المصدر -
في هذه الحلقة الثانية مع "مذكرات فطين" ينتقل الإعلامي الفلسطيني "فطين عبيد" إلى الحديث عن مشاهداته في المانيا ومواقف مر بها بمدينة "ميونخ" يصف أحداثها كالتالي:
"حلقنا على ارتفاع 60 ألف قدم، وشاشة تبين لنا الدول التي نعبرها، بجانبي جلسة حاجة من جدة مسافرة للعلاج من مرض السكري الذي يرافقها منذ 16 عام، وعلى يميني جلس سعودي في الـ 60 من عمره مسافر لمتابعة علاجه من السكري، والذي همس في أذني أفضل علاج للسكري عن طريق غازات الأوزون."
وتابع "فطين" في مذكراته:
هبطنا في مطار ميونخ، الكثير من الطائرات ذيلها أزرق وبعدها وجدنا طائرات ذيلها أحمر أو أخضر ، قال لي أحد موظفي المطار إما تذهب بالقطار وهو أرخص بكثير أو بالتاكسي.
سألت سائق التاكسي عن منطقة "بارس فورد" وناولته بطاقة الفندق دخل في مركبته وعاد بعد نصف دقيقة بعد أن أدخل العنوان على "جوجل ماب" وقال نعم كلفتها 70 يورو تقريباً وطبعا السعر حسب العداد، حاولت مفاوضته على السعر، فقال الأسعار في ميونخ يحددها العداد وهذا قانون مطبق على الجميع.
تحدث بالعربية وقال أنا تونسي أعرف الفرنسية وتعلمت الألمانية، وبالفعل قلة من الناس في ميونخ يتحدث الانكليزية، طلب مني ربط الحزام فسألته، ضروري قال طبعاً ، اذا لم تربطه فيه مخالفة، ومن فضلك التدخين ممنوع في التاكسي.
أشار الى اليسار فقال هذا ملعب جديد اسمه "اللينسايرتا"، سألته هل تعرف كل شوارع ميونخ قال نعم، هنا لا يعطون السائق "لازفزوز" إلا بعد اختبار يثبت معرفته بكل شوارع ميونخ.
سألني هل حضرت للمشاركة بـ " مسا" ، سألته ما معنى مسا فقال "جيناو" سألته وما "جيناو" فرد كونجرس فأجبته نعم مؤتمر ، قال لي كثير من التوانسة متجنسين ألماني ، والقانون مطبق على الجميع بنفس المستوى.
اليوم الأحد "فياتاج" سألته وما معنى "فياتاج" ؟! فقال: معناها عطلة .. وبالفعل جميع المحال مغلقة.
اقتربنا من المكان وقال عنوانك بعد الـ "روندير" ويقصد الدوار، وحتى عندما وصلنا الفندق سألت الاستقبال عن أقرب بقالة فقالت جميع المحال مغلقة، قلت لها فقط أريد شراء ماكينة حلاقة، فأخرجت من الدرج واحدة وناولتي اياها، وقالت "ون يوز أونلي" بمعنى استعمال مرة واحدة ولكني استعملتها مرتين دون الاكتراث لكلامها، وكانت النتائج كارثية في المرة الثانية.
الأشجار الخضراء الكثيفة تجدها في كل ميونخ والسهول التي تشكل بساط أخضر على امتداد مرمى العين، وأشجار التفاح تتدلى ثمارها لتلامس الأرض تمنح القادم الى ميونخ راحة نفسية وبصرية في كل مكان، أما البنايات والمنازل فكلها تلبس طربوش مثلث.
اليوم الثاني:
قرب محطة القطارات انتصب مبنى ضخم يؤمه ألوف البشر قادمين من 150 دولة لإلقاء أبحاث وتجارب عن مرض السكري، وعلى الباب تعوم في بركة واسعة أسراب البط وتقترب من الناس دون خوف أو تردد، لو كانت في منطقتها لنتفنا ريشها قبل أن تقترب منا.
يتوسط البرك نوافير وشلالات ضخمة والتي بات منظرها مألوفا أينما اتجهت في ميونخ ، خلال يوم واحد تحدثت مع مئات البشر وبالصدفة كان من يجلس بجانبي يكتب بالعبرية تفحصت بطاقته "إسرائيل"، بالفعل جمع المؤتمر متناقضات، روس، أوكران، أذربيجان ، فلسطين، اسرائيل، وان كان حضور اسرائيل طاغياً، الكثيرون يتحدثون العبرية ومنهم من يلبس ملابس المتدينين.
