المصدر - خاص _اليمن _*سليم السعداني
صنعاء المدينة التاريخية منذ القدم، حضارة 4000 سنة، والعاصمة السياسية للجمهورية اليمنية حولتها المليشيات اليوم إلى جحيم لا يطاق، ومعاناة مستمرة يتكبدها سكانها الذين وقعوا بين مطرقة الشرعية الغائبة وسندان المليشيا الغاصبة وممارساتها العدوانية وانتهاكاتها الدائمة التي يتعرض لها المواطنين كل يوم، من قبل مليشيات الحوثي وصالح الذين استباحوا السلطة منذ العامين ليقضوا على كل شيء جميل فيها.
صنعاء التي يقطنها نحو مليونان ونصف المليون شخص من مختلف المحافظات، بات ساكنيها اليوم على حافة الفقر والمجاعة بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية وانعدام المياه، ليبقى الألم هو ظلهم الذي لا يفارقهم، في ظل الغياب الشامل للخدمات الأساسية والضرورية، وتفشي السوق السوداء الذي ترعاه المليشيات عبر أذرعها في السوق.
العاصمة اليوم تجثم على صدرها المليشيات لتخنق الجميع ببطشها ونهبها لكل الممتلكات العامة والخاصة عبر فرض الإتاوات والجبايات على القطاع الخاص وأصحاب المحلات التجارية، تحت مسمى مجهود حربي لدعم حربها التي تشنها ضد اليمنيين، بينم سكان صنعاء لم يحصلوا على شيء سوء النهب والمعاناة.
أزمة مياه وغذاء خانقة
تعاني العاصمة صنعاء أزمة خانقة عبر سياسة الحصار والتجويع الممنهج الذين يمارسهما الحوثي، ورغم ما يقوم به التحالف بالتنسيق مع المنظمات الإنسانية لتخفيف المعاناة عن المواطنين، إلا قوات الحوثي تقوم بنهب وتخزين هذه المساعدات وضمها لمجهودها الحربي.
حيث تعاني صنعاء من شحة كبيرة في مجال المياه منذ اندلاع الحرب في اليمن، وذلك لكون المدينة في الأصل تعاني من قلة المياه ونضوب الآبار الجوفية المغذية لها وزادت الحرب وسيطرة المليشيات على العاصمة في تضاعف المأساة، وانقطاع المياه بشكل نهائي عن العاصمة، لتكون مبادرات فاعلي الخير هي بمثابة الشمعة للناس عبر توفير خزانات السبيل الخاصة بتوفير المياه النظيفة، ليبقى الأطفال والنساء في طوابير طويلة، بحثاً عن ملئ الماء المحدد لهم من السبيل، لكون شراء الوايت الماء بات صعباً بعد أن ارتفع سعره بسبب انعدام المشتقات النفطية التي ضاعفت من معاناة المواطنين.
أحمد الوشلي طفل في الـ 9 من عمره، أخبرنا بأنه يظل كل يوم ساعتين إلى ثلاث في الطابور الخاص بخزان المياه لانتظار فرصته في الحصول على الماء والقيام بنقله إلى منزلهم الذي يبعد نحو 500 متر عن خزان السبيل، ومثله الكثير من الأطفال والنساء في صنعاء الذي أثرت أزمة المياه على حياتهم.
أحد التجار يدعى " علي السياني " تحدث قائلاً (الحوثيون أجبروني على دفع غرامة قدرها مليون ريال يمني وذلك نظراً لقيامي بإخراج المواد الغذائية المخزونة وتوفيرها في السوق لتخفيف معاناة الناس وعدم انصياعي لأوامرهم بتخزينها)
ويشتكي سكان العاصمة من قيام مليشيا الحوثي بفرض ضرائب ومبالغ مالية دعما للمجهود الحربي، والقيام بوضع صناديق تبرعات في كل محلات العاصمة وعلى وجه التحديد، شارع هائل المكتظ بالمتسوقين.
انتشار ظاهرة التسول في شوارع صنعاء
تسببت مليشي الحوثي وصالح في سيطرتها على الدولة واستمرار الحرب في إيقاف الكثير من الشركات والمؤسسات والمصانع لأعمالها، مما نتج عنه تسريب الكثير من الموظفين والعمال من وظائفهم وأعمالهم، لتزداد نسبة البطالة والفقر مما أدى إلى انتشار ظاهرة التسول بكثافة، فالمتجول في شوارع صنعاء سيجد مشاهد مؤلمة للنساء والأطفال وكبار السن وهم يتسولون في الجولات، والأسواق والمحلات بحثاً عما يسدون بهم رمقهم من الجوع والعطش، لكون الحياة باتت صعبة وخانقة في ظل حكم المليشيا التي عمدت على نهب كل شيء لصالحها، غير آبهة بحياة الناس ومعيشتهم الصعبة، فالعاصمة اليوم بات يتوشحها رداء الألم والمعاناة، لا ماء ولا غذاء ولا كهرباء ولا أعمال!
