المصدر - تعتمد كل مقاربة لأزمة اللاجئين والعمال السوريين على أرقام وإحصاءات يتسلّح* بها الأطراف اللبنانيون المتوجّسون شرّاً من استطالة الأزمة السورية وآثاراها السلبية في الكيان اللبناني المحكوم بتوازنات طائفية هشة. ومع أحقية هذه الأرقام وصحتها، يجب عدم اغفال أنها ارقام لكائنات بشرية نزحت من ديارها المدمرة لكي تبقى على قيد الحياة، وهي تحتاج اليوم أكثر من أي وقت للمساعدة.
أظهر مسح سنوي صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قيّم جوانب الضعف لدى اللاجئين في لبنان أن 70 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر، وأن 34 في المئة من أسر النازحين تعاني من انعدام الأمن الغذائي، مقارنة بــ 23 في المئة للعام الماضي، ما يعني ازدياد عدد الأسر التي خفضت الانفاق على الغذاء، وازدياد عدد الأسر التي تستدين ثمن الطعام.
المفارقة ورود هذه الأرقام، على الرغم من تدفّق 726 مليون دولار من المنظمات الدولية لتلبية حاجات النازحين السوريين في عام 2016 فقط.
منذ اندلاع الحرب السورية وتدفق النازحين الى لبنان، كان التيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون أول المبادرين إلى إعلاء الصوت، محذّراً من خطر ذلك على الكيان اللبناني. وبعد خمس سنوات ومع وصول أعداد النازحين الى ما يقارب مليوني نازح، وجدت الكتل السياسية اللبنانية وأحزابها، إلى جانب التيار الوطني في مواجهة هذا «العبء».
وفي الأيام الأخيرة انضمت منظمات المجتمع المدني والهيئات الاقتصادية؛ كالرابطة المارونية وجمعية تجار بيروت ـــ التي تتحضر لوقفة احتجاجية أواخر الشهر الجاري، تضامنا مع الاقتصاد اللبناني وحماية لقمة عيش اللبنانيين ـــ الى المحذّرين من خطورة ملف النازحين، وجدية التحديات التي يمثلها بالنسبة الى لبنان.
برنامج للعودة
بدعوة من الرابطة المارونية، عقدت في الأسبوع الماضي ورشة عمل تحت عنوان «النازحون السوريون.. طريق العودة»، بمشاركة سياسيين وأمنيين وصناعيين، ومسؤولين في المنظمات الدولية. امتدت الورشة على يومين وقاربت تأثير النزوح في لبنان، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وأمنياً، وخلصت الى توصيات للحكومة بــ «إجراء الاتصالات مع الامم المتحدة ومع الدول ذات التأثير المباشر في الاوضاع في سوريا لتحديد مناطق آمنة يعود اليها النازحون، سواء كان ذلك في مناطق نفوذ النظام أو مناطق نفوذ المعارضة».
تزامناً، كان وزير العمل سجعان قزي، يعرض أول مشروع تفصيلي وآلية لعودة السوريين الى بلادهم، معتبراً «أن الهوية الوطنية معرّضة للتغيير، وأن الكيان اللبناني في خطر وعودة السوريين الى بلدهم ضرورية».
استبق الاستنفار الداخلي اللبناني لمواجهة تحديات النزوح السوري مؤتمر الأمم المتحدة حول تحركات المهاجرين والنازحين حول العالم الذي أظهر ان ملف النزوح بات العامل الوحيد الذي يوحد اللبنانيين*المنقسمين داخليا حول ملفات سياسية كثيرة.
*إحصاءات ربيع الهبر
مدير عام شركة ستاتيستيكس ليبانون، ربيع الهبر قدّم لـ القبس دراسة إحصائية شاملة لموضوع النازحين، تبيّن بالأرقام الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية، على الدولة اللبنانية، وتتضمن أعدادهم وأماكن إقامتهم، وصولاً إلى عدد الأرغفة التي يحتاجونها يومياً. وفق الدراسة، فإن عدد السوريين في لبنان هو مليون و800 ألف، «رقم مرشح للزيادة، لأن بعض المناطق لم نستطع مسحها»، من بينهم 600 ألف نازح هم في عمر الدراسة.
يستهلك النازحون 5 ملايين و400 ألف رغيف من الخبز يوميا. لكن المعضلة الأساسية ــ برأي الهبر ــ هي في استهلاكهم 1.8 ليتر من المياه، بمعدل وسطي 60 ليتراً يوميا، بينما يبلغ استهلاك اللاجئين للكهرباء 400 ميغاواط يوميا (جزء منها مدفوع).
وفي ما خص الولادات سجل عام 2016 حوالي 72 ألف ولادة لأطفال سوريين مقابل 71 ألف طفل لبناني.** ويتابع الهبر: ان هناك 5082 مخيماً عشوائياً عدا المخيمات الرسمية التي تديرها المفوضية العليا للاجئين، منوهاً بأن 40 في المئة من النازحين السوريين أتوا من مناطق*لا تتعرّض لأعمال عسكرية كبعض مناطق دمشق وحمص والساحل، ما يعني ان حوالي نصف النازحين هم نازحون لسبب اقتصادي.
