المصدر -
*قبل أسابيع قليلة، كانت المصرية فاطمة تجد صعوبة في العثور على أدوية والدها الذي يعاني من سرطان البروستات، لكن اليوم وبعد الانخفاض القوي للعملة المصرية، فقد اختفت أدوية والدها تقريبا من صيدليات القاهرة.
ولا تستطيع فاطمة، المعلمة الميسورة إلى حد ما، توفير الدواء الآن لوالدها على الإطلاق إلا من خلال شرائه من خارج البلاد، وهو ما لا تستطيع الغالبية الساحقة من المرضى المصريين فعله.
وتقول فاطمة، وهو اسم مستعار للأم البالغة 34 عاما، لوكالة فرانس برس "قبل أزمة الدولار، كنت أستطيع أن أجد الدواء بعد بحث مضن في العديد من الصيدليات. أما الآن فقد اختفى تماما".
وتعاني مصر منذ أشهر من نقص في الأدوية المستوردة، لكن الأزمة تفاقمت بشكل مؤلم مع قرار البنك المركزي مطلع شهر نوفمبر الجاري تحرير سعر صرف الجنيه المصري، ما أدى إلى انخفاض قيمته فعليا أكثر من 50% مقابل الدولار.
وضرب نقص الأدوية بعض العلاجات الحيوية مثل الأنسولين وبعض أدوية مرض السكري الذي يصيب 17% من السكان، وفقا للإحصاءات الرسمية. بالإضافة إلى بعض أدوية أمراض القلب والسرطان، فضلا عن محاليل غسل الكلى، وهي ضرورية جدا لمرضى الفشل الكلوي.
وفي مواجهة هذا الوضع الخانق، اتهمت وزارة الصحة موزعي الأدوية "بممارسة الضغط" على السلطات للحصول على زيادة في الأسعار التي تفرضها الحكومة، فيما يبرر الموزعون النقص بارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد الناجم عن انخفاض قيمة الجنيه.
وتقول الصيدلانية ميريز ميشيل "29 عاما" التي تملك صيدلية في وسط القاهرة "منذ ارتفاع سعر الدولار، أبلغتنا شركات الأدوية أنه ستكون هناك حصة محددة للأدوية المستوردة لكل صيدلية".
وتضيف: "لا أجد الأدوية التي يطلبها 40% من الزبائن على الأقل كل يوم".
وتتهم الصيدلانية هدى (52 عاما) التي تلقت خبر الحصص الجديدة بصدمة، موزعي الأدوية "بتعطيش السوق لفترة طويلة فيباع الدواء بسعر أعلى، وهو ما سيتقبله المريض لأنه يحتاج إليه".
وتضيف: "كل الأدوية المستوردة، بما في ذلك الأنسولين وأدوية القلب، غير موجودة"، مشيرة إلى نقص كبير في "الأدوية المهمة للأمراض المزمنة".
وتمكنت مصر التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة من الحصول رسميا الجمعة على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار لثلاث سنوات. وتعتبر السلطات المصرية القرض بمثابة طوق نجاة رغم اضطرارها الى اتخاذ قرارات اقتصادية غير شعبية أخيرا تضمنت خفض دعم الوقود.
وتعاني مصر منذ أشهر من نقص في السكر والزيت وحليب الأطفال برزت في أزمات متتالية خصوصا مع حرمان الاقتصاد من الدولار الضروري للاستيراد، وإثر انهيار قطاع السياحة وتراجع عائدات الاستثمار الأجنبي.
وأدى هذا النقص إلى ارتفاع كبير في الأسعار في بلد يعيش ثلث سكانه البالغ عددهم 92* مليونا تحت خط الفقر. كما أوجد سوقا سوداء لكل السلع الناقصة.
ولا تتوافر أدوية والدة زينب التي تعاني من فشل كلوي، إلا في السوق السوداء.
وتقول زينب التي تقدم نفسها باسم مستعار كذلك، وهي مهندسة أجهزة طبية، "الدواء اساسا سعره 250 جنيها "قرابة 14 يورو" لكن في الشهر الماضي اشتريته لقاء* 1200 جنيه (قرابة 69 يورو)، وللعثور عليه كان علي أن أذهب إلى كفر الشيخ"، المحافظة الواقعة على البحر المتوسط في شمال البلاد.
لكن الأسوأ، تقول زينب، "هذا الشهر لا أجده على الإطلاق وسمعت ان ثمنه ارتفع الى 2000 جنيه (قرابة 115 يورو)".
ويقول الناطق باسم وزارة الصحة خالد مجاهد، إن موزعي الأدوية يحاولون "الضغط" من أجل زيادة أسعار الأدوية، وهو ما قال إنه "لن يحدث".
ولأيام متتالية، أصدرت الوزارة بيانات مطمئنة، مؤكدة أن "مخزون الأنسولين يبلغ أربعة ملايين عبوة ويكفي لسبعة شهور"، أو أن مصر "تسلمت 350 ألف فلتر للغسيل الكلوي".
ويقول مجاهد لفرانس برس، إن الشركات تريد "مواصلة جني أرباح تصل إلى 2000%" متابعا "سينشرون الشائعات، سيقولون إن الأنسولين لم يعد موجودا، ولن نوزع أدوية على الصيدليات، وسنفرض حصصا".
لكن مداخيل صناعة الأدوية من مواد خام تضاعف سعرها كأي سلعة في مصر أيضا.
ويرفض محي حافظ، عضو غرفة صناعة الأدوية، وهو تجمع شبه حكومي لشركات الأدوية المصرية، هذه الاتهامات جملة وتفصيلا.
ويقول إن "9,99% من مكونات الأدوية المصنعة في مصر مستوردة"، مضيفا "من الصعب تحمل ارتفاع سعر الدولار الرسمي من 8,88 إلى 17,7" دون رفع سعر الأدوية.
ويضيف حافظ "نحن بحاجة إلى تدخل الدولة بشكل أو بآخر"، مشيرا إلى أن ذلك يمكن أن يحدث "إما بزيادة أسعار الأدوية أو بالحفاظ على سعر صرف الدولار السابق للمنتجات الطبية".
ويحذر حافظ قائلا "خلال شهرين أو ثلاثة، إذا لم نجد حلا، سنواجه مشكلة حقيقية".