجاهليّة أكثر قرباً إلى أذهانهم من المفاهيم الإسلاميّة، إمّا لانتشار الأميّة فيها أو تشبثاً بالموروث الجاهلي بوصفه أنموذجاً أصيلاً يتماشى مع طبيعة الترحال ونتاجاً لها وتعبيراً عنها.

*أمّا في المُدن المتحضّرة والتي واكبت التطوّر التكنولوجي وثورة الاتصالات وشبكات المعلومات فإن الأمر مختلف تماماً، إذ المرأة بدأت تأخذ أدوار الرجل أحياناً كنتاج للدعاوى الدوليّة المطالبة بالمساواة فيما بين الجنسين، وإفساح المجال أمام الأنثى لاستقلالها المالي لتصبح في بعض المواقف عائلة للذكر وليست عالة عليه، وهذه الظروف أسهمت في إن تتجاوز الفتاة حدود الأعراف الاجتماعيّة لتمارس مهمة البحث عن شريك حياتها بدلاً من انتظار أحد يطرق بابها.

وكان لوجود وسائل الاتصال الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي تحديداً الدور البارز في أن تقدم المرأة نفسها للرجل بوصفها زوجة صالحة، وذات عقليّة رقميّة متماشية مع روح العصر، في وقت تغيّر فيه مفهوم الشاب للزواج، وأصبح يفتش عن امرأة تنسجم مع طريقة تفكيره وقادرة على فهم سلوكيّاته، إذ تراجع إيمان الشباب بأهليّة الأساليب التقليديّة في الزواج والتي لا تتيح له معرفة الطرف الآخر معرفة حقّة.

والحقيقة أن رؤية الجيل الشاب للزواج عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي لم تصل حتى الآن إلى مرحلة النضج، ولا تزال في حالة تيه يتنازعها الشكّ، لكنها في الآن ذاته تبدو جادة في الاتجاه نحو الاكتمال في المستقبل القريب حتى وإن واجهت رفضاً من الأجيال السابقة أو المتمسكين بالأعراف التقليديّة.

بواسطة :
 0  0  11.0K