المصدر -
اهتمت الصحف العربية الصادرة الأسبوع الماضي بالحديث عن الأزمة السورية وتداعياتها الخطير التي لا يحمد عقابها أحد, بعدما رأى العالم أجمع المجازر التي تعرض لها أهل حلب على أيدي قوات النظام السوري. فمن جهتها قالت بعض الصحف: إن نظام الأسد قد انتهى بالفعل منذ اندلاع شرارة الثورة الشعبية, وإنه لا شرعية له الآن تبقت له, وتابعت أنه لم يكن أمام نظام بشار سوى الاستنجاد بالخارج لمحاربة شعبه, بعدما أوشك على السقوط.
هذا وقد أكدت بعض الصحف على أن سوريا لم تنته أبداً, بل إن النظام الذي لم يعد له مبرر هو الذي انتهى وأن نظام الأسد سبق له أن زال قبل سقوط حلب.
ومن جهتها أشارت بعض الصحف إلى مواقف الكيان الصهيوني من مجازر حلب, وتابعت أن موقف ليبرمان إزاء ما حدث ليس موجّها ضد الأسد ولا يمكن لأحد أن يقنعنا أن جزار الفلسطينيين لديه أدنى شفقة بما يحصل للسوريين على يد جزارهم، ولكنه موجه ضد ميلان الكفّة لصالح الإيرانيين الذين عليهم، على ما تظهره الدلائل، في موسكو وتل أبيب، أن يكتفوا من الغنيمة السورية ببقاء النظام الذين حاربوا لأجله، وباستثماراتهم المالية ونفوذهم السياسي، وأن يخفّفوا من مشاغباتهم للضباع الأخرى التي تلتهم الجسد السوري.
ففي هذا الشأن قالت صحيفة القدس العربي في إحدى افتتاحياتها: لقد اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان أن الرئيس السوري «جزار» يجب أن يرحل مع حلفائه الإيرانيين، وأضاف أنه «من وجهة نظر أخلاقية، لا يمكننا أن نقبل بمثل هذه المجزرة أمام أعين العالم بأكمله»، وأضافت: بالمقابل فقد هلّل الحزب الشيوعي الإسرائيلي «راكاح» في افتتاحية لجريدته «الاتحاد» الصادرة في حيفا عنوانها «من حلب إلى القدس» لـ»البشائر السارة من سوريا»، حيث يتقدم الجيش العربي السوري في الأحياء الشرقية للمدينة ويطهّرها من رجس الإرهابيين التكفيريين، معتبراً ما يحصل بشرى للشعب الفلسطيني، وبالتالي، كما يوحي عنوان الافتتاحية فإن «تحرير» حلب جعل الطريق سالكاً لـ»تحرير القدس.
وأضافت أن هذين الموقفين الإسرائيليين نموذجان معقدان تتداخل فيهما درجات التأويل وتحت طيفهما تتنزّل درجات من الألوان الصارخة التي قد تثير أقوى الخلافات وتثير أشكال الجدل بين الفلسطينيين والسوريين والعرب والأجانب، حول الحقيقي والمزيّف، والأخلاقي وغير الأخلاقي، وتنطلق تساؤلات عن الفرق بين الاحتلال والاستبداد، أو بين أيديولوجية عنصرية كالصهيونية، وأخرى، يُفترض أنها تدافع عن العدالة الاجتماعية والعمال والفلاحين، كالشيوعية.
وتابعت: لا يحتاج موقف وزير الدفاع الشهير بتطرّفه وديماجوجيته كثير حكّ لاكتشاف ما وراءه، فهو ليس ممثلاً لدولة تمارس منذ عقود طويلة أشكال البطش والقمع والقهر والتهجير والتقتيل فحسب، بل هو زعيم حزب مشهور بتطرّفه وعنصريته ضد الفلسطينيين، ولا يحقّ له بالتالي أن ينافح عن حضاريّة مزعومة تفرّقه عن جزّار آخر مثله.
وأضافت: لا يحتاج الأمر كثير تحليل ليُعرف أن إسرائيل دافعت بصلابة عمن تصفه بالجزار، وأن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو طار مباشرة إلى واشنطن قبيل تحضّر المنطقة لضربة موعودة للنظام السوري بعد استخدامه السلاح الكيميائي ضد شعبه، وذلك لحثّ رئيسها على عدم فعل ذلك، كما طار عدّة مرات إلى روسيا للاتفاق معها على بنود تثبيت الأسد على أن تُطلق يدها، كما رأينا عدة مرات، لضرب «الحلفاء» الإيرانيين و»حزب الله» كلّما حاولوا انتهاك قواعد اللعبة الموزونة، ولاحقاً لدعم مطالبها بالاستيلاء على الجولان، وما سيظهر سيكون أعظم. وتابعت الصحيفة: إنه من جهة أخرى، فإن احتفال الحزب الشيوعي الإسرائيلي بـ»تحرر» حلب من براثن الجماعات الدموية المؤتمرة من الخارج، لا يحتاج أيضاً للخروج من أوهامه الأيديولوجية غير تذكيره بالوقائع التي تفقأ العين ومنها أن «الجماعات الدموية المؤتمرة من الخارج» هي من سكان حلب نفسها، بينما الذين يحاصرونها ويجوّعون ويقتلون أهلها هم «جماعات دموية» ليست «مؤتمرة من الخارج» الإيراني فحسب بل هي من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان وهي تقاتل على غير أرضها وقد تستوطن فيها على حساب سكانها، وأن من يرعاها جيش «امبرياليّ» روسيّ يحتلّ شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا والشيشان وأجزاء من جورجيا (أوسيتيا التي صارت دولة تعترف بها أربع دول فحسب)، وأبخازيا (أيضا معترف بها من الدول الأربع نفسها)، وهو يخطط لاحتلال طويل لسوريا.