اليوم الثالث:
قبل المغرب ذهبت باتجاه المترو ومنه الى محطة القطارات، قمة في التنظيم والتوقيت لا يتأخر أو يستبق الوقت، يقف دقيقة واحدة للتحميل والتنزيل فقط ، قرب محطة الباصات ، كما أن مواقف الدراجات متوفرة في معظم المناطق، تجولت ولمحت الكثير من البنات والشباب يمتطون دراجاتهم بفرح يجوبون الشوارع والمطاعم، ربما هذا سر رشاقة أجسامهم وحلاوة روحهم.
أكبر نعمة تغلف ألمانيا، الأمن، الناس يشعرون بالأمان في حضن شوارعهم وحكوماتهم، ويحبون بلدهم حتى الغرباء يعشقون ألمانيا من النظرة الأولى، سألت أكثر من ألماني وأكثر من سائق من أصول غير المانية، كلهم أجمعوا أنهم يحبون ألمانيا.
الزوار الذين يشترون بضاعة بالعادة يكون عليها ضريبة تصل الى 11 في المئة وتزيد قيمة الضريبة كلما اشتريت أغراض أكثر واذا كنت زائراً تعاد لك قيمة الضريبة في المطار، تذكرت الجامعات العربية التي تشترط عليك رسوم انترنت ورسوم مكتبة ورسوم تأمين حتى لو التحقت بها كورس مدة شهر خلال العام كله، وحتى الدولة العربية الشقيقة التي تزورها تتمنى أن تمتص دمك قبل أن تغادرها الا ميونخ تبقي هيبتها ساكنة في ذاكرتك.
المقاهي على جنبات الطرق وأينما نظرت بنايات ضخمة بعضها يعود لمئات السنين، ميونخ معظم مبانيها لها نكهة تاريخية، العشاق يعشقون بعضهم في المقاهي وعند الاشارات الحمراء وفي القطارات والبنايات الأثرية وأينما تيسر ليس خلسة بل جهاراً وأمام الملاً قبلات العشاق جزء من عاداتهم العلنية.
العشاء في مطعم
نصب ضخم يطلقون عليه "بيس انجل " أي ملاك السلام لا يبعد كثير عن الحديقة الانكليزية بما فيها من مناظر طبيعية وطيور وفضاء واسع للجميع، وقبل وصولنا للحديقة أشار السائق الى مبنى ضخم، قال: "هنا كان مكتب الزعيم النازي هتلر".
كما أشار الى حدائق كبيرة قالوا ان الفنان فانكوخ كان يرسم فيها لوحاته، شباب سوريين ومغاربة يعملون في المطاعم، لمحة بينهم فتاة شقراء ناصعة البياض أظنها طالبة جامعة تعد الأطباق، معظم الفتيات ممن كن ينظفن وينظمن في المؤتمر أعمارهن حول العشرين، والمشترك بينهن الجمال فوق المعتاد.
فوجئت أن جميع البنات طالبات جامعيات فقط يعملن في العطل أو أوقات الفراغ، سألت احداهن واسمها داليا فقالت أنا في الفصل الأخير في جامعة بافاريا تخصص علاقات دولية أحصل بعض المال من عملي وبعد التخرج أفكر بإنشاء شركة.
سألتها هل أنت متزوجة؟ قالت: "عندي بوي فرند يعيش في فرنسا وبعد سنة سنعيش معاً"، وما الذي جمعكما ردت الحب طبعاً، الحب لغة موحدة عند الطاقات الشابة تجد صداها في كل مكان، لكن بلا تحرش أو معاكسات أو مهاترات أو ممكن نتعرف أو "يلا الحق" أو "خلي امك تجي تشوفها".
تجولت بعد العشاء وسط البلد، وسمعت فجأة صوت موسيقى قادمة من احدى المباني الأثرية سرت باتجاه الصوت، كان مبنى يشبه آثار جرش الأردنية أو الجنادرية في الرياض على الأدراج الضخمة جلس العشاق، وفوق الدرجة بسطة كبيرة فيها نحو 100 شخص يرقصون .
