المصدر - كتبه :*د.علي الحاوري
لم يعرف الايرانيون ، في تاريخهم الممتد لالاف السنين ، خيرا اعظم من الخير الذي جاءهم من طريق العرب وبايدي العرب ، ومع ذلك ليس ثمة شعب يبغض العرب كما يبغضهم الايرانيون .
كل شعوب الاسلام تعترف بفضل العرب عليها وعظمة الدور الذي قاموا به في الاسلام عدا الشعب الفارسي الذي قابل الاحسان بالاساءة ، والفضل بالانتقاص ، والاخاء "الاسلامي" والجوار بالعدوان ، في كل مراحل التاريخ الاسلامي .
اما الذي يحدث اليوم من قبل الدولة الايرانية " الاسلامية " فهو اعظم بكثير من مجرد الاساءة او الانتقاص او العداوة او حتى الاحتلال لبعض الارض العربية المجاورة لها على نحو ما حدث منها من احتلال للعراق مثلا بعهد الصفويين الفرس او احتلالها اقليم عربستان العربي وجزر الامارات الثلاث بالخليج في القرن الماضي .
الذي يحدث اليوم هو اجتياح للارض العربية واحتلال بلدانها واحدا بعد الاخر وعلى نحو غير مسبوق منذ اول الاسلام .
غزا الاسكندر المقدوني ارض فارس (٣٣٤ق.م) وطوى امبراطوريتها الاخمينية - الممتدة من اليونان غربا الى الهند شرقا - كخرقة صغيرة ، وسحقها شر السحق .
وبعد وفاة الاسكندر خضعت فارس للسلوقيين الغربيين الوثنيين سنين طويلة .
وعندما ظهرت دولة الفرس الساسانية(٢٢٤م )
ومدّت جناحيها شرقا وغربا هزمها الرومان في مواقع كثيرة ، كان بعضها في عقر دارها .
وفي القرنين الهجريين السادس والسابع اجتاحها التتار والمغول المتوحشون وفعلوا بها الافاعيل .
كما حَكَمها من المسلمين الغزنويون والسلجوقيون والغوريون والخوارزميون ،وهزم دولتها الصفوية العثمانيون الاتراك شر الهزيمة في مواقع كثيرة اشهرها موقعة جالديران (١٥١٤) .
في معظم الاجتياحات والنكبات التي تعرضت لها فارس ،لاسيما من قبل الغزاة الوثنيين ، كانت دولهم تمحى وثقافتهم تدمر ومدنهم تحرق وانسانهم يذبح ويتعرض للاذلال .
حدث ذلك وغيره في تاريخ الفرس القديم والوسيط .
المثير للدهشة انهم لم يحقدوا البتة على اي من الغزاة اولئك ، لا المقدونيين اصحاب الاسكندر ولا السلوقيين خلفاء الاسكندر ولا الرومان ولا التتار ولا المغول المتوحشين ،ولا من تحكم فيهم وحكمهم او هزمهم من المسلمين : الغزنويون والسلاجقة والخوارزميون و الغوريون والعثمانيون .
لقد غفروا لكل من حكمهم وتحكم بهم ، وكل الطغاة ،
وكل الغزاة الوثنيين .
اسقطوا من وعيهم كل فضاعاتهم .
لكنهم وعلى النقيض تماما من غفرانهم فضاعات الغزاة ، حقدوا على الشعب الوحيد الذي احسن اليهم اعظم الاحسان واتاهم بالخير الاعظم : العرب .
العرب الهداة ، الذين حملوا الاسلام الى ارض فارس ونشروه بها ، واستبدلوا النار التي كان يعبدها الفرس بنور الرسالة الخاتمة .
وكان الاسلام الذي حمله العرب الى فارس والى العالم هو الاسلام النقي الطاهر المتصل بالمنابع وعصر النبوة ، لا "الاسلام الخزعبلاتي" الذي اخترعه الفرس انفسهم لاحقا في العصرين الاموي والعباسي خاصة .
