المصدر -
طرح صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ورقة بعنوان (بدأ الإسلام في جزيرة العرب منذ خلق الله الانسان)، في جلسة لسموه أمس الأربعاء (18 صفر 1439هـ الموافق 7 نوفمبر 2017م) شاركه فيها كل من معالي الدكتور فهد السماري المستشار بالديوان الملكي، أمين عام دارة الملك عبدالعزيز المكلف، والدكتور علي الغبان نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني المشرف العام على برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، وأدارها معالي الدكتور خليل البراهيم مدير جامعة حائل، وذلك ضمن جلسات ملتقى آثار المملكة الأول المقام حاليا في مركز الملك عبدالعزيز التاريخي بالرياض.
وأكد سموه في هذه الورقة أن من المهم في هذا العصر الذي يجد فيه المسلمون أنفسهم في مواجهة مع الحضارات الأخرى أن نعيد التفكير فيمن نحن وما هو دورنا في الحراك الإنساني المستقبلي، منطلقين من قراءة جديدة في تاريخ الإسلام الذي بدأ -والله اعلم- منذ خلق البشرية، وأن كل ما حدث منذ ذلك الوقت الذي لا يعلمه إلا الله، كان تسلسلاً يؤدي إلى بزوغ شمس الهداية والخير من مكة المكرمة في قلب الجزيرة العربية وعلى يدٍ عربيةٍ من خيرة أهلها في فترة زمنية مهمة كانت فيها مكة المكرمة محوراً استراتيجياً حضارياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وملتقى للقوافل التي جاءت للحج والتجارة، مما شكل كياناً ذا قوة سياسية متنامية، وساعد على انتقال رسالة الإسلام والقرآن الكريم بلغته العربية الراقية التي تطورت عبر آلاف السنين حتى نزل بها القرآن الكريم، إلى أرجاء المعمورة ، مما يؤكد أن الإسلام العظيم لم ينشأ من أرض مفرغة من الحضارات أو المعرفة أو الأخلاق أو القيم العربية الأصيلة.
وأشار سموه إلى أن الإسلام الذي جاء لكي يؤكد التوحيد وهو دين البشرية وخاتم الأديان، وأن الله سبحانه اختار أرض الجزيرة العربية وشعبها لحمل هذه الرسالة السامية منذ خلق الله البشرية، وأن التعاقب الحضاري والبشري والاقتصادي الكثيف على هذه الأرض المباركة عبر التاريخ يدل على حراك مستمر لتهيئة المكان والإنسان لحمل هذه الرسالة السامية للعالم.
مبينا أن هذا البحث جاء من منطلق أن الله اختار أرض الجزيرة العربية وشعبها لحمل هذه الرسالة السامية منذ خلق الله البشرية وأن التعاقب الحضاري والبشري والاقتصادي الكثيف على هذه الأرض المباركة عبر التاريخ يدل على حراك مستمر لتهيئة المكان والإنسان لحمل هذه الرسالة السامية للعالم.
وأوضح سموه أنه بدأ في التفكير لإعداد هذه الورقة منذ أربع سنوات، مبينا أنه بدأ الاهتمام بالآثار والتراث منذ صغره وكنتيجة لمرافقة والده الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله للمواقع التراثية والأثرية، فقد كان الملك سلمان شغوفا بالتراث كثير الاطلاع على كتب التاريخ وزيارة المواقع التاريخية، وهذا ما ورثه الأمير سلطان عن والده.
وأضاف: “كنت أتساءل هل دورنا فقط في التنقيب عن الآثار، وأن نخرج قطعا أثرية ونضعها في المتاحف فقط، أم يفترض أن يكون أكبر من ذلك؟
وما هو الرابط بين كل هذا التاريخ وهذا التراكم الحضاري وما نحن عليه اليوم؟”.
ولفت سموه إلى أنه طرح ورقته التي عرضها في هذه الجلسة، على مجموعة من العلماء الأجلاء ومجموعة من خبراء الآثار، وأنه يطرحها في هذا الملتقى للاطلاع من المهتمين والدراسة والتمحيص والنقد، مؤكدا أنها تحوي مواضيع مهمة، وهي ورقة تربط قصة نشوء الإسلام بخلق البشرية، وتهيئة الوقت والمكان بما حدث قبل الإسلام لبزوغ شمس الهداية والخير من مكة المكرمة.
وقال سموه في هذه الورقة: (في محاضرة ألقيتها في مركز أكسفورد للثقافات الإسلامية في عام 1431هـ و1يونيو 2010م وأيضا محاضرة في عام 2014م طرحت فكرة مفادها أن الإسلام هو جوهره التوحيد الخالص لله تعالى هو دين الفطرة الذي أختاره الله سبحانه وتعالى للبشرية وخلقها وأن اختيار الجزيرة العربية مهد للإسلام والرسالة الخاتمة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ما هي إلا امتداد لذلك التدبير الإلهي، وأن مسار الحضارة في الجزيرة العربية مرتبط بهذا الموضوع الأهم في تاريخها.