كل شخص مع عشيقته يرقصون بمنتهى الذوق والفن، وحركات متقنة على سوط الموسيقى الهادئة، أعمارهم تراوحت بين 40 وحتى الـ 80 ، كأنهم حضروا للتنفس والرقص، هوية ميونخ جمعت الرقص مع المباني الأثرية لتقول أن لغة العشق ليست جديدة عليها.
اليوم الرابع
أكبر مشكلة واجهتني في ميونخ أن جميع الكمبيورتات لوحة الكيبورد باللغة الانكليزية، حتى أن المنسقة اعتذرت أنه لم يخطر ببالهم حضور أشخاص بدون اللاب توب الخاص بهم اذا كان يريدوا اللغة العربية، في قاعة الصحفيين كان الكل منشغل ومن يرغب بالطعام يوجد ركن فيه عدد من الوجبات السريعة وعند الظهر تستبدل بوجبات رئيسة، وبالطبع ركن للمشروبات الساخنة والباردة، كانت فرصة أن تعرفت على كثيرين من بريطانيا وفرنسا وأميركا ودول كثيرة.
معظم اللحوم في ميونخ يدخل فيها لحم الخنزيز، من دون الاشارة الى ذلك في المطاعم والفنادق، لكن اذا بادرت بالسؤال يجيبوك بكل صراحة، نعم لحم خنزير، كنت في الفطور أجد بدائل كثيرة من البيض المقلي بأنواع عدة أو المسلوق والذي بالكاد وصل الى نصف استواء حتى أن البيض المسلوق مطبوع عليه رسومات جميلة.
"التاتو" منتشر عند معظم الألمان فتيات وشباب وشموا على رقابهم أو سيقانهم رسومات عقرب أو حيوانات أو زخارف كان الجو مشمساً وكثير من الجنسين يرتدي شورط قصير وأحياناً يكون الوشم على كامل الذراع أو الساق.
سألت شابة فقالت "التاتو" رمز وطني، عندما توقفت الحرب بين ألمانيا وبريطانيا في الحرب العالمية، كان الشبان والفتيان يضعون الورود على شعورهم ويرتدون قلائد الأزهار، تعبيراً منهم عن عشق ألمانيا، وتطورت بعدها الى الوشم "التاتو"، يبدو أنه تشبه عادة ارتداء الفلسطينيين الكوفية. المرقطة، الكثير يوشمون في المستشفيات، لأنها بحاجة لحقن حبر تحت الجلد، أما قريبتي فعملت لي "التاتو" بمعرفتها في البيت.
اليوم الخامس
عشقت ميونخ بكل أحاسيسي وعرفت السر الذي يدفع السوريين الى المخاطرة وركوب البحر للوصول الى ألمانيا، الهواء الطلق، جمال الطبيعة، الوجه الحسن، حكومة تحمي الجميع الغريب والقريب، وتبادلهم الحب، حتى الضريبة الكل مقتنع بها.
في الطريق الى المطار عم الضباب جنبات الشوارع، وعلى جانبي الخط الدولي تشتم رائحة الماء والأشجار اليافعة الضخمة، من دون أن تلمح بشراً، وكأنهم تركوا الطبيعة تتمتع بعذريتها؟
موظفي المطار، يتعاملون مع الجميع برفق، كانت المفاجئة تأخير دخولنا للطائرة، من دون أن نعرف السبب، وفجأة تقدمت موظفة تجر عربة حاجة سعودية، وانهت اجراءاتها قبل الجميع، ثم تقدم عسكري آخر يجر طفلة مريضة وساعد أسرتها في الاجراءات، بعدها سمح للجميع بالانتظام وبدأ الصعود للطائرة، الحالات الانسانية أولاً يبدو شعار الألمان؟
5 أيام كانت مثل "الأكامول" كافية لتبعد عني شبح تهديدات مدرسة أولادي بطردهم إن لم نسدد جميع الأقساط المتراكمة منذ سبع سنوات، وكافية لتبعدني عن شعارات العرب " هي مشكلتك" "شو دخلك" "حل عنا" "أوع تعيدها" " بتعرف شو بصير فيك" "الله لا يردك" "الله لا يقيمك" "اللي من ايده الله يزيده" " "أنا حذرتك" "مش عاجبك اضرب راسك بالحيط" . "انت مش عارف بتكلم مين"؟
يذكر أن ميونخ تعد عاصمة ولاية بافاريا ويقع بها نهر ايسار وتضم 1.3 مليون نسمة وتضم شركات عالمية منها "مان" " سيمنز" "بي ام دبليو" وتعد المدينة المفضلة للألمان.
