تشكل المنطقة الواقعة في شمال غرب روسيا احدى المناطق المجهولة للكثير من السياح في العالم رغم غناها الثقافي وجمالها الطبيعي الذي يتميز بأنهاره وبحيراته التي تمتد على طول هذه الاراضي حتى اطلق عليها ارض البحيرات.

ومما يزيد من جمال هذه المنطقة وروعتها انها تشتمل على 60 الف بحيرة منها اكبر بحيرتين في اوروبا وهما لادوجا واونيجا اضافة الى وجود 27 الف نهر والكثير من الكنائس والقلاع التي يعود تاريخها لاكثر من 900 عام.

وتمتد هذه الاراضي الفسيحة على مساحة تصل الى 172 الف كم مربع وهي تزيد عن مساحة كل من اليونان وتساوي مساحة بريطانيا. وهذه البحيرات والجزر غنية بالثروة السمكية والاحياء المائية ومنها اسماك السلمون كما تنمو على ضفاف تلك الانهار العديد من النباتات والغطاء الاخضر الرائع الذي ينساح عبر الخلجان الصغيرة والجزر الممتدة والمنحدرات الصخرية ومتاهات المياه التي تجعل من هذه المنطقة جنة فعلية على الارض تحتاج لايام واسابيع لاستكشافها والتمتع بالمناظر المدهشة الفريدة خصوصا لعشاق صيد الاسماك ومحبي رياضة القوارب.

وبالقرب من بتروزافودسيك وهي عاصمة كاريليا يوجد هناك كيفاتش وهي اعلى شلال مائي في اوروبا وفي وقت سابق وقبل ثورة المحركات والضجيج كان يمكن سماع صوت سقوط الماء من مسافة تصل الى 5 كم حيث ترتفع هذه الشلالات لاكثر من 11 مترا.

جمهورية كاريليا- موطن البحيرات

تضم جمهورية كاريليا الواقعة في شمال غرب روسيا آلاف البحيرات وتشكل الحياة البحرية فيها احد ابرز المواصفات التي تميزها عن باقي الجمهوريات المنضوية ضمن الاتحاد الروسي.

ويشتهر مركز كاريليا البحري بتصاميمه للسفن الخشبية القديمة الطراز والمراكب الشراعية التي تشبه سفن الايام الغابرة التي كانت تصمم في القرن السابع عشر.

وتعتبر المراكب والسفن بمثابة المنازل بالنسبة للبحارة في هذه الجمهورية ، الذين يجسدون بجميع نشاطاتهم اليومية علاقة الانسان بمصدر الحياة الرئيسي ألا وهو الماء

وتُعتبر جمهورية كاريليا من إحدى أجمل جمهوريات روسيا الفيدرالية وأكبرها وتقع في شمال غرب روسيا وعاصمتها مدينة بيترازافودسك تحوَّلت إلى جمهورية ذاتية الحكم في الحقبة الاشتراكية السوفييتية في العام 1940 وتمتلك أطول الحدود الروسية مع الاتحاد الأوروبي.

تتميز المنطقة بغاباتها الطبيعية الفريدة التي تشكل نصف مساحة الجمهورية وتجعل من هوائها نقياً وصافياً حتى أنّه بات يُطلق عليها "رئة أوروبا ". يرى الزائر لجمهورية كاريليا لوحةً طبيعيةً من السهوب الخضراء على مدِّ البصر وذلك لما تتمتع به من ثروة مائية عذبة يكفي احتياطها من الماء قارة أوروبا بأسرها حيث يوجد ما يقارب من ثلاثة وستين ألف بحيرة بينها اثنتان من أكبر بحيرات القارة الأوروبية بحيرة لادوغا وبحيرة اونيغا بالإضافة إلى سبعة وعشرين ألف نهر وقناة مائية. يعتبر علم كاريليا بطاقة تعريف للجمهورية، حيث اللون الأحمر يرمز للوحدة والمودة بين سكان الجمهورية، بينما يرمز اللون الأزرق لمياهها الغنية، ويرمز اللون الأخضر لغاباتها الخضراء الكثيفة التي تشبه لوحة فنية.