ولذا فإن الإسلام لم ينزل في أرض فارغة من الحضارات، وأن كل ما وقع على أرض الجزيرة العربية من أحداث وتقاطعات حضارية وإنسانية كانت بمثابة مقدمات وبشائر هيئت إلى بزوغ شمس الإسلام من هذه الأرض المباركة؛ لذلك فإن العناية بآثار حضارات الإنسانية على أرض الجزيرة العربية هي في نظري من باب العناية بتاريخ الدين الإسلامي العظيم في مكان قدر الله أن يكون مهيئاً منذ وعبر مراحل تاريخ وتعاقب الاحتضان لانطلاقة اعظم دين للبشرية جمعا في لحظة تاريخية مقدرة منذ الأزل والله اعلم.
قد دفعني ذلك الطرح إلى استقراء تاريخ الجزيرة العربية وعلاقته بدعوة التوحيد من خلال ما هو متاح حتى الآن من معلومات توصل إليها علم الآثار وبعد تفكير وتأمل وتداول الآراء حيال هذا الموضوع المهم مع نخبة من علماء الشريعة وعلماء الآثار والتاريخ الأفاضل الذين أثروا هذا الموضوع بأفكارهم النيرة وملاحظاتهم حتى جاءت هذه الورقة.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز “إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين”، وحيث يذكر بعض المفسرين إن إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله بالتوجه إلى مكة في القرن الثامن عشر قبل الميلاد قام بإعادة بناء الكعبة وأن قواعدها كانت مدفونة في ربطة صغيرة في وسط الوادي وأن بناءها كان في زمن سابق لإبراهيم عليه السلام ويستدلون بذلك في قوله تعالى “وإبراهيم إذ يرفع القواعد من البيت” أي أن قواعد البيت كانت أساسات وكانت موجودة من قبل وهو أول من رفعها على الأساس الذي بنيت عليه الكعبة في زمانه عليه السلام.
لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون الإسلام الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم أخر الأديان وخاتمها، ولكونه خاتم الأنبياء فإن الدين الذي جاء به هو دين شامل للعموم البشرية وعلى مختلف الأزمان وهذه الحقيقة تدعونا للإجابة على هذين السؤلين، لماذا اختار الله سبحانه وتعالى نزول الإسلام في مكة المكرمة في جزيرة العرب؟ ولماذا وضع الله سبحانه وتعالى أول بيت للعبادة في مكة المكرمة في قلب جزيرة العرب أيضا؟ وبين الحدثين أصول وتطاول عمر الإنسان، ذلك ليس مجرد مصادفة فإن الله سبحانه وتعالى يقول “وكل شيء عنده بمقدار”؛ ولعل الله سبحانه وتعالى أراد رسالة الإسلام تكتمل حيث بدأت والله سبحانه وتعالى اعلم.
إن الدراسات الأثرية وعصور ما قبل التاريخ في الجزيرة العربية التي قامت ويقوم بها قطاع الآثار والمتاحف في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالتعاون مع الجامعات السعودية وخبراء محليين ودوليين تشير إلى وجود الاستيطان البشري في مواقع عدة في المملكة يعود تاريخ بعضها لفترة العصر الحجري القديم، وهناك مواقع عدة في مكة المكرمة في فترة العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث للفترات المتعددة تغطي الفترة الزمنية الممتدة منذ 350 ألف سنة قبل الوقت الحاضر نزولاً إلى 7000 آلاف سنة، كما تم العثور على أدلة أثرية تؤكد هذه الحركة المبكرة في تاريخ الإنسان في أرض الجزيرة العربية السعودية في المملكة العربية السعودية بالتحديد، وتحويل قضية عبور الإنسان من فرضية إلى حقيقة علمية ثابتة.
ومن جانب آخر فإن البعثات الأثرية المشتركة الدولية العاملة مع الهيئة ويزيد عددها الآن عن 34 فريق أثبتت بالأدلة الأثرية والبنتولوجيا أن الجزيرة العربية كانت مروجاً وأنهاراً وأنها شهدت أكثر من عشرة آلاف بحيرة جافة تم توثيقها بمنطقة الربع الخالي وشمال المملكة حتى الآن، وهناك الآلاف الأخرى، وأنها شهدت فترات عدة من التصحر والمناخ الرطب وأنها كانت غنية بالأنهار والبحيرات قبل التصحر الأخير الذي يعود إلى عشرة آلاف سنة قبل الوقت الحاضر، وهذه النتائج الأثرية أصبحت الآن حقائق معترف بها لدى علماء الآثار والمناخ القديم في جميع أنحاء العالم مصداقاً لحديث رسول الأمة صلى الله عليه وسلم “ ” لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ ، حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ ، وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا ” رواه مسلم.