حزنت حين ودعت ميونخ، شعرت أني جزء منها خلال 5 أيام لما فيها من رقي وأخلاق وحضارة، فكيف من يعيش فيها سنوات؟ أول ما تقدمه ميونخ للآخرين الإحترام.
وتابع "فطين" في مذكراته:
هبطنا في مطار ميونخ، الكثير من الطائرات ذيلها أزرق وبعدها وجدنا طائرات ذيلها أحمر أو أخضر ، قال لي أحد موظفي المطار إما تذهب بالقطار وهو أرخص بكثير أو بالتاكسي.
سألت سائق التاكسي عن منطقة "بارس فورد" وناولته بطاقة الفندق دخل في مركبته وعاد بعد نصف دقيقة بعد أن أدخل العنوان على "جوجل ماب" وقال نعم كلفتها 70 يورو تقريباً وطبعا السعر حسب العداد، حاولت مفاوضته على السعر، فقال الأسعار في ميونخ يحددها العداد وهذا قانون مطبق على الجميع.
تحدث بالعربية وقال أنا تونسي أعرف الفرنسية وتعلمت الألمانية، وبالفعل قلة من الناس في ميونخ يتحدث الانكليزية، طلب مني ربط الحزام فسألته، ضروري قال طبعاً ، اذا لم تربطه فيه مخالفة، ومن فضلك التدخين ممنوع في التاكسي.
أشار الى اليسار فقال هذا ملعب جديد اسمه "اللينسايرتا"، سألته هل تعرف كل شوارع ميونخ قال نعم، هنا لا يعطون السائق "لازفزوز" إلا بعد اختبار يثبت معرفته بكل شوارع ميونخ.
سألني هل حضرت للمشاركة بـ " مسا" ، سألته ما معنى مسا فقال "جيناو" سألته وما "جيناو" فرد كونجرس فأجبته نعم مؤتمر ، قال لي كثير من التوانسة متجنسين ألماني ، والقانون مطبق على الجميع بنفس المستوى.
اليوم الأحد "فياتاج" سألته وما معنى "فياتاج" ؟! فقال: معناها عطلة .. وبالفعل جميع المحال مغلقة.
اقتربنا من المكان وقال عنوانك بعد الـ "روندير" ويقصد الدوار، وحتى عندما وصلنا الفندق سألت الاستقبال عن أقرب بقالة فقالت جميع المحال مغلقة، قلت لها فقط أريد شراء ماكينة حلاقة، فأخرجت من الدرج واحدة وناولتي اياها، وقالت "ون يوز أونلي" بمعنى استعمال مرة واحدة ولكني استعملتها مرتين دون الاكتراث لكلامها، وكانت النتائج كارثية في المرة الثانية.
الأشجار الخضراء الكثيفة تجدها في كل ميونخ والسهول التي تشكل بساط أخضر على امتداد مرمى العين، وأشجار التفاح تتدلى ثمارها لتلامس الأرض تمنح القادم الى ميونخ راحة نفسية وبصرية في كل مكان، أما البنايات والمنازل فكلها تلبس طربوش مثلث.
اليوم الثاني:
قرب محطة القطارات انتصب مبنى ضخم يؤمه ألوف البشر قادمين من 150 دولة لإلقاء أبحاث وتجارب عن مرض السكري، وعلى الباب تعوم في بركة واسعة أسراب البط وتقترب من الناس دون خوف أو تردد، لو كانت في منطقتها لنتفنا ريشها قبل أن تقترب منا.
يتوسط البرك نوافير وشلالات ضخمة والتي بات منظرها مألوفا أينما اتجهت في ميونخ ، خلال يوم واحد تحدثت مع مئات البشر وبالصدفة كان من يجلس بجانبي يكتب بالعبرية تفحصت بطاقته "إسرائيل"، بالفعل جمع المؤتمر متناقضات، روس، أوكران، أذربيجان ، فلسطين، اسرائيل، وان كان حضور اسرائيل طاغياً، الكثيرون يتحدثون العبرية ومنهم من يلبس ملابس المتدينين.