الشماس: النازح أخطر*من الجندي
يذهب الاقتصادي، رئيس جمعية تجار بيروت، نقولا الشماس بعيدا في مقاربة آثار النزوح السوري في الاقتصاد اللبناني، فيقول ان «النازح السوري اليوم أخطر على لبنان من الجندي السوري بالأمس»، مشبها وضع اللاجئين على الأراضي اللبنانية بــ «قنبلة انشطارية عصفها ليس فورياً، وانما تدريجي سيمتد لسنوات. نواجه بالأرقام يردون باتهامنا بالعنصرية، ليتفضل كل من يتهمنا بمقاسمتنا هذا العبء».
لكن كثيرين يقولون ـــ وقد يكونون محقين ـــ إن النازحين السوريين لا يعيشون على حساب الدولة اللبنانية، بل ان قسماً منهم ينفق من أموال المجتمع الدولي، وقسماً آخر ينفق من مدخراته، وقسماً ثالثاً يعمل في لبنان وينفق في لبنان مما يحصله من عمله.
ولا يتحمل النازحون مسؤولية تفكك الدولة والمجتمع والحكومة في لبنان. واللافت ان كل المساعدات الدولية تذهب مباشرة للنازحين ولا تمر بالدولة، بخلاف ما يحصل في تركيا والأردن. فالدولة اللبنانية لا تملك خطة للتعامل مع ملف اللاجئين، وهي تتهرّب من مواجهة مشكلتهم. أما الفارق بين ما يحتاجه لبنان للقيام باعباء النزوح وبين ما يمنحه المجتمع الدولي كان مليار دولار في 2013 وفق البنك الدولي، وأصبح 5 مليارات في 2015.
المنافسة في سوق العمل
لكن شماس يتوجّس من «سورنة سوق العمل اللبناني»، معتبراً أن هناك دورة اقتصادية سورية بالكامل تنشأ في بعض المناطق، لا سيما تلك التي تحتضن نازحين؛ من انشاء محال تجارية، مصدر سلعها سوريا، وصاحبها سوري، والعامل سوري، والزبون سوري.
ولا يقتصر أثر النزوح السوري في العامل الاجتماعي الذي رفع* عدد الأسر الفقيرة في لبنان من مليون الى مليون و700 ألف، بل ان هناك منافسة شرسة في سوق العمل بين العمال والأجراء اللبنانيين والسوريين. ووفق أرقام وزارة العمل يتبين ان 13 ألف عامل لبناني خرجوا من أعمالهم في 2016.* ومقابل كل عامل سوري يدخل إلى سوق العمل اللبناني، يخرج منه لبنانيان اثنان، واحد مباشرة وآخر بسبب الانعكاسات الاقتصادية غير المباشرة.
ضغط عمالة متزايد
مما لا شك فيه ان العمالة السورية تشكّل ضغطاً متزايداً على سوق العمل اللبناني. ولم يعد الأمر مقتصرا على القطاعات التي حددتها وزارة العمل اللبنانية للسوريين وهي قطاعات الزراعة والنظافة والبناء. فها هم يعملون في كل القطاعات وبتسهيل من ارباب عملهم اللبنانيين.
فقبل اندلاع الازمة السورية كانت الأرقام تشير الى وجود مليون عامل سوري في لبنان، على الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة. وحتى عندما قررت الحكومة اللبنانية تنظيم وجودهم وتنظيم سوق العمل لمئات آلاف منهم، لم يسجل في وزارة العمل سوى عشرة الاف رخصة.
وتكشف دراسة، اعدها الباحث السوري صبر درويش عن العمالة السورية في لبنان، ان اعدادهم كانت في السنوات القليلة التي سبقت اندلاع الازمة في سوريا بين 500 ألف و700 ألف عامل، ترتفع نسبيا في أوقات المواسم الزراعية. أما بعد الأزمة السورية فيقول وزير العمل اللبناني ان نحو مليون من اصل مليون و800 ألف نازح قد دخلوا سوق العمل اللبناني. وفق دراسة درويش يعمل القسم الأكبر من السوريين في قطاع البناء والزراعة وفي قطاع المطاعم والخدمات، وهي مهن لا تتطلب مؤهلات عالية المستوى.
وتؤكد الدراسة ما ذكره ربيع الهبر أن 40 في المئة منهم نازحون اجتماعيون. اذ ووفق العينة التي شملتها الدراسة تبين ان 42 في المئة من السوريين أتوا إلى لبنان، بحثاً عن عمل مقابل 55 في المئة أتوا كلاجئين.
الدعم مقابل توظيف السوريين!
عرضت مؤسسات دولية تقول انها تساعد لبنان من أجل انعاش اقتصاده، على تجار بيروت دعماً ماليا لتحفيزهم، بشرط توظيف سوريين، ولكن التجار رفضوا، وقال نقولا شماس: «كنا نظن انهم يدعموننا لقاء توظيف لبنانيين»، وإزاء الوضع المتدهور لم يعد امامنا سوى حلين «اما الاقفال او استبدال اللبنانيين بعمال سوريين للحد من الخسارة».