بواسطة :
29-01-2015 12:56 مساءً
13.1K
المصدر -
الغربية :
لم يجد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من خيار، وهو مهدد بالرضوخ والإذعان لتنفيذ مطالب الحوثيين بعد أن أحكموا قبضتهم بالسلاح على مؤسسات الحكم في العاصمة صنعاء، وتمددوا فوصلوا إلى بيته واقتحموا المقر الرئاسي ونهبوا محتوياته وقتلوا بعض الحراس من المدافعين عنه... لم يجد في نهاية المطاف من خيار يحفظ ما تبقى من كرامته أمام تفرج العرب على اختطاف أم العواصم العربية سوى تقديم استقالته لرئيس مجلس النواب، وأعضاء مجلس النواب اليمني محتكما لما تبقى من شرعية رمزية في هذا المجلس في الوقت الذي تعصف باليمن أزمة أمنية وسياسية حادة.. راثيا بكلماته المقتضبة عجزه عما أسماه: "تحقيق الهدف الذي تحملنا في سبيله الكثير من المعاناة والخذلان!"
وفي حين رفض البرلمان استقالة هادي، رحب المسؤول الحوثي أبو مالك الفيشي باستقالة الرئيس اليمني واصفاً إياها بأنها "فرج كبير للشعب" على حد زعمه... وربما هو الشعب ذاته الذي نزل إلى شوارع صنعاء ليتظاهر في وجه الانقلاب الحوثي المدعوم بالعنجهية والمدد الإيراني، في المكان الذي انطلقت منه أصل القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية كلها!
تخضع العاصمة اليمنية المتشحة بالمرارة اليوم، لسيطرة ثلاث مجموعات هي قوات الحكومة، ومتمردي الحوثيين، وقوات مسلحة موالية للرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح. ويعتقد كثيرون أن الرئيس المعزول علي عبد الله صالح، الذي تنحى عقب التوصل إلى اتفاق بعد انضمام اليمن لثورات الربيع العربي، يساند حملة الحوثيين الذي سبق أن حاربهم.. نكاية بالتغيير الذي أطاح به!
سلطة الحلقة الأضعف!
وصل عبد ربه منصور هادي إلى السلطة بعد توقيع الرئيس السابق علي عبد الله صالح على المبادرة الخليجية في نهاية 2011، إثر الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام حكمه، ثم أصبح هادي في منصب الرئيس بالإنابة، وكان المرشح الوحيد للانتخابات الرئاسية في فبراير 2012 وحظي بتأييد كل من الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، ثم أصبح رئيسا لليمن في 27 فبراير 2012 عندما تنازل صالح رسمياً عن السلطة.
لم يشهد اليمن استقراراً خلال فترة حكم منصور، وشهدت البلاد صراعات كثيرة جعلتها ضحية لتصارع مجموعة من القوى أبرزها الحوثيون والقاعدة وأنصار الرئيس السابق، بينما كانت السلطة الشرعية في اليمن المتمثلة بالرئيس منصور هي الحلقة الأضعف.
فعلى الرغم من حرب الحوثيين ضد علي عبدالله صالح إلا أن الأخير تحول إلى حليف لهم، أو غطاءً لمشروعهم التقسيمي، ويسعى صالح، حسب محللين، إلى استغلال الصراع الحالي بين الحوثيين وخلفه عبد ربه منصور هادي، بهدف العودة إلى السلطة والانتقام في الوقت ذاته من المبادرة الخليجية التي تجاوبت مع الشارع اليمني وأبعدته عن السلطة لمصلحة نائبه.
لكن، وبسبب حالة التفكك التي يعيشها اليمن، وفي غياب أي سلطة فعلية للحكومة المركزية على القرارات السياسية والعسكرية، استمرت الهيمنة الفعلية لعلي عبدالله صالح على الجيش، وعلى الحرس الجمهوري كذلك، من خلال ابنه أحمد الذي كان قائداً للحرس، وهو ما أفسح المجال أمام مقاتلي الحوثيين للتقدم صوب صنعاء من دون مقاومة تذكر، حتى وصلوا القصر الجمهوري ومقر إقامة الرئيس هادي منصور بعد أن سيطروا على مختلف المؤسسات العامة والمقرات الحكومية.
دوافع الاستقالة
أثارت استقالة الرئيس اليمني بعد انقلاب الحوثيين الكثير من السجالات في الوسط السياسي اليمني والعربي، فئة وجهت له أصابع اللوم بوضع اليمن على شفير الهواية باستقالته في ظروف حساسة تمكن الحوثيين من إحكام قبضتهم على مفاصل الدولة، وفئة أخرى بررت استقالته بعدم قبوله لعد قبوله أي املاءات من عبد الملك الحوثي التي يريد فرضها عليه.