المحميات البيئية والطبيعية

تتخذ الكثير من الحيوانات البرية في محميات كاريليا الطبيعية مرتعاً آمناً لها مما جعلها تشكِّل مكاناً مثالياً لممارسة رياضة الصيد بأنواعه مما أكسبها شهرةً كبيرةً وجعلها مقصداً لهواة الصيد من مختلف أنحاء العالم ومن أهمِّ الحيوانات التي يمكن اصطيادها خلال فصل الربيع الظبي والأيل وتشكل الفترة من شهر مايو وحتى نهاية العام موسم صيدها وهي متواجدة في العديد من المحميات الطبيعية الكاريلية بالإضافة إلى صيد الثعالب والدببة وصيد السمك . ولصيد الطيور نكهة خاصة في كاريليا حيث توجد طيور مهاجرة كثيرة مثل طائر الفزن والسمن والحجل والبط والوز وفي كاريليا ملاذاً للمبيت والبحث عن الطعام في بحيراتها وأنهارها بينما يعتبر صيد الحيتان من أنواع الصيد الممنوع في البحر الأبيض.

جزر فالام

مجموعة تتكون من خمسين جزيرة تبلغ مساحتها الإجمالية أربعة آلاف هكتار وتقع في الجزء الشمالي لبحيرة لادوغا . وأشهر هذه الجزر جزيرة دير سولوفكي وكيجي وفالام. وتعتبر مقصداً للحجاج الروس حيث يوجد مئات المعالم الدينية الأثرية يعود تاريخها لأكثر من ستة قرون وهي لا تمثِّل أهمَّ معالم كاريليا فحسب بل تعدُّ من أهمِّ رموز التراث الثقافي الروسي والعالمي.

محمية كيجي

متحف في الهواء الطلق تقع على جزيرة كيجي تتوسطها تلة صغيرة في وسط المياه بمنظر معماري مدهش يتضمن مجمعاً للكنائس الخشبية الفريدة في العالم لكونها ذات قبب متعددة وعلى الضفة المقابلة لها يقع كهف ذو مدخل ضيق استخدمه الأهالي كملجأ يحميهم من بطش القوات النازية إبّان الحرب العالمية الثانية، حيث لم يكتشف أحد سرَّ مكان اختبائهم طيلة فترة الحرب. تندرج جمهورية كاريليا ضمن لائحة منظمة "اليونيسكو" حيث عثر علماء الآثار على شواطىء بحيرة أونيغسك والبحر الأبيض، على نقوشات صخرية ومنحوتات لنماذج فريدة من نوعها لفنون ورسومات حجرية تعود في القدم إلى أربعة آلاف عام.

مدينة قطبية

لقساوة طقس فصل الشتاء في كاريليا ميزات تجعل منها منطقةً تشبه في خصائصها إلى حدٍّ كبيرٍ القطب المتجمد فمع حلول فصل الشتاء الصارم تتجمد معظم البحيرات بسماكة لا تقل عن خمسين سنتيمتراً مما يرفع القوارب الخشبية على أسطح البحيرات ويجعلها ساحات ضخمة لهواة التزلج على الجليد وعشاق السباحة في البرك المتجمدة .

اثار ونقوش

كاريليا غنية بالآثار متمثلة في النقوش على الصخور. وتفيد إحصائيات تقريبية ان العدد الإجمالي للرسوم المنقوشة على الصخور في العالم يبلغ 20 مليون نقش تتركز في ما يزيد عن 20 ألف قطاع في 78 بلدا.

وما يوجد في كاريليا من النقوش على الصخور ذاع صيته في أنحاء العالم. وتتركز نقوش كاريليا في شمالها بالمنطقة المطلة على البحر الأبيض وفي جنوب شرقها وفي شرق بحيرة اونيغا. وتزخر بالنقوش جوانب الصخور المطلة على الغرب وجنوب الغرب. ولم يأت هذا هكذا بالصدفة، فالرياح التي تهب في الغالب من الغرب وجنوب الغرب جعلت سطح الصخور المطلة على الغرب وجنوب الغرب أملس.