اليوم الثالث:
قبل المغرب ذهبت باتجاه المترو ومنه الى محطة القطارات، قمة في التنظيم والتوقيت لا يتأخر أو يستبق الوقت، يقف دقيقة واحدة للتحميل والتنزيل فقط ، قرب محطة الباصات ، كما أن مواقف الدراجات متوفرة في معظم المناطق، تجولت ولمحت الكثير من البنات والشباب يمتطون دراجاتهم بفرح يجوبون الشوارع والمطاعم، ربما هذا سر رشاقة أجسامهم وحلاوة روحهم.
أكبر نعمة تغلف ألمانيا، الأمن، الناس يشعرون بالأمان في حضن شوارعهم وحكوماتهم، ويحبون بلدهم حتى الغرباء يعشقون ألمانيا من النظرة الأولى، سألت أكثر من ألماني وأكثر من سائق من أصول غير المانية، كلهم أجمعوا أنهم يحبون ألمانيا.
الزوار الذين يشترون بضاعة بالعادة يكون عليها ضريبة تصل الى 11 في المئة وتزيد قيمة الضريبة كلما اشتريت أغراض أكثر واذا كنت زائراً تعاد لك قيمة الضريبة في المطار، تذكرت الجامعات العربية التي تشترط عليك رسوم انترنت ورسوم مكتبة ورسوم تأمين حتى لو التحقت بها كورس مدة شهر خلال العام كله، وحتى الدولة العربية الشقيقة التي تزورها تتمنى أن تمتص دمك قبل أن تغادرها الا ميونخ تبقي هيبتها ساكنة في ذاكرتك.
المقاهي على جنبات الطرق وأينما نظرت بنايات ضخمة بعضها يعود لمئات السنين، ميونخ معظم مبانيها لها نكهة تاريخية، العشاق يعشقون بعضهم في المقاهي وعند الاشارات الحمراء وفي القطارات والبنايات الأثرية وأينما تيسر ليس خلسة بل جهاراً وأمام الملاً قبلات العشاق جزء من عاداتهم العلنية.
العشاء في مطعم
نصب ضخم يطلقون عليه "بيس انجل " أي ملاك السلام لا يبعد كثير عن الحديقة الانكليزية بما فيها من مناظر طبيعية وطيور وفضاء واسع للجميع، وقبل وصولنا للحديقة أشار السائق الى مبنى ضخم، قال: "هنا كان مكتب الزعيم النازي هتلر".
كما أشار الى حدائق كبيرة قالوا ان الفنان فانكوخ كان يرسم فيها لوحاته، شباب سوريين ومغاربة يعملون في المطاعم، لمحة بينهم فتاة شقراء ناصعة البياض أظنها طالبة جامعة تعد الأطباق، معظم الفتيات ممن كن ينظفن وينظمن في المؤتمر أعمارهن حول العشرين، والمشترك بينهن الجمال فوق المعتاد.
فوجئت أن جميع البنات طالبات جامعيات فقط يعملن في العطل أو أوقات الفراغ، سألت احداهن واسمها داليا فقالت أنا في الفصل الأخير في جامعة بافاريا تخصص علاقات دولية أحصل بعض المال من عملي وبعد التخرج أفكر بإنشاء شركة.
سألتها هل أنت متزوجة؟ قالت: "عندي بوي فرند يعيش في فرنسا وبعد سنة سنعيش معاً"، وما الذي جمعكما ردت الحب طبعاً، الحب لغة موحدة عند الطاقات الشابة تجد صداها في كل مكان، لكن بلا تحرش أو معاكسات أو مهاترات أو ممكن نتعرف أو "يلا الحق" أو "خلي امك تجي تشوفها".
تجولت بعد العشاء وسط البلد، وسمعت فجأة صوت موسيقى قادمة من احدى المباني الأثرية سرت باتجاه الصوت، كان مبنى يشبه آثار جرش الأردنية أو الجنادرية في الرياض على الأدراج الضخمة جلس العشاق، وفوق الدرجة بسطة كبيرة فيها نحو 100 شخص يرقصون .
كل شخص مع عشيقته يرقصون بمنتهى الذوق والفن، وحركات متقنة على سوط الموسيقى الهادئة، أعمارهم تراوحت بين 40 وحتى الـ 80 ، كأنهم حضروا للتنفس والرقص، هوية ميونخ جمعت الرقص مع المباني الأثرية لتقول أن لغة العشق ليست جديدة عليها.
