المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024
غزاوي في خطبة الجمعة من المسجد الحرام : بدأ الإسلام غريباً ثم ظهر وعلا وعز أهله ودخل الناس في دين الله أفواجا
محمد الراعي
بواسطة : محمد الراعي 16-02-2018 01:20 مساءً 7.8K
المصدر -  [JUSTIFY]استهل إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل غزاوي خطبته بحمد الله والثناء عليه وقال : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء ) رواه البخاري ومسلم، وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباَ كما بدأ، فطوبى للغرباء ) ، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «الذين يَصلُحون إذا فسد الناس» وفي رواية أخرى، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: “ناس صالحون قليل في ناسِ سوء كثير، ومن يعصيهم أكثرُ ممن يطيعهم”
وقد تحقق ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم تحققا بينا لا خفاء فيه؛ فقد بدأ الإسلام غريبا ثم ظهر وعلا وعز أهله ودخل الناس في دين الله أفواجا، ثم عادت غربته مرة أخرى واشتدت وتجلت مظاهرها بوضوح ، وهذه الغربة – عباد الله – ازدادت شيئاً فشيئاً بسبب دخول فتنة الشبهات والشهوات على الناس، حتى استحكمت مكيدةُ الشيطان وأطاعه أكثر الخلق فعظمت الفتن والابتلاءات وتغيرت الأحوال والتبست الأمور، ولكن مع هذا فطريق الخلاص وسبيل النجاة من الفتن معلوم قال صلى الله عليه وسلم : بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا . رواه مسلم
أيها المسلمون : إن هناك حكمةً عظيمةً لابتلاء المؤمنين بالغربة ألا وهي تمييز الخبيث من الطيب ومعرفة الصادق من الكاذب وتبيين المؤمن من المنافق، وبذلك يتساقط الأدعياء وأهل الباطل ويثبت أهل الحق، قال الله تعالى ( مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ …) وقال عزمن قائل (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُون ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ).
وتابع فضيله: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “ولا يقتضي هذا أنه إذا صار غريبا أي الإسلام أن المتمسك به يكون في شر، بل هو أسعد الناس؛ كما قال في تمام الحديث: (فطوبى للغرباء) وطوبى من الطيب؛ قال تعالى : (طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنَ مَآبٍ) فإنه يكون من جنس السابقين الأولين الذين اتبعوه لما كان غريبًا وهم أسعد الناس“. موضحاً بأنه عندما يقل الناصر ويعز المعين، يأتي دور الغرباءِ المصلحين الذين يقومون بأمر الله ولا يجدون مؤيدا ولا ظهيرا من الناس بل صدودا ومعاداة ، فإنهم والحالة هذه يعظم أجرهم وترتفع عند الله منزلتهم .
أيها الإخوة : لهؤلاء الغرباء صفات خاصة تدل على تميزهم وخيرتهم وثباتهم على مبدئهم وعلو همتهم وقوة إرادتهم .
وبين فضيلته صفاتهم التي تستفاد من الأحاديث الواردة في الغربة تمسكهم بالسنة عند رغبة الناس عنها وزهدهم فيها ، وفي المقابل ترْكُ ما أحدثه الناس من محدثات، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً فلغربتهم بيْن الخلق يعُدُّونهم أهلَ شذوذ وبدعة لكن يكفيهم شرفا تمسكهُم بدين الله وثباتُهم وأن الله ضاعف أجرهم ؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر ) رواه الترمذي.
وتابع فضيلته : من صفاتهم التي صرحت بها الأحاديث أنهم يُصلحون أنفسهم عند فساد الناس، ويَلزمون الحقَّ ويعَضُّون عليه بالنواجذ، ويستقيمون على طاعة الله ودينه، كما أنهم كذلك يُصلحون ما أفسد الناس من السنة والدين وينهون عن الفساد في الأرض، وهي صفة الغرباء في كل زمان ومكان، قال تعالى ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين ولا يمنعهم عدم قبول الناس للحق من القيام بدورهم قال أويس القرَني رحمه الله : إن قيام المؤمن بأمر الله لم يبق له صديقاً ، والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذونا أعداءاً ، ويجدون على ذلك من الفساق أعواناً، حتى والله لقد رموني بالعظائم، وايم الله لا يمنعني ذلك أن أقوم لله بالحق.
أيها المسلمون : إن أوصاف الغرباء المذكورة في الأحاديث تدلُّنا على أنهم ليسوا أناسا صالحين فحسب بل هم مصلحون أهل بصيرة وغَيْرة ودعوة وإصلاح، وليسوا ممن عاش لنفسه واهتم بخاصته وانعزل عن مخالطة الناس بسبب ما أصابه من اليأس والقنوط والاستسلام للواقع بل هم من الخيرة الذين امتدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يتحمل أذاهم ) رواه الترمذي وابن ماجه.
ونوه فضليته بأنهم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ويتضح من أحاديث الغربة أنه ينبغي لأهل الحق عند غربة الإسلام أن يقوموا بدورهم في الإصلاح ويزدادوا نشاطا في بيان أحكام الإسلام والدعوة إليه ونشر الفضائل ومحاربة الرذائل والدفاع عن السنة والتحذير من البدع والمحدثات وأن يشمروا عن ساعد الجد وأن يستقيموا على الدعوة ويصبروا عليها يرجون ما عند الله من المثوبة ، وعليهم أن يستقيموا في أنفسهم على ذلك حتى يكونوا من الصالحين عند فساد الناس ومن المصلحين لما أفسد الناس قال تعالى ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ) ولما سألت زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ ) قَالَ: ( نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ) رواه البخاري، فالمانع والحائل من تزول العذاب وحلول الهلاك هو الإصلاح لا مجرد الصلاح ، فيجب ان يكون الإنسان صالحا في نفسه مصلحا لغيره .
وأشار فضيلة الشيخ غزاوي إلى أنه لا تزال الأمة بخير ولله الحمد، وإن تغيرت الأحوال وكثر الاختلاف فهناك من هو على الجادة يعمل على نصرة الإسلام ويضحي بالغالي والرخيص من أجل إعلاء كلمة الله ، وشعاره ( من للإسلام إن لم أكن أنا ) وهولا ينتظر أن يتحرك غيره لنصرة الدين حتى يتحرك هو، ولا أن
يَطلبَ منه أحد أن يقدم لأمته ودعوته، بل هو مبادر يعد نفسه هو المؤتمن على دين الله والمسؤول عن إصلاح المجتمع ورد الناس إلى ما كانوا عليه من الهدى ودين الحق .
عباد الله : إن مما يفهمه أكثر الناس عند سماع أحاديث الغربة وأحاديث الفتن وتغير الأحوال كحديث (ما من عام إلا والذي بعده شر منه ) وحديث (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ) يفهمون من ذلك أن هذا مسوغ لاستمرار الأمة في ضعفها وذلتها وهوانها وبقاء أهلها على الخنوع والانهزامية والانكسار والإحباط وغاب عنهم أو نسوا أن هناك أحاديثَ أخرى تدل على عزة الأمة ودورهِا الرائد ومستقبلِها الباهر كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( مثَلُ أمتي مثَلُ المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره ) رواه الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وقوله: لا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ) أخرجه البخاري ومسلم من حديث معاوية رضي الله عنه وقوله صلى الله عليه وسلم