واكتشف باحثو الآثار كما هائلا من الآثار الأخرى في بحيرة اونيغا والبحر الأبيض.

ويظل المحيط الطبيعي للصخور التي تحتوي على النقوش في منطقة بحيرة اونيغا كما هو منذ 6 آلاف سنة. ولكن لم يعلم العلماء بوجودها إلا قبل 150 سنة. وأشاد جميع الباحثين بالخصوصية المتميزة لنقوش اونيغا. فقد وصف أحدهم ما رآه بأنه معبد هائل تمثل السماء قبته بينما تشكل الصخور التي تحتوي على النقوش جدرانه.

دير سولوفكي

وتمثل جزر سولوفكي درة الشمال الروسي من الناحيتين الطبيعية والتاريخية. وتضم مجموعة جزر سولوفكي ست جزر كبيرة وأكثر من مائة جزيرة صغيرة. وتبلغ مساحتها حوالي 300 كيلومتر مربع وفيها أكثر من 500 بحيرة تربط قنوات اصطناعية بين بعضها.

ويشكل دير الخلاص والتجلي عصب الحياة في مجموعة الجزر هذه على مدى ستة قرون تقريبا. وأسسه القديسان زوسيما وسافاتي في عام 1429..

ان جزر فالآم وكيجي وسولوفكي بما تحويه من آثار تاريخية، لا تمثل أهم معالم كاريليا فحسب بل تعد أهم رموز التراث الثقافي الروسي والعالمي.

تروزافودسك

تقع مدينة بيتروزافودسك في منطقة الشمال الغربي من روسيا على ضفاف بحيرة اونيغو وهي اكبر مدن المنطقة ويعيش فيها اكثر من 271 الف انسمة ومساحتها 135 كيلومترا مربعا بضمنها 113 كيلومترا مربعا اراض سكنية اما الباقي فعبارة عن غابات داخل المدينة. وتبعد المدينة عن موسكو بـ 924 كم و بـ 412 كم عن مدينة بطرسبورغ.

وتقع ضمن حدود المدينة 31 مستوطنة قديمة يعود تاريخها الى 8 آلاف سنة. واول قرية بنيت في هذا المكان يعود تاريخها الى القرن الـ 16 .

لقد تأسست المدينة حول مصنع حكومي لانتاج الاسلحة الذي بني عام 1703 حيث انشأ حوله سور ترابي وضعت عليه المدافع اي تحول المصنع الى قلعة كان بامكانها الصمود بوجه الهجمات السويدية. مع بداية عام 1704 بدأت 4 افران للصهر عملها هناك بكامل قدرتها الانتاجية حيث تحول المصنع الى اضخم مصانع روسيا لانتاج السلاح. وزار القيصر بطرس الاكبر هذا المصنع عدة مرات حيث جهزت له دار خشبية من دورين وبحيرة وكنيسة وحديقة حول الدار ،كما بنيت بالقرب من الدار كنيسة بطرس وبولص.

واستمر البناء حول المصنع المذكور وكان السكان من مدن تولا ومنطقة الاورال المعروفون في مجال صناعة الاسلحة ينزحون الى هذه القرية ، كما شاركهم السكن هناك بعض الفلاحين القادمين من مختلف مناطق روسيا. لقد وصل عدد سكان القرية حول المصنع عام 1717 الى اكثر من 3 آلاف انسان.

في عام 1721 انتهت حرب الشمال بانتصار السلاح الروسي وتقدمت الحدود الروسية في عمق اراضي فنلندا وانتفت الحاجة الى المدافع والقنابل، وعلى اثر ذلك انتقل اكثر العاملين هناك الى مدينة يكاتيرينبورغ وتحول المصنع الحربي الى انتاج الصفائح والمسامير والاسلاك التي استخدمت في بناء مدينة بطرسبورغ واسطول البلطيق. وفي عام 1734 توقف العمل نهائياً في المصنع وجمدت الحياة في القرية.

