المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 24 نوفمبر 2024
مساحات من البراءة : قراءة في ديوان (أنت وجه الملاك) للشاعر رافع حلبي
محمد الياس - فقيد غرب رحمه الله
بواسطة : محمد الياس - فقيد غرب رحمه الله 18-12-2017 02:58 صباحاً 23.8K
المصدر - بقلم: صالح احمد عرابه – الجليل  












في زمن تشوّه فيه كل شيء.. حتى مفاهيم الأدب.. يبقى الصوت النقي المعبر بعمق، ينزل على أسماعنا، يهز فينا صدى المعاني الطيبة، لتولد، ونصحو على صداها القادم بعبق من المعاني المغيبة عن وعينا منذ زمن.. فبعض المعاني تحتاج إلى وعينا لتتجسد حقيقة ناصعة، وإلا اعتلاها الغموض،وغرّبها ازدحام الذاكرة بكل غريب خاطئ دخيل.
الرومانسية من المعاني التي غيّبها ازدحام الذاكرة بمشوه الأفكار.. فباتت تعني للكثيرين معاني الغرام والغزل المشبع بالإباحة.. وهذا هو التشويه بعينه. لأن الرومانسية أصلا تعني عشق الطبيعة.. تعني العاطفة البكر التي تستمد طهرها من توحدها بطهر الطبيعة الأم.. الرومانسية تعني أن يحج القلب والروح إلى الأم الطبيعة؛ في رحلة التأمل والتبتل في محراب الطبيعة العاشقة المعشوقة .
يطل علينا الشاعر رافع حلبي بديوانه الصغير الأنيق "أنت وجه ملاك"، ليجدد معاني الرومانسية الحقيقية.. حيث تكتسب الحبيبة وتتقمص روح الطبيعة والوطن والطفولة والشمس والقمر.. في الوطن الحبيب المتربع على عشق القلوب. في رحلة طهر المشاعر والعواطف، ليهمس:


" ما أجمل الإنسان الطاهر
أنت هو الإنسان " / ص 7


معنى من معاني الرومانسية يتجلى بأحلى صوره: التوحد مع الطبيعة. يقدِّم له الشاعر ببرقية موجزة بقوله:
" في زمن تطاول فيه البؤس وعزّ الفرح
أنت الطيب كله " / ص3


وكأني بشاعرنا لم يطق صبراً... فأسرع بالبوح والكشف عن سره ، سر حبه العظيم، الذي علمه التوحد مع الطبيعة، راضعاً ثدي طهرها، ليشعر بأنه مختلف:
" يجعلني رجلا آخر
تكتنفه اللباقة
تعانقه الرّقة..
المنسابة إلى داخل الروح
كحب الأوطان " / ص12


فالرومانسية تجل لأعظم المشاعر الإنسانية، في تجسيد الارتباط إلى درجة التوحد بالطبيعة الأم عامة.. وبالطبيعة الوطن خاصة.. ولكي يوضح الفكرة، وبدون أدنى لبس، يضيف:


" حبيبتي وجه الملاك
من حب الأوطان ..
تزهو كالبلّور
أطال الله بقاءك يا وطني
فأنت بلدي دالية الكرمل
حبي الأبدي " / ص15


أما وقد كشف الرمز، وأبان عن حقيقة ما يصبو إليه قلبه، وتتشوّق روحه.. فأصبح لزاماً عليه أن يكمل الصورة.. صورة الرومانسي الحقيقية..حيث التوحد مع طهر الطبيعة البكر، والتغني به وبكل معاني العشق الطهري ، حيث تتحول الكلمات إلى صور.. إلى لغة عالمية؛ حروفها مشاهد الطبيعة.. ومعانيها أشواق الأرواح المتوحدة وجدا معها وبها.


" في عينيك كلمات كل لغات أهل الأرض
ويرقص القمر على دموعك الأخيرة..
العالقة على رموشك
التي تذكر بعيون الملائكة
بالربيع الزاهي المخضرّ في كرملي
والبحار الثائرة
كثوران حبي لك / " ص21


وليس لأحد أن يناقشه في ما يقصد، أو يعبر.. أو يريد، بل على القارئ أن يعيش المعاني؛ كلوحة توحدت فيها الألوان؛ في تمازج يحاكي طبيعة النفوس، تتأمل الطبيعة في لحظة توحد جمالي، تغيب معها كل الصور.. ولا يبقى في الذاكرة سوى لوحة الطبيعة المرسومة في الوجدان كنموذج للطهر والصفاء والنقاء.. التي لا يملك معها الإنسان إلا التعبير عن عشقه لكل ما يتداخل مع هذه الصورة.. والوطن هو مرآة هذه الصورة.. أنه الطبيعة حين تحتل القلوب بطهرها وصفائها.. والعشق حين يتجسد مرآة لنبل وصدق العاطفة وسموها. وما أروع ما عبر به شاعرنا عن هذا التجلي بقوله:

" كيف أنسى فضلك حبيبتي
وأنسى الفداء..
وأنت متوحّدة بداخلي
متقمصة أنفاسي من دون داء " / ص24


وإمعانا بالتوضيح.. بل إمعانا في قراءة لغة الطبيعة والعشق المتولد من توحد الروح في بوتقة الطبيعة الأم والوطن يضيف الشاعر:


" ربيع دائم أنت
تجمعين بين الماضي والحاضر
فتكتبين الحضارات وتوثقين التاريخ
تبرهنين لكل أهل الأرض
صدق القول، وحسن النوايا " / ص28