بالإضافة إلى ذلك فإن المتأمل في التاريخ الحضاري في الجزيرة العربية يدرك أن مسار هذا التاريخ بني على قضية التوحيد منذ أن وضع الله بيته الأول في قلب الجزيرة العربية ومروراً بالأمم البائدة عاد وثمود التي هي عاشت على أرض الجزيرة العربية، وورد ذكرها في القرآن الكريم وانتهاءً بالإسلام الرسالة الخالدة في المكان نفسه. وكل ما كان بين هذا وذاك وقبله والله اعلم كما في اعتقادنا تهيئة وتحضير لاستقبال أعظم حدث شهده العالم كما قلت، وشهدته الجزيرة العربية على الإطلاق في تاريخها، هو نزول القرآن الكريم على أخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وتكليفه برسالة الإسلام العظيمة إلى الناس كافة.
وإن ما قام به أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام والرسالات السماوية والأديان التي جاءت بعده في منطقة الشرق الأدنى ما هي إلا تجديد كعقيدة توحيد وتمهيد مبكر لبزوغ شمس الإسلام من أرض الجزيرة العربية، وإن كان الفارق الزمني بين إبراهيم عليه السلام محمد صلى الله عليه سلم يناهز 24 قرناً فخلال تلك الفترة ظهرت الممالك العربية على أرض الجزيرة العربية المبكرة، وتشكلت المقومات الرئيسية للجزيرة العربية التي اعتمدت على التجارة عبر منظومة طرق التجارة جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً وطرق الحج التي أيضاً ارتبطت معها طرق التجارة مستفيداً من الموقع الجغرافي المتميز للجزيرة العربية بوصفها نقطة التقاء الحضارات شرق العالم القديم وغربه.
إن نشوء هذه الممالك والحضارات والحراك الاقتصادي المصاحب والقوى الحربية العسكرية التي نشأت لتأمن وتحمي التجارة الدولية هيأت سكان الجزيرة العربية عبر الوقت والعصور ثقافياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً لحمل الأمانة الكبرى وهي استلام رسالة الإسلام ونقلها إلى العالم بأجمع.
كما شكل تطور اللغة العربية المتفوقة التي نزل بها القرآن الكريم ونضوج أساليبها وصيغها وامتلاك العرب ناصية البيان في لغاتهم التي بلغوا فيها قمة الفصاحة والبلاغة خطوة رئيسة في مسار التهيئة فلقد نزل القرآن الكريم في لحظة تاريخية يعتز ويفاخر فيها شعب الجزيرة العربية بلغتهم وتفوقها والناضجة، وبرزت ملامح ذلك التفوق في الخطابة وشعر المعلقات التي ساهمت مواسم الحج وأسواق العرب، في الصيت الذائع والانتشار العريق لتكون اللغة العربية جاذبة لأن يتعلمها ويتداولها الناس ولكي تنتقل مع قوافل الحج والتجارة، قلنا هذه وسيلة الإنترنت القديمة إلى أصقاع المعمورة والذي ساهم والله اعلم في تهيئتهم تهيئة الناس لاستقبال وفهم لغة القرآن الكريم لحظة نزوله على نبي الأمة.
كما تطور الخط العربي من خلاصة أقلام عدة كتب بها العرب طوال ألفي سنة قبل الإسلام ليكون الخط العربي قادراً على تدوين القرآن الكريم عند نزوله، كما أن دعوة إبراهيم عليه السلام لربه لتوفير الأمن والرخاء لسكان المكان الذي بنيت فيه الكعبة المشرفة ونزل فيه القرآن الكريم لم يكن خاصة بمكة المكرمة؛ وإنما شملت كامل الجزيرة العربية كوحدة جغرافية وبشرية سخرها الله لخدمة الحرمين الشريفين واستقبال الإسلام والانطلاق به لأرجاء الدنيا. ولم تكن مقصورة على عصره بل ممتدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال الله في محكم كتابه وعلى لسان إبراهيم عليه السلام. (رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) ولذلك فإن دعوة إبراهيم عليه السلام في ظني ربطت عبادة الله والتوحيد والصلاة والتي هي الصلاة عماد الدين شاملاً وتشمل ذلك في مصطلحات الصلاة كلما يعني ذلك من عبادات وقيم أخلاقية وإنسانية سامية اتى بها دين الإسلام، شمل ذلك بالخير والازدهار والاستقرار والرفعة في الجزيرة العربية، و التزام شعوب هذه الأرض المباركة بذلك هو أساس لاستمرار نعم الله عليهم من خير وأمن ورفعة، كما إن بناء الكعبة جعل أفئدة من الناس تهوي إلى هذا المكان نتيجة أن الجزيرة العربية وقلبها مكة المكرمة كانت هي مول للحج مصحوبة بالتجارة، وتبع ذلك النشاط المنظم لرحلات الشتاء والصيف والنشاط الاقتصادي والثقافي لسوق عكاظ وغيره من أسواق العرب المشهورة قبل الإسلام. فأصبحت الجزيرة العربية عبر مراحل تاريخها قوة اقتصادية وسياسية وحضارية وثقافية مهيئة لنزول القرآن الكريم وبزوغ شمس الإسلام في لحظة تاريخية مقدرة.