جرائم أمنية .. وقتل بلا سبب
برزت الكثير من جرائم القتل ومصادرة الحرية وحياة الناس، تحت مبررات محاربة " الدواعش والتكفيريين) " عبر عناصر تباعة لجماعة الحوثي، وزادت معدل السرقة والجريمة خصوصاً بعد صدور أوامر من قبل قيادات حوثية بالإفراج عن الكثير من السجناء المتهمين بجرائم القتل والسرقة وتجارة المخدرات وفقاً لوثائق تم تسريبها.
هذا وقد اتهم المواطن عبد الرزاق البعداني قسم شرطة 22 مايو بحي الرقاص بصنعاء والذي تسيطر عليه ميلشيا الحوثيين بقتل نجله " أصيل " مع سبق الاصرار والترصد.
ووجه والد القتيل رسالة بخط يده للمنظمات الحقوقية اتهم فيها قسم شرطة 22 مايو الذي يخصع لسيطرة الحوثيين بقتل ولده قبيل حلول رمضان بأربعة أيام مشيرا إلى أن نجله قضي متأثرا بطلقات نارية باغتته خلال مروره بالقرب من المستشفى الايراني الذي يقع في مفرق شارعي الدائري والرياض.
فيما يقبع الكثير في سجون المليشيا بدون أي تهم أو عرضهم على القضاء، بل البعض يتم اختطافه واخفائه عن أهله دون معرفة مصيره حتى اللحظة، فيما خرج البعض من سجون المليشيا مصابين بتشوهات والبعض مشلول جراء التعذيب الوحشي الذي يتعرضون له في السجون الخاصة بالحوثيين.
بينما نزح الكثير من الصحفيين والسياسيين مع أسرهم إلى الخارج والبعض إلى المدن التي تسيطر عليها الشرعية، هروباُ من بطش الحوثي كي لا يكونوا عرضة للاعتقال والقتل.
الأسواق السوداء .. الميزانية التشغيلية للحوثيين
بعد أن سيطر الحوثيين على مؤسسات الدولة في العاصمة ونهبهم للاحتياطي النقدي في البنك المركزي اليمني لأكثر من 4 مليارات دولار، وصول البنك إلى حالة العجز وربما الإفلاس وعدم قدرته على دفع رواتب الموظفين، قامت المليشيا بتعويض خسائرها الحربية وتمويل قياداتها عبر الأسواق السوداء والمتمثلة في المشتقات النفطية، من خلال العمل على اخفائه من المحطات الرسمية وتوفرها في الأسواق السوداء بأسعار ضخمة وصل سعر الدبة البترول الـ 20 لتر بنحو 30 ألف ريال بداية الحرب قبل أن يعود للانخفاض والصعود بني فترة وأخرى، مما نتج عنه معاناة كبيرة للمواطنين في العاصمة وزيادة في أسعار السلع والمواد الغذائية.
فيما انعدم الغاز المنزلي وارتفعت اسعاره بدرجة جنونية ليضطر المواطنين في العودة لـ " الحطب " لاستخدمه في الطبخ بعد أن بات الحصول على دبة غاز بمثابة الحلم في عصر الحوثي، فيما عاد الحمير وسيلة للنقل بعد أن توقفت السيارات عن الحركة بسبب غياب المشتقات النفطية.
لم تكتفي المليشيا بالمشتقات النفطية بل اتجهت لمحلات الصرافة والتجار للقيام بنهب مبالغ طائلة وسجن واغلاق الكثير من محلات الصرافة بهدف الحفاظ على الاستقرار النقدي وتغطية فشلهم، حيث شكي الكثير من محلات الصرافة عن قيل الحوثيين بنهب الكثير من الأموال والتهجم عليهم وسجنهم، بالإضافة لزيادة المبالغ الخاصة بتجديد الرخص من 400 ألف ريال يمني بالسنة إلا أكثر من مليون ريال لمحلات الصرافة.
غياب الخدمات الأساسية للمواطنين
منذ اقتحام صنعاء، توقعت المشاريع والخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطنين، حيث لاتزال الجسور والأنفاق التي كان بدء بالعمل بها موقفة حتى اللحظة وتحوي الأموال الخاصة بها إلى حسابات الحوثي وتمويل حربه، فيما توقفت الكهرباء بشكل نهائي لأكثر من عام قبل أن تعود في هر رمضان لعدة ساعات في بعض الأماكن مع زيادة تقدر بستة أضعاف لسعر الكيلو عما كانت عليها سابقاً.
فيما اضطر بعض السكان لمغادرة العاصمة نحو الأرياف، هروباً من غلاء المعيشة والمعاناة في صنعاء.
لم تكتفي المليشيا بأي شيء إلا وقامت به لسد حربها، وعقابها الجماعي لسكان العاصمة الذين يرزحون تحت وطأتها، بين الفقر والجوع والمعاناة التي حملتها لهم مليشيا الحوثي منذ وصولها صنعاء حتى الآن.