كان هو الاسلام الذي اراده الله وجاء به الرسول الكريم .
التاريخ الفارسي ازاء العرب هو تاريخ التوسع في الارض العربية والهيمنة والاحتلال( قبل الاسلام وبعده ) وهو كذلك تاريخ الايذاء والخديعة والمقت وتمزيق النسيج الاجتماعي الثقافي العربي والوحدة السياسية ( بعد الاسلام) .
مازاد الامر ضراوة ان الفرس " المسلمين " –وبباعث العداوة للعرب ولاجل تمزيقهم– اخترعوا مذاهب سياسية سلالية خزعبلاتية لاترى من العالم سوى بعض العائلات ، ولاتفهم من التاريخ سوى ماضي الخلافات ، ولا تنظر الى الاسلام الا من ثقب السلطة العائلية الكهنوتية .
وبالفعل لم يات القرن الهجري الخامس الا وقد صارت هذه الحركات التمزيقية مهيمنة ثقافيا وسياسيا على معظم الارض العربية ، الامر الذي عبّد الطريق لاجتياحات الصليبيين الغربيين والتتار والمغول الشرقيين للارض العربية ومن ثم القضاء على ماتبقى من الحضارة العربية الاسلامية بالكلية .
والعروبة ليست فقط رابطة ثقافية كما هو شان الروابط الثقافية المعروفة في الامم الاخرى، بل هي رابطة ثقافية قومية طبيعية من ناحية ، ومتداخلة متشابكة جوهريا مع الاسلام النقي الطاهر من ناحية اخرى .
ولذلك فان الدفاع عنها هو دفاع عن العروبة وعن الاسلام النقي الطاهر في آن واحد .
وفي مرحلتنا هذه لايشمل الدفاع عن العروبة الدفاع عن الانظمة السياسية العربية،الخليجية او غير الخليجية، فهذه الانظمة استبدادية فاسدة ،ولا تستحق الدفاع الا بقدر دفاعها عن العروبة والانسان .
ما يتوجب الدفاع عنه هو الهوية العربية ومايرتبط بها او يؤسسها من لغة وثقافة وتاريخ وارض متصلة وروابط اجتماعية وعلاقات وتفاعلات ومؤسسات وكيان حضاري وشعور بالانتماء .
بالتاكيد ليست ايران هي المؤذي الوحيد للعرب وهويتهم الثقافية . هناك الغرب والامريكان واسرائيل وغيرها ، لكن ايران- الدولة ، هي الاشد ايذاء للهوية العربية تاريخيا وراهنا من بين جميع المنتسبين للاسلام .
هي وحدها التي تحارب العرب والاسلام من داخل الاسلام،اي باستخدام "الاسلام الخزعبلاتي" الذي اخترعه دهاقنتها ماضيا .
هي وحدها التي تحارب العرب مدفوعة بعاهات نفسية تاريخية مترسبة في الوعي واللاوعي القومي الايراني منذ اول الاسلام تقريبا .
ثقافتها "الاسلامية" التاريخية وكما هي اليوم ايضا تتمحور حول "مخالفة العرب وايذائهم" .
هي وحدها التي اجتاحت عناصرها عددا من البلدان العربية ( العراق،سوريا، لبنان،....)وصارت تحكمها وتتحكم بها راهنا .
في الواقع هي تمقت العرب جميعا ،شيعتهم وسنتهم،وانما تتصل بمن ينخدع بمقولاتها وظاهر سياستها .
هي وحدها التي تخوض حربا شاملة ضدالعرب ،
حربا غاياتها "قومية فارسية" ووسائلها الثقافية " اسلامية" في ظاهرها ، "طائفية" في حقيقتها ، ووسائلها المادية البشرية المقاتلة " عربية" ، وساحة حربها " البلاد العربية" وقتلاها ، "الشهداء" والاعداء، من "العرب" .
ثبت بالتاريخ ان العاهات النفسية الخلقية التي تعاني منها الشخصية الايرانية لا تعالجها الا العمليات الجراحية .