وبعد نزول الإسلام وبعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم توحيد قبائل الجزيرة العربية لتساهم في حمل راية الإسلام إلى بقية شعوب الأرض، وهي أول وحدة شهدتها الجزيرة العربية في تاريخها. فنهض شعب الجزيرة العربية لمساندة نبي الأمة لتوحيد أرجائها ونشر الرسالة، وتأسيس الدولة الإسلامية الكبرى التي تعاقبت داخل الجزيرة العربية وخارجها.
وقد شهدت الجزيرة العربية بعد ذلك نشأة العديد من الدويلات والأمارات الصغيرة، وعاشت حالة من الشتات السياسي والاجتماعي كما هو معروف حتى قامت الدولة السعودية المباركة في منتصف القرن الثامن عشر الهجري بتوحيد أجزاء كبيرة منها سياسية وجغرافيا واجتماعياً وبناء كيان راسخ أساسه الإسلام وخدمة المسلمين وترسيخ القيم العربية والإسلامية السامية وبناء الإسلام وإعمار المكان وتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار والمساهمة في مستقبل الإنسانية جمعاء وربط العزة والخير مرة أخرى ربط العزة والخير بالدعوة والتوحيد وخدمة الحرمين الشريفين وإعلاء كلمة الإسلام شعاراً ومنهاجاً لها.
لقد أتى هذا البحث من منطلق الإسلام الذي جاء لكي يؤكد التوحيد وهو دين البشرية وخاتم الأديان، وأن الله اختار أرض الجزيرة العربية وشعبها لحمل هذه الرسالة السامية منذ خلق الله البشرية وأن التعاقب الحضاري والبشري والاقتصادي الكثيف على هذه الأرض المباركة عبر التاريخ يدل على حراك مستمر لتهيئة المكان والإنسان لحمل هذه الرسالة السامية للعالم.
وهذا يطرح هذه الورقة مستنيراً بهداية الله سبحانه وتعالى فإنما هي محاولة مخلصة لقراءة أكثر شمولية لأهم قضية تمس الإنسان والجزيرة العربية والمسلمين كافة، فمن المهم في هذا العصر الذي يجد فيه المسلمون أنفسهم في مواجهة مع الحضارات الأخرى أن نعيد التفكير فيمن نحن وما هو دورنا في الحراك الإنسان المستقبلي منطلقين من قراءة جديدة في تاريخ الإسلام الذي بدأ والله اعلم منذ خلق البشرية، وإن كل ما حدث منذ ذلك الوقت الذي لا يعلمه إلا الله كان تسلسلاً يؤدي إلى بزوغ شمس الهداية والخير من مكة المكرمة في قلب الجزيرة العربية وعلى يدٍ عربيةٍ من خيرة أهلها في فترة زمنية مهمة كانت فيها مكة المكرمة محوراً استراتيجياً حضارياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وملتقى للقوافل التي جاءت للحج والتجارة، والتي قلت في محاضرة أكسفورد إنها وفرت وسيلة تواصل عالمية مثل ما تقوم به الشبكة العنكبوتية، مما شكل كياناً ذا قوة سياسية متنامية وساعد على انتقال رسالة الإسلام والقرآن الكريم بلغته العربية الراقية التي تطورت عبر آلاف السنين حتى نزل بها القرآن الكريم إلى أرجاء المعمورة كل ذلك يؤكد أن الإسلام العظيم لم ينشأ من أرض مفرغة من الحضارات أو المعرفة أو الأخلاق أو القيم العربية الأصيلة مصدقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” التي كان العرب ينتمون لها ويعتزون بها.
