شكٌ أم غَيرة
ضمن مجموعتنا فن الإرشاد ناقشنا موضوع الشك والغيرة ابتداءهما وآثارهما وتكون صورتهما في أحد الزوجين الذي يعاني من نار في قلبه، والآخر يحاول إخمادها، وفي خضم هذه المحاولات إما صمت أو صراخ، وإما تبريرات أو اتهامات، والغيرة ظاهرة صحية تُشعرنا بشدة التعلق بشخص مع الخوف عليه من الميل للغير، والشك هو التصديق بأمر أو نفيه دون الجزم به، وما بين الشك والغيرة هناك خيط رفيع، فكثير من الزوجات تفسر شكها بأنه غيرة، والرجل إذا كانت زوجته لا تشك به فسيؤول ذلك بأنها لا تغار عليه.
*والإسراف بالغيرة مرض تدخل صاحبها في الشَّك وقد نهانا الله عز وجل عن الشك (يأيها الذين آمنوا جتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن اثم ولا تجسسوا).
والغيرة سلوك حميد، وهو من جبلة الإنسان السوي وطبيعته، وقد أشاد الإسلام بذكرها ورفع شأنها في مواضع كثيرة، ومنها الغيرة على محارم الله أن تنتهك،**وهي مظهر من مظاهر الرجولة الحقيقية لما فيها من صيانة للأعراض وحفظ للحرمات، بل تتعدى ذلك إلى الجيران ومن في حكمهم كما قال عنترة بن شداد:*
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى***يواري جارتي مأواها
وهناك علاقة طردية قوية بين الحب والغيرة، ومن أهمها* ما يكون بين الزوجين، وهي غريزة يشترك فيها الرجال والنساء، وعلى الرغم أن هذا الحب في الأصل يتحول إلى غيرة محمودة، إلا أنه يمكن أن يتصاعد ويفسد فيتحول إلى شك، ويحدث ذلك إذا أحست المرأة بتطلع زوجها للأخريات، أو إذا شك الزوج في سلوك زوجته بتطلعها إلى الرجال الآخرين*. نحن أمة وسط في كل شي، فالاعتدال في الحب ومن ثم الغيرة بالنسبة للرجال و النساء أمر محمود، وفي المقابل فإن الشك حالة مرضية يحاول أحد الزوجين معها تقصي حال الآخر ورصد حركاته وسكناته مما يحيل الحياة الزوجية إلى نكد ومشاكل* بدلا من الاستقرار والطمأنينة، ولعل من أسباب الغيرة المرضية العامة رغبة أحد الزوجين في امتلاك الآخر وعدم ترك الحرية له لممارسة نشاطاته وهواياته، وقلة الثقة في الشريك والاستماع لأقوال المغرضين وأصحاب النوايا السيئة وقد يكونوا من أقرباء الزوجين*، ومع المبالغة في الغيرة فقد تتحول الحياة بينهما إلى جحيم لا يُطاق، ومن ذلك أيضا*تكرار الحديث بين الحين والآخر من أحد الزوجين عن علاقاته الغرامية السابقة سواء كان زواجاً انتهى بالطلاق أو الوفاة، أو العشق والغرام الذي لم ينته بالزواج، و*إسقاط أحد الزوجين المشكلات الزوجية للمعارف والجيران على حياتهما الخاصة واعتبار أن الرجال سواء وأن النساء كذلك، والمطلوب من الزوجين بناء الثقة بينهما وعدم السماح بالاسترسال في الأوهام المدمرة وعدم السماح للآخرين بالتدخل في حياتهما الخاصة، وحل خلافاتهما بكل هدوء كي يستمر الوئام وينتفي الخصام*. * كاتبة عراقية وناشطة إرشاد أسري