الأنبياء هم أشد الناس بلاءً
*
محمد قاسم بابونغري
الأنبياء عليهم السلام تحملوا الأذى بشتى أنواعه وصبروا في سبيل دعوتهم لله عز وجل وبذلوا الجهد ليبلغوا الرسالة كما أمرهم الله وابتلوا بأنواع البلايا منها : السخرية والاستهزاء حتى أن منهم من ابتلي بأن ألـقـي* في النار , ومنهم من ضُرب حتى أغمي عليه , ومنهم من قتل ونشر مع الشجر, ومنهم من عذب بشتى أنواع العذاب , ومنهم من فصل رأسه عن جسده , ومنهم من رُشق بالحجارة ـ صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً ـ .
جاء عن مصعب بن سعد عن أبيه , قال : قلت : يا رسول الله* , أي الناس أشد بلاءً ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " الأنبياء , ثم الصالحون , ثم الأمثل فالأمثل من الناس , يبتلى الرجل على حسب دينه , فإن كان في دينه صلابةٌ , زيد في بلائه , وإن كان في دينه رقة , خُفِّفَ عنه , وما يزال البلاء بالعبد حتى* يمشى على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة ", وجاء عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" عظم الجزاء مع عظم البلاء , وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم ,فمن رضي فله الرضا ,ومن سخط فله السخط ".
وقد ابتلي كذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين جاء فيهم : " رضي الله عنهم ورضوا عنه". وابتلي من بعدهم فقد جُلد العالم الرباني سعيد بن المسيب , وجَلده أمير المدينة , وجُلد الإمام أبو حنيفة من قبل أبي جعفر المنصور , وجُلد الإمام مالك بن أنس من قبل والي المدينة , وجُلد الإمام أحمد بن حنبل في الحق .
* فماذا يجب علينا في وقت البلاء : علينا تقوية العلاقة مع ربنا* ـ تبارك وتعالى ـ* والصبر والاستعانة به , وكثرة الاستغفار والصلاة وذكر الله وعدم الالتجاء* إلى الجزع والفزع .
*
كما ينبغي علينا الرضا بقضاء الله وقدره وعدم غلبة وساوس الشيطان* علينا , وهذا الابتلاء للإنسـان بإعلان مسبق* من الله كما قال تعالى : ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . [ البقرة : ١٥٥– ١٥٦ ].
وجاء عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ , إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ , وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ , إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ , وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ "* . روى البخاري ومسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ , وَلَا وَصَبٍ , وَلَا هَمٍّ , وَلَا حُزْنٍ , وَلَا أَذًى , وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ " . وفي رواية لمسلم : " حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ " , وفي رواية أخرى لمسلم : " مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا , إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً , أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً ", وجاء عن عمر بن سعد عن أبيه , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عجبت من قضاء الله **-عز و جل- للمؤمن : إن أصابه خير , حمد ربه وشكر , وإن أصابته مصيبة , حمد ربه وصبر , المؤمن يؤجر في كل شيء , حتى في اللقمة يرفعها إلى فيِّ امرأته ", وأن الصبر عند الصدمة الأولى : فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنما الصبر عند أول صدمة " أو قال : " عند أول الصدمة ".
واعلم أن كل شيء بقضاء وقدر , وهذا اعتقاد أهل الإسلام , وأتباع رسول الله* صلى الله عليه وسلم , وأنه لا يقع شيء في الكون إلا بعلم الله وبإذنه وتقديره : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير . [ الحديد : 22 ] وقال تعالى : إنا كل شيء خلقنه بقدر .[ القمر : 49 ] , وقد جاء عن ابن عباس* قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك , إذا سألت فاسأل الله , وإذا استعنت فاستعن بالله , واعلم أن الأمة* لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك , ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء* قد كتبه الله عليك , رفعت الأقلام وجفت الصحف ", وجاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عز وجل مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ , وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ , احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ , وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ , وَإِنْ أَصَـابَـكَ شَيْءٌ , فَلَا تَقُلْ : لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا , وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللَّهِ , وَمَا شَاءَ فَعَلَ , فَإِنَّ ( لَوْ ) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ " . وعَنْ ثَعْلَبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ :سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول:" عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ,إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْضِ[ له ] قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ " .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين* .*******************************
*
*
*
(*) مقتبس بتصرف من كتاب الكاتب:
*"وقفة تأمل في بعض قصص الأنبياء"/*دار الطرفين بالطائف عام 1429هـ