في الختام أقول أننا ننظر إلى المستقبل واثقين بالله تعالى إن شاءالله بأن شعب هذه الأرض المباركة قادراً بمشيئة الله تعالى على بناء مستقبل زاخر بالخير والازدهار، الأرض التي شهدت أحداث مهمة عبر أطوار التاريخ وتشاهد ذلك اليوم وتقاطعت عليها الحضارات، ما دام هذا الشعب ثابتاً على المبادئ السامية والرسالة التاريخية التي حققت له الخير والأمن والاستقرار”.
وأكد سموه في هذه الورقة أن من المهم في هذا العصر الذي يجد فيه المسلمون أنفسهم في مواجهة مع الحضارات الأخرى أن نعيد التفكير فيمن نحن وما هو دورنا في الحراك الإنساني المستقبلي، منطلقين من قراءة جديدة في تاريخ الإسلام الذي بدأ -والله اعلم- منذ خلق البشرية، وأن كل ما حدث منذ ذلك الوقت الذي لا يعلمه إلا الله، كان تسلسلاً يؤدي إلى بزوغ شمس الهداية والخير من مكة المكرمة في قلب الجزيرة العربية وعلى يدٍ عربيةٍ من خيرة أهلها في فترة زمنية مهمة كانت فيها مكة المكرمة محوراً استراتيجياً حضارياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وملتقى للقوافل التي جاءت للحج والتجارة، مما شكل كياناً ذا قوة سياسية متنامية، وساعد على انتقال رسالة الإسلام والقرآن الكريم بلغته العربية الراقية التي تطورت عبر آلاف السنين حتى نزل بها القرآن الكريم، إلى أرجاء المعمورة ، مما يؤكد أن الإسلام العظيم لم ينشأ من أرض مفرغة من الحضارات أو المعرفة أو الأخلاق أو القيم العربية الأصيلة.
وأشار سموه إلى أن الإسلام الذي جاء لكي يؤكد التوحيد وهو دين البشرية وخاتم الأديان، وأن الله سبحانه اختار أرض الجزيرة العربية وشعبها لحمل هذه الرسالة السامية منذ خلق الله البشرية، وأن التعاقب الحضاري والبشري والاقتصادي الكثيف على هذه الأرض المباركة عبر التاريخ يدل على حراك مستمر لتهيئة المكان والإنسان لحمل هذه الرسالة السامية للعالم.
مبينا أن هذا البحث جاء من منطلق أن الله اختار أرض الجزيرة العربية وشعبها لحمل هذه الرسالة السامية منذ خلق الله البشرية وأن التعاقب الحضاري والبشري والاقتصادي الكثيف على هذه الأرض المباركة عبر التاريخ يدل على حراك مستمر لتهيئة المكان والإنسان لحمل هذه الرسالة السامية للعالم.
وأوضح سموه أنه بدأ في التفكير لإعداد هذه الورقة منذ أربع سنوات، مبينا أنه بدأ الاهتمام بالآثار والتراث منذ صغره وكنتيجة لمرافقة والده الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله للمواقع التراثية والأثرية، فقد كان الملك سلمان شغوفا بالتراث كثير الاطلاع على كتب التاريخ وزيارة المواقع التاريخية، وهذا ما ورثه الأمير سلطان عن والده.
وأضاف: “كنت أتساءل هل دورنا فقط في التنقيب عن الآثار، وأن نخرج قطعا أثرية ونضعها في المتاحف فقط، أم يفترض أن يكون أكبر من ذلك؟
وما هو الرابط بين كل هذا التاريخ وهذا التراكم الحضاري وما نحن عليه اليوم؟”.
ولفت سموه إلى أنه طرح ورقته التي عرضها في هذه الجلسة، على مجموعة من العلماء الأجلاء ومجموعة من خبراء الآثار، وأنه يطرحها في هذا الملتقى للاطلاع من المهتمين والدراسة والتمحيص والنقد، مؤكدا أنها تحوي مواضيع مهمة، وهي ورقة تربط قصة نشوء الإسلام بخلق البشرية، وتهيئة الوقت والمكان بما حدث قبل الإسلام لبزوغ شمس الهداية والخير من مكة المكرمة.
وقال سموه في هذه الورقة: (في محاضرة ألقيتها في مركز أكسفورد للثقافات الإسلامية في عام 1431هـ و1يونيو 2010م وأيضا محاضرة في عام 2014م طرحت فكرة مفادها أن الإسلام هو جوهره التوحيد الخالص لله تعالى هو دين الفطرة الذي أختاره الله سبحانه وتعالى للبشرية وخلقها وأن اختيار الجزيرة العربية مهد للإسلام والرسالة الخاتمة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ما هي إلا امتداد لذلك التدبير الإلهي، وأن مسار الحضارة في الجزيرة العربية مرتبط بهذا الموضوع الأهم في تاريخها.
