المصدر -
عندما يفتح أي بنك في العاصمة الليبية طرابلس أبوابه، يتدافع المئات من العملاء الذين ينتظرون منذ أسابيع وربما شهور لسحب أموال.
هذا المشهد الذي صار مألوفا الآن يشكل علامة صارخة على إنزلاق ليبيا إلى انهيار اقتصادي رغم ثروتها النفطية وعدم قدرة حكومة الوفاق الوطني على إحراز تقدم صوب إنهاء أعوام من الاضطرابات السياسية والصراعات المسلحة التي مزقت البلاد.
وعلى مدى الأسبوع الماضي تنامت مشاعر الاستياء والاحباط فتجددت الاضطرابات في الشوارع وحدث تراشق علني بين رئيس الوزراء فائز السراج ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير حول من يتحمل
مسؤولية النقص الحاد في السيولة المالية.
ويظهر النزاع مدى الصعوبات التي تواجهها حكومة الوفاق للسيطرة على المالية العامة للبلاد حتى بعدما أذكى تعافي إنتاج النفط توقعات بانحسار الضغوط الاقتصادية.
ويرى البعض في اجتماع يعقد في لندن يوم الإثنين المقبل، تحت رعاية بريطانيا والولايات المتحدة فرصة أخيرة لتحفيز السراج والكبير على العمل سويا وإنقاذ اقتصاد ليبيا من مزيد من الهبوط.
وبدأت حكومة الوفاق الوطني بحذر محاولة إثبات وجودها في طرابلس في مارس، بعد ثلاثة أشهر من تشكيلها بموجب اتفاق مشاركة في السلطة برعاية الأمم المتحدة وبعد خمس سنوات من الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي لكنها أطلقت الفوضى في البلاد.
لكن تلك الحكومة لم تتمكن من كسب تأييد القيادة المنافسة في شرق ليبيا أو السيطرة على الفصائل القوية المسلحة في غرب البلاد.
وتسبب تفاقم أزمة السيولة المالية والصعود السريع لمعدل التضخم في تبديد الآمال في قدرة حكومة الوفاق على إحلال الاستقرار.
ويقف بعض الليبيين الآن في طوابير طوال الليل للحصول على الأجور والمكافآت. وقال ميلاد الأحمر وهو أخصائي علاج طبيعي وأب لأربعة أبناء وهو يقف خارج المصرف التجاري الوطني في طرابلس "لم
أحصل على راتبي منذ نحو أربعة أشهر."
وأضاف "انتظر منذ الفجر أمام البنك في محاولة يائسة للحصول على بعض المال."
وقال مصرف الوحدة أحد أكبر البنوك في ليبيا اليوم الأحد إن خزائنه خاوية حتى إشعار آخر.
ويعتمد اقتصاد ليبيا كلية تقريبا على إيرادات النفط ولذا فإن وجود علاقات متينة بين حكومة الوفاق الوطني وبين المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي الذي يدير جميع عائدات المؤسسة يعد مهما
لعملية صنع السياسات.
وانقسمت المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي حينما تشكلت حكومتان وبرلمانان متنافسان في طرابلس وفي شرق ليبيا في 2014. وتعهد فرعا المؤسسة والمصرف في طرابلس اللذان يسيطران على المدفوعات بالعمل مع قيادة حكومة الوفاق الوطني المعروفة بالمجلس الرئاسي. لكن العلاقات بين السراج والكبير توترت وسط أزمة سياسية.
فبرلمان الشرق أو مجلس النواب عرقل الموافقة على مجلس وزراء حكومة الوفاق ولم يتسلم وزير المالية على الإطلاق مهام منصبه بينما تتخبط الحكومة المنافسة التي لا تتمتع بصلاحيات والتي عينها هذا البرلمان ومحافظها للبنك المركزي في أقصى شرق البلاد.
وانتهت فترة ولاية الكبير في سبتمبر الماضي لكنه لا يزال يمارس مهامه بشكل افتراضي نظرا لأن مجلس النواب يجب أن يوافق على تعيين أي خلف له بموجب الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة.
ومنذ أسبوع اتهم السراج الكبير بعرقلة الجهود المبذولة للتعامل مع أزمة السيولة من خلال رفضه المتكرر للمطالب بتقديم قروض وتوفير العملة الصعبة.
وقال السراج في مقابلة تلفزيونية إنه استنفد جهوده مع الكبير وإن استجابة الأخير ضعيفة وأحيانا منعدمة.
ورد الكبير بعد ثلاثة أيام قائلا إن مجلس السراج وضع "مقترحات فضفاضة" تتضمن بيع دولارات "غير موجودة" وخفض قيمة الدينار الليبي.
وتابع أن المجلس الرئاسي لم يتقدم بأي برامج واقعية قابلة للتنفيذ الفعلي.
ويقول البنك الدولي إن إيرادات ليبيا من النفط هبطت إلى مستويات قياسية في وقت سابق من العام وتعاني البلاد من عجز ضخمتغطيه من الاحتياطيات الأجنبية التي انخفضت إلى 43 مليار دولار في
نهاية 2016 من أكثر من 100 مليار دولار منذ ثلاث سنوات.
وخلقت القيود الصارمة المتعلقة بالحصول على العملة الصعبة سوقا غير رسمية مزدهرة للصرف حيث هبط الدينار مؤخرا إلى مستوى منخفض جديد بلغ نحو 5.25 دينار مقابل الدولار.
وأدت الضغوط المالية إلى نقص في المنتجات الغذائية المدعمة وهو ما دفع أسعار الغذاء للصعود 31 في المئة في النصف الأول من 2016 بحسب تقديرات البنك الدولي.