ولتكتمل الصورة.. ولتكتسب قدسية.. وطهراً علوياً لا يضاهيه طهر.. تتحد معالم الصورة مع ملامح الفكرة، في بوتقة الإيمان الواعي المستنير بنور المحبة والقداسة اليقينية. وبلوغا إلى مرحلة الهدف النبيل السامي.. المستظل في جنان الروحانية العلوية،يضيف شاعرنا:


" وتزرعين بذور المحبة
فتنبت وتزهر وتثمر .. أطفالا أبرياء..
يحبهم المعتلي ذروة الأزل " /ص40


هكذا اكتملت الصورة.. الطبيعة، سر الجمال والطهر الإلهي.. تتجلى فيها روح العشق الروحاني الطاهر الصافي النقي.. ويتجسد فيها حب الوطن؛ بما يمثل من معاني العطاء والخير والتضحية والعشق.. المتسامي عن عوالق المادة والغاية. لتكون جميعها مَنبتاً للطّهر.. وما الطهر إلا الطفولة.. زهراً وندى.. وإنسانا بريئاً كبراءة الطبيعة..


" أنت أحلام الطفولة..
ومزارع الطريق
وابتسامة الأطفال، " / ص65


أحلام الطفولة: مروج من طهر ونقاء.. ومزارع الطريق: عطاء غير مملوك من أحد.. ولا مشروط بشرط.. انه عطاء لكل من يحتاج العطاء زادا له على الطريق.. وابتسامة الاطفال: تبقى نور الطريق .. وهدف الرحلة وغاية السائرين على طريق المحبة .. حيث يرتسم في صفحة الكون وجه الملاك،بصورة طفل الوطن، والوطن الطفل.
ونحن إذ نحيي شاعرنا الذي أعاد إلينا صور الجمال بكل براءتها.. نتمنى له مزيداً من القدرة على البذل والعطاء .
*** *** ***



دارين طاطور – كفر كنا - الجليل وديوان: أنتِ وجه الملاك . . .
للشاعر رافع خيري حلبي دالية الكرمل بلد النور


أقرأ هذا الديوان..
فتتجلى أمامي الطبيعة بجمال خلاب..
صدق الأخ صالح أحمد بتحليله ورؤيته لديوان الشاعر رافع حلبي..
حين قرأت هذا التحليل بصدق لم أتصور الشيء ذاته..
ولكن بعد أن قرأت الديوان تصورت أمامي كل شيء...
الحب والطبيعة والشاعر تجليا تجلياً واضحاً في سطور الأشعار..
كانت الطبيعة وطن للحب..
وكان الشاعر سيد الكلمات..
فقال في أحد أشعاره في الديوان أنت وجه الملاك في قصيدة وطني الوحيد ص 9..
"أنت وطني
وكم أبحث عنك يا وطني
لأعانقكِ...
كما أعانق رائحة التراب
رائحة جسدكِ الغض
تشدني أكثر
وتجعلني
قادراً على التَّحدي والنضال"
هنا يتجسد الحب واضحاً.. مع حالة من حالات الطبيعة.. فالتراب من أمازيج الأرض الجميلة ومن غير تراب لا تنبت الأشجار ومن غير الحب لا حياة...
ونرى الوصف عنده ملتصقاً في معظم الأحوال بذاته وشخصيته وغدا الوجود بمظاهر ملونة بألوان ذاتيه تحاكي عن روحه ومشاعره وخير مثال على ذلك هو وصفه للموج:
"أمواج البحر الأبيض
تحدثني عنكِ...
وتطيل الحديث
وتتفاخر بملامسة جسدك الرشيق
وكستنائيات شعركِ..."
وفي موضع آخر... تنطلق الهمسات الشعرية بين أجواف الليل.. في قصيدة همسات الليل ص 72 فيقول الشاعر...


" تلتقي همسات الليل والعذاب
بفؤاد من الحب مجروح
فأراكِ في ضوء الشمس والقمر
نوراً يضيء دربي
بالأمل والفرح
أهديك عقلي وروحي...
يا وجه الملاك
فأنت الجمال ولذة العشق والحرمان
وساعات السمر
أعشقكِ...
وكم أهوى الموت بين يديكِ
فأخلد كشهداء العشق
يا وجه الملاك"


الليل هنا ليس كليل كل الشعراء أو ليل الكائنات الحية الذي تسكن فيه الحياة وتصمت الأحوال.
هنا في ليل الشاعر لم نستمتع بجمال النجوم وروعة السكون فحسب، بل كان ليلاً خاصاً ملون بلون الذات الحزينة الخائفة من الفراق.. ومن العبودية والسجن.. وربما تكون مشاعراً تخاف منه.. ظهر الخوف من الليل والذي رأى فيه الشاعر غولاً يناور ويتهجم محاولاً إزهاق روح الشاعر وسكينته فكتب عنه ما كتب.. ولكنه في النهاية وصل إلى بر الأمان ورأى النور من جديد وانجلى الخوف وعادت السكينة إلى روحه بعد أن رأى الشاعر الظلام طمساً لليقين وذهاباً بالنور . فالظلام يذكر بالهجوع الأبدي لولا أن الشمس تشرق غدا والحياة تبدأ دورتها من جديد فكتب في نهاية القصيدة...


" لن أعتق منكِ
أنت يا وجه الملاك حرّيتي
ولن أعتق منكِ أبداً
ستبقين نور الشمس
في وطني . . . "


واقبلوا فائق تقديري واحترامي.



الشاعر: رافع خيري حلبي