ولذا فإن الإسلام لم ينزل في أرض فارغة من الحضارات، وأن كل ما وقع على أرض الجزيرة العربية من أحداث وتقاطعات حضارية وإنسانية كانت بمثابة مقدمات وبشائر هيئت إلى بزوغ شمس الإسلام من هذه الأرض المباركة؛ لذلك فإن العناية بآثار حضارات الإنسانية على أرض الجزيرة العربية هي في نظري من باب العناية بتاريخ الدين الإسلامي العظيم في مكان قدر الله أن يكون مهيئاً منذ وعبر مراحل تاريخ وتعاقب الاحتضان لانطلاقة اعظم دين للبشرية جمعا في لحظة تاريخية مقدرة منذ الأزل والله اعلم.
قد دفعني ذلك الطرح إلى استقراء تاريخ الجزيرة العربية وعلاقته بدعوة التوحيد من خلال ما هو متاح حتى الآن من معلومات توصل إليها علم الآثار وبعد تفكير وتأمل وتداول الآراء حيال هذا الموضوع المهم مع نخبة من علماء الشريعة وعلماء الآثار والتاريخ الأفاضل الذين أثروا هذا الموضوع بأفكارهم النيرة وملاحظاتهم حتى جاءت هذه الورقة.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز “إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين”، وحيث يذكر بعض المفسرين إن إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله بالتوجه إلى مكة في القرن الثامن عشر قبل الميلاد قام بإعادة بناء الكعبة وأن قواعدها كانت مدفونة في ربطة صغيرة في وسط الوادي وأن بناءها كان في زمن سابق لإبراهيم عليه السلام ويستدلون بذلك في قوله تعالى “وإبراهيم إذ يرفع القواعد من البيت” أي أن قواعد البيت كانت أساسات وكانت موجودة من قبل وهو أول من رفعها على الأساس الذي بنيت عليه الكعبة في زمانه عليه السلام.
لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون الإسلام الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم أخر الأديان وخاتمها، ولكونه خاتم الأنبياء فإن الدين الذي جاء به هو دين شامل للعموم البشرية وعلى مختلف الأزمان وهذه الحقيقة تدعونا للإجابة على هذين السؤلين، لماذا اختار الله سبحانه وتعالى نزول الإسلام في مكة المكرمة في جزيرة العرب؟ ولماذا وضع الله سبحانه وتعالى أول بيت للعبادة في مكة المكرمة في قلب جزيرة العرب أيضا؟ وبين الحدثين أصول وتطاول عمر الإنسان، ذلك ليس مجرد مصادفة فإن الله سبحانه وتعالى يقول “وكل شيء عنده بمقدار”؛ ولعل الله سبحانه وتعالى أراد رسالة الإسلام تكتمل حيث بدأت والله سبحانه وتعالى اعلم.
إن الدراسات الأثرية وعصور ما قبل التاريخ في الجزيرة العربية التي قامت ويقوم بها قطاع الآثار والمتاحف في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالتعاون مع الجامعات السعودية وخبراء محليين ودوليين تشير إلى وجود الاستيطان البشري في مواقع عدة في المملكة يعود تاريخ بعضها لفترة العصر الحجري القديم، وهناك مواقع عدة في مكة المكرمة في فترة العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث للفترات المتعددة تغطي الفترة الزمنية الممتدة منذ 350 ألف سنة قبل الوقت الحاضر نزولاً إلى 7000 آلاف سنة، كما تم العثور على أدلة أثرية تؤكد هذه الحركة المبكرة في تاريخ الإنسان في أرض الجزيرة العربية السعودية في المملكة العربية السعودية بالتحديد، وتحويل قضية عبور الإنسان من فرضية إلى حقيقة علمية ثابتة.
ومن جانب آخر فإن البعثات الأثرية المشتركة الدولية العاملة مع الهيئة ويزيد عددها الآن عن 34 فريق أثبتت بالأدلة الأثرية والبنتولوجيا أن الجزيرة العربية كانت مروجاً وأنهاراً وأنها شهدت أكثر من عشرة آلاف بحيرة جافة تم توثيقها بمنطقة الربع الخالي وشمال المملكة حتى الآن، وهناك الآلاف الأخرى، وأنها شهدت فترات عدة من التصحر والمناخ الرطب وأنها كانت غنية بالأنهار والبحيرات قبل التصحر الأخير الذي يعود إلى عشرة آلاف سنة قبل الوقت الحاضر، وهذه النتائج الأثرية أصبحت الآن حقائق معترف بها لدى علماء الآثار والمناخ القديم في جميع أنحاء العالم مصداقاً لحديث رسول الأمة صلى الله عليه وسلم “ ” لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ ، حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ ، وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا ” رواه مسلم.