اليوم الرابع
أكبر مشكلة واجهتني في ميونخ أن جميع الكمبيورتات لوحة الكيبورد باللغة الانكليزية، حتى أن المنسقة اعتذرت أنه لم يخطر ببالهم حضور أشخاص بدون اللاب توب الخاص بهم اذا كان يريدوا اللغة العربية، في قاعة الصحفيين كان الكل منشغل ومن يرغب بالطعام يوجد ركن فيه عدد من الوجبات السريعة وعند الظهر تستبدل بوجبات رئيسة، وبالطبع ركن للمشروبات الساخنة والباردة، كانت فرصة أن تعرفت على كثيرين من بريطانيا وفرنسا وأميركا ودول كثيرة.
معظم اللحوم في ميونخ يدخل فيها لحم الخنزيز، من دون الاشارة الى ذلك في المطاعم والفنادق، لكن اذا بادرت بالسؤال يجيبوك بكل صراحة، نعم لحم خنزير، كنت في الفطور أجد بدائل كثيرة من البيض المقلي بأنواع عدة أو المسلوق والذي بالكاد وصل الى نصف استواء حتى أن البيض المسلوق مطبوع عليه رسومات جميلة.
"التاتو" منتشر عند معظم الألمان فتيات وشباب وشموا على رقابهم أو سيقانهم رسومات عقرب أو حيوانات أو زخارف كان الجو مشمساً وكثير من الجنسين يرتدي شورط قصير وأحياناً يكون الوشم على كامل الذراع أو الساق.
سألت شابة فقالت "التاتو" رمز وطني، عندما توقفت الحرب بين ألمانيا وبريطانيا في الحرب العالمية، كان الشبان والفتيان يضعون الورود على شعورهم ويرتدون قلائد الأزهار، تعبيراً منهم عن عشق ألمانيا، وتطورت بعدها الى الوشم "التاتو"، يبدو أنه تشبه عادة ارتداء الفلسطينيين الكوفية. المرقطة، الكثير يوشمون في المستشفيات، لأنها بحاجة لحقن حبر تحت الجلد، أما قريبتي فعملت لي "التاتو" بمعرفتها في البيت.
اليوم الخامس
عشقت ميونخ بكل أحاسيسي وعرفت السر الذي يدفع السوريين الى المخاطرة وركوب البحر للوصول الى ألمانيا، الهواء الطلق، جمال الطبيعة، الوجه الحسن، حكومة تحمي الجميع الغريب والقريب، وتبادلهم الحب، حتى الضريبة الكل مقتنع بها.
في الطريق الى المطار عم الضباب جنبات الشوارع، وعلى جانبي الخط الدولي تشتم رائحة الماء والأشجار اليافعة الضخمة، من دون أن تلمح بشراً، وكأنهم تركوا الطبيعة تتمتع بعذريتها؟
موظفي المطار، يتعاملون مع الجميع برفق، كانت المفاجئة تأخير دخولنا للطائرة، من دون أن نعرف السبب، وفجأة تقدمت موظفة تجر عربة حاجة سعودية، وانهت اجراءاتها قبل الجميع، ثم تقدم عسكري آخر يجر طفلة مريضة وساعد أسرتها في الاجراءات، بعدها سمح للجميع بالانتظام وبدأ الصعود للطائرة، الحالات الانسانية أولاً يبدو شعار الألمان؟
5 أيام كانت مثل "الأكامول" كافية لتبعد عني شبح تهديدات مدرسة أولادي بطردهم إن لم نسدد جميع الأقساط المتراكمة منذ سبع سنوات، وكافية لتبعدني عن شعارات العرب " هي مشكلتك" "شو دخلك" "حل عنا" "أوع تعيدها" " بتعرف شو بصير فيك" "الله لا يردك" "الله لا يقيمك" "اللي من ايده الله يزيده" " "أنا حذرتك" "مش عاجبك اضرب راسك بالحيط" . "انت مش عارف بتكلم مين"؟
يذكر أن ميونخ تعد عاصمة ولاية بافاريا ويقع بها نهر ايسار وتضم 1.3 مليون نسمة وتضم شركات عالمية منها "مان" " سيمنز" "بي ام دبليو" وتعد المدينة المفضلة للألمان.
حزنت حين ودعت ميونخ، شعرت أني جزء منها خلال 5 أيام لما فيها من رقي وأخلاق وحضارة، فكيف من يعيش فيها سنوات؟ أول ما تقدمه ميونخ للآخرين الإحترام.