معالم المدينة

اشهرها منتزه الثقافة الذي اسس عام 1703 وهو اقدم المنتزهات في روسيا. ومنذ عام 1951 اسست في المدينة حديقة للنباتات تبلغ مساحتها 367 هكتارا تابعة لجامعة بيتروزافودسك الحكومية كما توجد فيها محمية طبيعية للنباتات.

تعتبر مدينة بيتروزافودسك مركزا صناعيا وثقافيا وعلميا وسياحيا.

توجد في المدينة مصانع بناء الماكينات وصناعة الادوية والصناعات الخشبية والمواد الغذائية وكذلك مصانع بناء السفن ومواد البناء وغيرها. وفي مجال التعليم توجد في المدينة ثلاث جامعات هي جامعة بيتروزافودسك الحكومية التي اسست عام 1940 واكاديمية كاريليا الحكومية للتربية التي اسست عام 1931 ، كما فيها كونسيرفاتوار حكومية، اضافة لذلك في المدينة عدد من الثانويات والمعاهد المهنية منها في مجال الموسيقى ومنها في مجال الطب وغيرها من الفروع المهنية. وفيها فيلهارمونيا حكومية تأسست عام 1939 تتضمن فرقتين فنيتين واوركسترا سيمفوني واوركسترا الاغاني الشعبية الروسية.

توجد في المدينة مجموعة من المكتبات العامة اقدمها المكتبة الوطنية لجمهورية كاريليا التي اسست عام 1833 . اضافة لذلك يوجد في المدينة الارشيف الوطني لكاريليا يحتوي على وثائق تعود الى القرن 18 وحتى يومنا هذا. كما يوجد في المدينة مركز كاريليا العلمي التابع لاكاديمية العلوم الروسية وهو اكبر المعاهد في منطقة الشمال الغربي من روسيا ويهتم المركز بالابحاث الزراعية والسمكية كما ينظم دورات رفع الكفاءة للعاملين في قطاع التعليم في جمهورية كاريليا. توجد في المدينة 5 مسارح اقدمها مسرح الدراما الذي اسس في عام 1905 وكذلك مسرح كاريليا الوطني الذي اسس في عام 1932، كما فيها مسرح للموسيقى ومسرح للدمى وهو من اقدم مسارح الدمى في روسيا.

وتوجد في المدينة اضافة لذلك مجموعة من دور العرض السينمائية والنوادي الاجتماعية والثقافية والليلية والكازينوهات. كما فيها ملاعب لممارسة الرياضة صيفا وشتاءا. وتوجد في المدينة مجموعة من الفنادق الحديثة والسياحية تستقبل السياح طوال فصول السنة.

وفي المدينة عدد من المتاحف اهمها متحف محمية كيجي ومتحف الفنون التشكيلية ومتحف الاقليم الذي افتتح عام 1871 ، كما فيها غاليري للوحات الفنية ، واضافة لكل هذا نظمت اكثر المؤسسات الصناعية والثقافية متاحف خاصة بها. كما يوجد في المدينة عدد من القاعات للمعارض الفنية.

جزر تاريخية

تشتهر كاريليا بصخورها واحجارها التي تشكل عددا من الجزر التي تنتشر هناك وهي احجار قديمة تعود الى الالفية الرابعة قبل الميلاد كما يوجد في المنطقة ايضا متنزه فودلوزيرو وهي اكبر محمية طبيعية في اوروبا وتتمتع بحماية اليونسكو كتراث انساني عالمي.

وتستقطب مناطق مثل جزر كيزي وفالام العديد من السياح من داخل روسيا وتشتهر كنيسة كيتزي بطوابقها الخمسة بتاريخها الذي يعود الى عام 1714 وهى تراث معماري فريد بفضل بنائها وهندستها الرائعة المكونة من خشب الصنوبر المتراص دون أي عمليات تخييط فيه. ويقال ان بيتر الاكبر هو الذي رسم بنفسه تخطيط بناء الكنيسة.