بالإضافة إلى ذلك فإن المتأمل في التاريخ الحضاري في الجزيرة العربية يدرك أن مسار هذا التاريخ بني على قضية التوحيد منذ أن وضع الله بيته الأول في قلب الجزيرة العربية ومروراً بالأمم البائدة عاد وثمود التي هي عاشت على أرض الجزيرة العربية، وورد ذكرها في القرآن الكريم وانتهاءً بالإسلام الرسالة الخالدة في المكان نفسه. وكل ما كان بين هذا وذاك وقبله والله اعلم كما في اعتقادنا تهيئة وتحضير لاستقبال أعظم حدث شهده العالم كما قلت، وشهدته الجزيرة العربية على الإطلاق في تاريخها، هو نزول القرآن الكريم على أخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وتكليفه برسالة الإسلام العظيمة إلى الناس كافة.
وإن ما قام به أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام والرسالات السماوية والأديان التي جاءت بعده في منطقة الشرق الأدنى ما هي إلا تجديد كعقيدة توحيد وتمهيد مبكر لبزوغ شمس الإسلام من أرض الجزيرة العربية، وإن كان الفارق الزمني بين إبراهيم عليه السلام محمد صلى الله عليه سلم يناهز 24 قرناً فخلال تلك الفترة ظهرت الممالك العربية على أرض الجزيرة العربية المبكرة، وتشكلت المقومات الرئيسية للجزيرة العربية التي اعتمدت على التجارة عبر منظومة طرق التجارة جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً وطرق الحج التي أيضاً ارتبطت معها طرق التجارة مستفيداً من الموقع الجغرافي المتميز للجزيرة العربية بوصفها نقطة التقاء الحضارات شرق العالم القديم وغربه.
إن نشوء هذه الممالك والحضارات والحراك الاقتصادي المصاحب والقوى الحربية العسكرية التي نشأت لتأمن وتحمي التجارة الدولية هيأت سكان الجزيرة العربية عبر الوقت والعصور ثقافياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً لحمل الأمانة الكبرى وهي استلام رسالة الإسلام ونقلها إلى العالم بأجمع.
كما شكل تطور اللغة العربية المتفوقة التي نزل بها القرآن الكريم ونضوج أساليبها وصيغها وامتلاك العرب ناصية البيان في لغاتهم التي بلغوا فيها قمة الفصاحة والبلاغة خطوة رئيسة في مسار التهيئة فلقد نزل القرآن الكريم في لحظة تاريخية يعتز ويفاخر فيها شعب الجزيرة العربية بلغتهم وتفوقها والناضجة، وبرزت ملامح ذلك التفوق في الخطابة وشعر المعلقات التي ساهمت مواسم الحج وأسواق العرب، في الصيت الذائع والانتشار العريق لتكون اللغة العربية جاذبة لأن يتعلمها ويتداولها الناس ولكي تنتقل مع قوافل الحج والتجارة، قلنا هذه وسيلة الإنترنت القديمة إلى أصقاع المعمورة والذي ساهم والله اعلم في تهيئتهم تهيئة الناس لاستقبال وفهم لغة القرآن الكريم لحظة نزوله على نبي الأمة.
كما تطور الخط العربي من خلاصة أقلام عدة كتب بها العرب طوال ألفي سنة قبل الإسلام ليكون الخط العربي قادراً على تدوين القرآن الكريم عند نزوله، كما أن دعوة إبراهيم عليه السلام لربه لتوفير الأمن والرخاء لسكان المكان الذي بنيت فيه الكعبة المشرفة ونزل فيه القرآن الكريم لم يكن خاصة بمكة المكرمة؛ وإنما شملت كامل الجزيرة العربية كوحدة جغرافية وبشرية سخرها الله لخدمة الحرمين الشريفين واستقبال الإسلام والانطلاق به لأرجاء الدنيا. ولم تكن مقصورة على عصره بل ممتدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال الله في محكم كتابه وعلى لسان إبراهيم عليه السلام. (رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) ولذلك فإن دعوة إبراهيم عليه السلام في ظني ربطت عبادة الله والتوحيد والصلاة والتي هي الصلاة عماد الدين شاملاً وتشمل ذلك في مصطلحات الصلاة كلما يعني ذلك من عبادات وقيم أخلاقية وإنسانية سامية اتى بها دين الإسلام، شمل ذلك بالخير والازدهار والاستقرار والرفعة في الجزيرة العربية، و التزام شعوب هذه الأرض المباركة بذلك هو أساس لاستمرار نعم الله عليهم من خير وأمن ورفعة، كما إن بناء الكعبة جعل أفئدة من الناس تهوي إلى هذا المكان نتيجة أن الجزيرة العربية وقلبها مكة المكرمة كانت هي مول للحج مصحوبة بالتجارة، وتبع ذلك النشاط المنظم لرحلات الشتاء والصيف والنشاط الاقتصادي والثقافي لسوق عكاظ وغيره من أسواق العرب المشهورة قبل الإسلام. فأصبحت الجزيرة العربية عبر مراحل تاريخها قوة اقتصادية وسياسية وحضارية وثقافية مهيئة لنزول القرآن الكريم وبزوغ شمس الإسلام في لحظة تاريخية مقدرة.