وأضافت القدس: من أغرب الأشياء أن يلتقي من يبدوان خصمين أيديولوجيين، العنصري الصهيوني الذي يسيء للسوريين أمام الفلسطينيين بهجومه الكاذب على الأسد، والشيوعي الدوغمائي الذي يسيء للفلسطينيين أمام السوريين بالدفاع عن مجازر الأسد وحلفائه.
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها: إن المشاهد التي يراها العالم لتغريبة السوريين في حلب وحمص وداريا والقصير وقتلهم وحصارهم تذكر، أكثر ما تذكر، بتغريبة ونكبات الفلسطينيين وقتلهم وحصارهم في غزة وفي كفر قاسم ودير ياسين وغيرها، وهي لا تحتاج لليبرمان أو لراكاح لحرفها عن معانيها الحقيقية.
..ومن جهتها قال الكاتب اللبناني أسعد حيدر في إحدى مقالاته بصحيفة المستقبل اللبنانية: إن اغتيال السفير الروسي في أنقرة، بداية وليس عملاً منفرداً أو منقطعاً عن سياق التطورات والمتغيرات, وتابع: حلب ستكون الحاضرة الكبيرة في ولادة «إرهاب» غير مسبوق، سيجد له شعبية صامتة أو علنية لدى شرائح كبيرة من السوريين وغير السوريين, خوف الحلبيين من تهجيرهم على غرار الفلسطينيين، سيولد غضباً وأحقاداً تتفجّر في وجه الجميع. الفلسطينيون انتظروا في مخيماتهم أكثر من عقدَين ليحملوا السلاح ويتعلّموا به كيفية إسماع صوتهم للعالم، الحلبيون ومعهم السوريون والمتسورنون، يكفيهم الانطلاق من قلب النار والدمار، وقرقعة السلاح والبراميل المتفجرة وأهوال، غارات السوخوي والصواريخ طويلة المدى المنطلقة من السفن الروسية.
إرهاب «القاعدة» و»داعش» لن يكون شيئاً أمام رعب الإرهاب القادم المستفيد من جميع التجارب الماضية.
وأضاف أن الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية ودفاع روسيا وإيران وتركيا في موسكو تقرّر بعد اتصالات مكثّفة على قاعدة محاولة الإجابة عن سؤال: ما العمل بعد حلب؟
وتابع: التعقيدات السياسية والعسكرية المتزايدة للأزمة السورية وضرورة اتخاذ حلول مشتركة لإدارة الأوضاع القائمة فرضت تعزيز التشاور بين مسؤولي الدول الثلاث, الآن مقتل السفير الروسي سيعزّز الاتجاه نحو ضرورة البحث عن حلول.
وشدد الكاتب على أن موسكو لن ترضخ لرغبات المرشد آية الله علي خامنئي وتوجّهاته, تعرف موسكو ميدانياً أن أحلام المرشد كبيرة وإمكاناته محدودة, من دون مشاركة موسكو في المعارك لا يمكنه أن «يحرّر» شبراً من الأرض السورية, ويبدو أن «القيصر» لم يتوانَ عن استثمار كل ما يملكه من معلومات وملفات لفرض ما يريده في سوريا والمنطقة فهو يخطط لتنفيذ مشروع استراتيجي يجعل روسيا دولة مقيمة في الشرق الأوسط، وهذا يتطلب العمل على إلغاء «أقفار الدبابير» سواء في سوريا حالياً أو بين إسرائيل والعرب لاحقاً، لهذا فإن التساؤل هو: لماذا صدر تقرير روسي حول معركة تدمر الأخيرة مع «داعش» الذي كشف عن هرب القيادة السورية وعلى رأسها نائب رئيس الأركان وضباطه من تدمر ممّا دفع الجنود إلى ترك سلاحهم والفرار؟.
هذا التقرير يؤكد أن الجيش السوري مهما بلغ عديده غير مؤهّل لخوض معارك ضخمة في غياب المشاركة الروسية. والمطلوب شيء من التواضع في أحلام المرشد والأسد.
وتابع: لماذا جرى تسريب تقرير روسي بأن خامنئي وعدداً آخر من الملالي درسوا في «جامعة لومامبا» وخضعوا لدورات تحت إشراف المخابرات الروسية؟ موسكو بهذا تهدّد بكشف المزيد من الأسرار الخطيرة المسيئة إلى الوضع الداخلي في طهران.
واختتم الكاتب مقالاته بقوله مشدداً: على أنه يبقى أن المعارضة السورية أصبح لديها الآن مهمّتان؛ إسقاط النظام الأسدي وتحرير سوريا من الاحتلالَين الإيراني والروسي؛ لذلك تتجه بعض القيادات السورية التي تخوّفت من «عسكرة» الثورة قبل وضع صيغة سياسية وتنظيمية، إلى العمل على صيغة جديدة تقيم التنظيم الموحّد المنفصل عن أسلمة الإرهابيين, وهي تستطيع أن تعتمد مستقبلاً على دعمها في خوف العالم من ولادة الإرهاب الجديد.