المصدر -
من الصعب الاعتقاد استنادا إلى رقص الشياطين الذي يجري الآن أمام أعيننا، أن الولايات المتحدة تعتبر نموذجا يحتذى به للنظام الديمقراطي. ولكن في الوقت ذاته علينا أن نتذكر أن انتخابات الولايات المتحدة هي انتخابات على مستقبل العالم.
من يستمع إلى الأخبار المذاعة في القنوات التلفزيونية في الولايات المتحدة منذ يوم الجمعة الماضي، سوف يكون في حاجة إلى قَرص نفسه حتى يتأكد أنه حقا في أميركا، تلك القوة العظمى التي تعتبر نموذجا يحتذى للنظام الديمقراطي، ورمز التقدم ونموذج الحداثة. إذا حكمنا على أساس الحجم والمحتوى الرهيب من التقارير وموجة التحليلات التي تغرق الإعلام الأميركي عن تجدد التحقيق في موضوع البريد الإلكتروني الخاص بكلينتون، سيبدو للمتابع الساذج أنه نزل عن طريق الخطأ في دولة إفريقية متخلفة أو في بلد تحت نظام ديكتاتوري، أو أنه ذهب إلى بلد منعزل نال استقلاله مؤخرا.
فجأة، وقبل أيام قليلة من يوم الانتخابات، يستيقن الأميركيون من الحقيقة المحزنة، أن ذروة الجنون التي ميزت حتى وقت قريب السباق الرئاسي هي لا شيء مقارنة برقص الساحرات غير المقيد الذي يجري الآن أمامهم.
من كان يعتقد أن دونالد ترامب -الذي حول السباق الرئاسي لساحة لعب، وعرض ابتذال مرضي متواصل غير مسبوق في التاريخ السياسي للولايات المتحدة- سوف ينجح أن يبدو فجأة منطقيا وجادا عندما يتطرق بجدية وبالطبع بفرحة إلى الإعلان عن استئناف التحقيق في الاتصالات الإلكترونية لمنافسته هيلاري كلينتون. حتى الإعلان عن استئناف التحقيق، لم يفوت ترامب فرصة واحدة للإساءة والسخرية والإهانة لرئيس الـFBI. وفجأة تحول جيمس كومي إلى معبود محبب.
لقد قام كومي بعمل أحمق عندما أعلن -الآن فقط- قبل أيام قليلة من الانتخابات، عن استئناف التحقيق ضد كلينتون. ذلك انعدام فاضح للمسؤولية الاجتماعية، أن تعلن عن تحقيق، في حين أن 22 مليون مواطن صوتوا بالفعل في عدة ولايات. فقهاء القانون الذين عبروا عن آرائهم في مقابلات مختلفة، أجمعوا على أن رئيس الـFBI تجاوز القانون الذي يحظر على وكلاء مكتب التحقيقات الاتحادي الإعلان عن تحقيقات قرب يوم الانتخابات. ولكن يجب القول إنه ليس تصرف كومي -مهما كان خاطئا هو المهم والرئيسي عشية انتخابات تعتبر مصيرية بالنسبة لمستقبل الولايات المتحدة.
مرحبا، أميركا، لحظة من فضلك، استيقظي. إن الحسم في يوم الانتخابات القريب ليس على مستقبل رئيس مكتب التحقيقات الاتحادي جيمس كومي، وأيضا ليس على مصير أنتوني وينر، الشاذ جنسيا والشخصية المدانة، وحتى ليس على المستقبل المهني لزوجته السابقة هوما عابدين المستشارة المقربة لهيلاري كلينتون.
بحق السماء، يا من لكم الحق في التصويت، لديكم أيام قليلة لتفكروا. يرجى منكم ألا تنسوا أن أميركا ليست وحدها في العالم. على الساحة العالمية تجري حاليا أزمات بحجم لم يذكر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. حروب أهلية وصراعات مسلحة أدت لمقتل مئات الآلاف من الناس، وما زالت تتسبب في معاناة رهيبة لأعداد هائلة من السكان.
في العالم حاليا يبحث بالفعل عشرات الملايين من اللاجئين والمشردين عن مأوى. العداء بين الولايات المتحدة وروسيا وصل وفق سفراء ودبلوماسيين في وسط الأمم المتحدة إلى مدى يذكر بذروة الحرب الباردة، وحتى لتهديد نشوب حرب بين القوتين العظميين. بدون تدخل فعال من قبل الولايات المتحدة، بقيادة شخصية ذات خبرة ومعرفة سياسية، فإن العالم سيواصل التدهور.
العرب*