وفي نص رسالة الاستقالة التي تقدم بها إلى البرلمان قال عبد ربه منصور "نظرا للمستجدات التي ظهرت منذ 21 سبتمبر 2014 على سير العملية الانتقالية للسلطة سلميا التي حرصنا جميعا أن تتم بسلاسة ووفق مخرجات الحوار الوطني والذي تأخر لأسباب كثيرة".
وأضاف " وجدنا أننا غير قادرين على تحقيق الهدف الذي تحملنا في سبيل الوصول إليه الكثير من المعاناة والخذلان وعدم مشاركتنا من قبل فرقاء العمل السياسي في تحمل مسؤولية الخروج باليمن إلى بر الأمان."
الموقف الخليجي
على الرغم من الموقف الذي وضع فيه، إلا أن الرئيس اليمني هادي منصور لا يزال يحظى بشرعية دولية واعتراف إقليمي بمشروعية وجوده كرئيس على رأس السلطة في اليمن، حيث اعتبرت دول مجلس التعاون الخليجي "مستجدات الأوضاع الخطيره في اليمن" بأنها "انقلاب على الشرعية"، أي انقلاب على الرئيس عبدربه هادي منصور، ووصف بيان صدر عن الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول الخليج العربيه الست ما قام به الحوثيون و"داعميهم"، والمقصود هنا الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، بأنه عمليات إرهابية، مؤكدين بأنهم سيتخذون إجراءات لحماية أمن واستقرار اليمن، في مقابل ذلك رأى البعض أن الموقف الخليجي "يكشف عن عجز وتخلي عن مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.
منصور من العسكر إلى الرئاسة
عبد ربه منصور هادي الذي كان نائباً للرئيس، خلال الفترة 1994 و2011، تولى حين تسلم الرئاسة محاولة مضنية لإعادة هيكلة الجيش اليمني والأمن فقام بإقالة العشرات من القادة العسكريين المواليين للرئيس السابق علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر وإعادة تتنظيم وتوزيع الوحدات العسكرية والأمنية.. إلا أن هذا لم يسهم في تعزيز قوة الجيش بسبب تعدد ولاءاته!
ولد هادي في 1سبتمبر 1945 في قرية ذكين، في محافظة أبي، و تخرج من بريطانيا عام 1966 بعد حصولة على منحة عسكرية للدراسة، ثم في عام 1970 حصل على منحة لدراسة سلاح الدبابات في مصر لمدة ست سنوات. وأمضى السنوات الأربع التالية في دراسة القيادة العسكرية في الإتحاد السوفيتي.
شغل عدة مناصب عسكرية في جيش اليمن الجنوبي حيث عمل قائدا لفصيلة المدرعات، وبعد الاستقلال 1967 عين قائداً لسرية مدرعات في قاعدة العند في المحور الغربي لجنوب اليمن، ثم رقي إلى درجة نائب لرئيس الأركان لشؤون الإمداد سنة 1983، وكان رئيس لجنة التفاوض في صفقات التسليح مع الجانب السوفياتي، وتكوين الألوية العسكرية الحديثة. وعين هادي نائباً للرئيس في 1994، وكان قبل ذلك وزيراً للدفاع لفترة وجيزة.
محاولة اغتيال:
وكان عبد ربه هادي منصور قد تعرض لمحاولة اغتيال في مايو2013 عندما أحبطت السلطات اليمنية هجوما كان على وشك استهدافه في شارع رئيسي غربي العاصمة صنعاء، إذ تم العثور على عبوة الناسفة على الطريق الرئيسي الذي يتخذه عبدربه منصور هادي للانتقال من منزله الشخصي في شمال غرب العاصمة إلى القصر الرئاسي جنوب المدينة. وذكر خبراء عسكريون إن المفعول التدميري للعبوة قد يتجاوز 400 متر.. ما يعني أن الاستهداف كان جديا وسيودي بحياته.. ولم يكن مجرد رسالة!
تحذيرات سابقة
ترى بعض الأطراف في اليمن أن الرئيس المستقيل قد عجز عن إدارة البلاد ووضعها بعيداً عن الفوضى السياسية وفوضى السلاح الذي فرضه الحوثيون، إلا أنّ الأخير كان قد حذر مراراً من الخطر الذي يشكله الحوثيون في العبث بأمن واستقرار اليمن، ووصف في إحدى المرات تصرفات جماعة "أنصار الله" الحوثي بالطائشة، متوعداً باتخاذ إجراءات حازمة وقانونية. بينما يوجد نفسه أمام موقف مختلف حين امتد خطر الجماعة "الشيعية" إلى قلب العاصمة اليمنية على أعقاب نشر مسودة الدستور الجديد.. فصار مصيره معلقاً بين ان يكون واجهة أو أن يستقيل من الواجهة.. ففضل الخيار الثاني بعد أن أكتفى أشقاءه العرب بالخطب وبيانات الإدانة لمؤازرة رئيس ما كان يعرف بـ (اليمن السعيد)!