المصدر -
على مدى أكثر من شهرين من انقلاب3 يوليو/تموز في مصر تتبع السلطات هناك سياسة قائمة على الحلول الأمنية والعقاب الجماعي في أكثر من منطقة من البلاد بدءا بفض اعتصامي رابعة العدويةوالنهضة وصولا لما يحدث حاليا في سيناءودلجا وكرداسة.
اختارت سلطات الانقلاب اللجوء إلى الحل الأمني، رغم أنه لم يظهر نجاحا في إسكات صوت رافضي الانقلاب، فما لبثت قوات الشرطة والجيش من الانتهاء من فض اعتصام أنصار الرئيس المعزولمحمد مرسيفي رابعة والنهضة مخلفة آلاف القتلى والجرحى حتى اندلعت مظاهرات يومية أو شبه يومية، وبعد أن كان للاعتصام أماكن قليلة محددة أصبحت اليوم التظاهرات والمسيرات في مختلف الميادين والمحافظات.
لكن ما حدث لم يثن هذه السلطات عن مضيها فيالحل الأمني، بدلا من البحث عن حل سياسي من شأنه وقف نزيف الدماء من الطرفين وتحسين الصورة أمام المجتمع الدولي، الذي لا يبدو جزء كبير منه مقتنعا بأن ما حدث في مصر في 30 يونيو/حزيران الماضي كان ثورة شعبية ساندها الجيش كما يزعم مؤديو الانقلاب.
واستمر خيار القوة مسيطرا على الممسكين بزمام الأمور في مصر (الجيش والشرطة) بكامل أجهزتهما، فكانت مواجهات أخرى في ميدان رمسيس بقلب العاصمة مع استمرار فرض حالة الطوارئ وحظر التجوال في 14 محافظة، ثم جاءت الحملة الأمنية الموسعة على سيناء تحت شعار "مكافحة الإرهابيين والتكفيريين" لتكشف عن وجه آخر بعد أن طال قصف مروحيات الجيش منازل المدنيين والمساجد كما اعتقلت العشرات من أهالي سيناء.
دلجا وكرداسة
ومع استمرار هذه الحملة بدأت حملة أخرى في صعيد مصر، وتحديدا في قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس بمحافظة المنيا، تلك الحملة التي بدا فيها وكأن الشرطة والجيش يحاربان خصما مجهزا بالأسلحة الثقيلة والعتاد، وهو ما ظهر من كم المدرعات والآليات العسكرية ومروحيات الجيش التي شاركت في اقتحام القرية، تحت غطاء إعلامي يروج لعمليات تطهير يقوم بها الجيش والشرطة في سيناء ودلجا.
واليوم بدأت حملة جديدة للجيش والشرطة في قرية كرداسة بمحافظة الجيزة بمشاركة مجموعات قتالية من العمليات الخاصة وعشرات التشكيلات من قوات الأمن المركزي "لتطهيرها من البؤر الإرهابية"، وهي الحملة التي شهدت اعتقالات واسعة.
حتى الآن لم تنصت سلطات الانقلاب للأصوات المحذرة من خطورة الاستمرار في سياسة الحل الأمني، والاعتماد على القوة، لأنه قد يورط السلطة الجديدة في المزيد من الإحراج أمام المجتمع الدولي، كما أنه يحول نسبة كبيرة من المترددين في رؤيتهم لما حدث أهو انقلاب عسكري أم ثورة شعبية.
الإعلام الرسمي المؤيد للانقلاب وصف عمليات قوات الأمن في دلجا وكرداسة وسيناء بأنها تأتي "لتحرير" هذه المناطق من "الإرهاب" كما أنها ضرورية لإظهار قوة الدولة وبسط هيبتها من جديد وتصحيح للوضع الأمني المضطرب في تلك المناطق، بل إن صحيفة الأهرام وصفت اقتحام قوات الجيش والشرطة لكرداسة بأنه "يوم الخلاص من الإرهاب"، فيما اختارت بوابة المصري اليوم عنوان "معركة تحرير كرداسة" لتغطية العملية، أما صحيفة اليوم السابع فقالت إن حالة من الفرحة سادات بين أهالي كرداسة بعد نجاح العملية.
تعميق الأزمة
يقول مجدي سالم، رئيس الحزب الإسلامي المنبثق عن تنظيم الجهاد، والقيادي بالتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب إن ما يجري في كرداسة من شأنه تعميق الأزمة الراهنة في البلاد وخلق بؤر توتر جديدة.
ويؤكد سالم لوكالة الأناضول أن نهج قوات الأمن في قريتي دلجا بمحافظة المنيا وكرداسة بالجيزة هو جزء من الأخطاء الأمنية المترتبة علي الانقلاب العسكري الذي يعالج مشكلة ما بمزيد من المشاكل الأخرى.
من جهته، يؤكد حاتم عزام نائب رئيس حزب الوسط أن اللجوء للعنف الأمني في حل المشكلات السياسية "دليل قاطع على فشل قادة الانقلاب في تغيير المسار الديمقراطي رغم إطاحتهم بكل الاستحقاقات الشعبية".
ويضيف في تصريحات للموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين أن المجازر التي تدشنها قوى الانقلاب بحق المتظاهرين السلميين, كان لها دور إيجابي في استمرار المظاهرات والمسيرات بقوة وزخم وانضمام عناصر جديدة لحركة مناهضة الانقلاب وإلى تحالف دعم الشرعية.
أما لماذا دلجا وكرداسة، وهما قريتان صغيرتا المساحة وعدد السكان، فيجيب أنس حسن وهو مؤسس شبكة رصد الإخبارية ورئيسها السابق موضحا أن قادة الانقلاب يعلمون جيدا أن القمع الشامل لا يجدي ويوسع دائرة الاحتجاج، وعليه يكون البديل سياسات "الصدم والخوف".
ويضيف في مقال له بهذا الشأن أن تطبيق هذه السياسة يأتي من خلال شيطنة نقطتي تمرد داخل بقعة جغرافية كبيرة وصب الأساطير حولها "وإلباسها لباس الشر" ثم ضربها بقوة، في سياق حرب نفسية تهدف لإيصال رسالة مفادها أن الانقلاب مستعد أن يفعل أي شيء مقابل الحفاظ على النظام الجديد.
المصدر:الجزيرة