وبعد نزول الإسلام وبعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم توحيد قبائل الجزيرة العربية لتساهم في حمل راية الإسلام إلى بقية شعوب الأرض، وهي أول وحدة شهدتها الجزيرة العربية في تاريخها. فنهض شعب الجزيرة العربية لمساندة نبي الأمة لتوحيد أرجائها ونشر الرسالة، وتأسيس الدولة الإسلامية الكبرى التي تعاقبت داخل الجزيرة العربية وخارجها.
وقد شهدت الجزيرة العربية بعد ذلك نشأة العديد من الدويلات والأمارات الصغيرة، وعاشت حالة من الشتات السياسي والاجتماعي كما هو معروف حتى قامت الدولة السعودية المباركة في منتصف القرن الثامن عشر الهجري بتوحيد أجزاء كبيرة منها سياسية وجغرافيا واجتماعياً وبناء كيان راسخ أساسه الإسلام وخدمة المسلمين وترسيخ القيم العربية والإسلامية السامية وبناء الإسلام وإعمار المكان وتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار والمساهمة في مستقبل الإنسانية جمعاء وربط العزة والخير مرة أخرى ربط العزة والخير بالدعوة والتوحيد وخدمة الحرمين الشريفين وإعلاء كلمة الإسلام شعاراً ومنهاجاً لها.
لقد أتى هذا البحث من منطلق الإسلام الذي جاء لكي يؤكد التوحيد وهو دين البشرية وخاتم الأديان، وأن الله اختار أرض الجزيرة العربية وشعبها لحمل هذه الرسالة السامية منذ خلق الله البشرية وأن التعاقب الحضاري والبشري والاقتصادي الكثيف على هذه الأرض المباركة عبر التاريخ يدل على حراك مستمر لتهيئة المكان والإنسان لحمل هذه الرسالة السامية للعالم.
وهذا يطرح هذه الورقة مستنيراً بهداية الله سبحانه وتعالى فإنما هي محاولة مخلصة لقراءة أكثر شمولية لأهم قضية تمس الإنسان والجزيرة العربية والمسلمين كافة، فمن المهم في هذا العصر الذي يجد فيه المسلمون أنفسهم في مواجهة مع الحضارات الأخرى أن نعيد التفكير فيمن نحن وما هو دورنا في الحراك الإنسان المستقبلي منطلقين من قراءة جديدة في تاريخ الإسلام الذي بدأ والله اعلم منذ خلق البشرية، وإن كل ما حدث منذ ذلك الوقت الذي لا يعلمه إلا الله كان تسلسلاً يؤدي إلى بزوغ شمس الهداية والخير من مكة المكرمة في قلب الجزيرة العربية وعلى يدٍ عربيةٍ من خيرة أهلها في فترة زمنية مهمة كانت فيها مكة المكرمة محوراً استراتيجياً حضارياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وملتقى للقوافل التي جاءت للحج والتجارة، والتي قلت في محاضرة أكسفورد إنها وفرت وسيلة تواصل عالمية مثل ما تقوم به الشبكة العنكبوتية، مما شكل كياناً ذا قوة سياسية متنامية وساعد على انتقال رسالة الإسلام والقرآن الكريم بلغته العربية الراقية التي تطورت عبر آلاف السنين حتى نزل بها القرآن الكريم إلى أرجاء المعمورة كل ذلك يؤكد أن الإسلام العظيم لم ينشأ من أرض مفرغة من الحضارات أو المعرفة أو الأخلاق أو القيم العربية الأصيلة مصدقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” التي كان العرب ينتمون لها ويعتزون بها.
في الختام أقول أننا ننظر إلى المستقبل واثقين بالله تعالى إن شاءالله بأن شعب هذه الأرض المباركة قادراً بمشيئة الله تعالى على بناء مستقبل زاخر بالخير والازدهار، الأرض التي شهدت أحداث مهمة عبر أطوار التاريخ وتشاهد ذلك اليوم وتقاطعت عليها الحضارات، ما دام هذا الشعب ثابتاً على المبادئ السامية والرسالة التاريخية التي حققت له الخير والأمن والاستقرار”.