المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 27 ديسمبر 2024
بواسطة : 05-02-2017 07:07 صباحاً 14.6K
المصدر -   

تايتانيك السعودية

أسماء عدة حملتها السفينة؛ أشهرها "جورجيوس جي Georgios G". ولكن السفينة، القابعة على شاطئ منطقة بئر الماشي بمحافظة حقل في شمال غربي السعودية قرب الحدود الأردنية، تعرف الآن بـ"تايتانيك اليونانية". قصة السفينة الجاثمة يشوبها الغموض وتثير الاستغراب لدى العديد من السعوديين، وذلك منذ جنوحها في أواخر التسعينات الهجرية (سبعينات القرن العشرين)، ولكنها باتت مَعلماً من معالم السياحة ومنظراً محبَّباً لكل من يزور ساحل محافظة حقل التابعة لمنطقة تبوك.  

موقع فريد

  تقع منطقة بئر الماشي على ساحل خليج العقبة، على رأس من البحر، وتعتبر مرسى طبيعياً. وينعدم الطريق البري تماماً جنوب بئر الماشي؛ لأن الجبال تلتصق بالبحر، وتبقى وسائل النقل البحرية هي الوسيلة الوحيدة للوصول جنوب البئر. ويعتبر بئر الماشي من المواقع السياحية بمحافظة حقل التي تنعم بشواطئ رملية ساحرة، يرتادها المصطافون من جميع أنحاء المملكة. وقد أطلق اسم (الباخرة)على هذا الموقع منذ عام 1398هـ (1978) بعد حادثة جنوح (جورجيوس) واستقرارها فوق الشُّعب المرجانية.  

تاريخ السفينة

  تم بناء السفينة في عام 1949م في ساحة ساوثويك بمقاطعة سندرلاند في إنكلترا، بواسطة شركة ويليام بيكر سغل وأبنائه المحدودة، وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بـ3 سنوات. " هافينغتون بوست عربي" التقت الباحث السعودي عبد الله العمراني، الذي أجرى دراسة عن السفينة منذ انطلاقها، وحتى جنوحها على شاطئ بئر الماشي في محافظة حقل (شمال السعودية). وأوضح العمراني أن سفينة "جورجيوس جي G" بدأت مسيرتها في عام 1958م كناقلة شحن، وقد تعاقب على ملكيتها عدة أشخاص وشركات وجنسيات إلى أن أصبحت مملوكة لشركة يونانية قبل جنوحها. وعن قصة جنوح السفينة، ذكر العمراني أنه وثّق القصة الحقيقية من مالك السفينة السابق رجل الأعمال السعودي عامر محمد السنوسي. يروي عامر السنوسي واصفاً حادثة الجنوح قائلاً: "في منتصف شهر جمادى الثاني من عام 1398هـ (أبريل/نيسان 1978)، عبرت السفينة اليونانية (جورجيوس جي) مياه خليج العقبة وهي محملة بالطحين (الدقيق) في طريقها لميناء العقبة الأردني في أثناء الليل". ويتابع قائلاً: "لأسباب لم تُعرف بعدُ، جنحت على الشعاب المرجانية في الساحل السعودي قرب مركز بئر الماشي، وحدث بها فجوة في أسفل مقدمة السفينة تسببت في دخول الماء إلى العنبر الأمامي، فزادت حمولتها واستقرت على الشعاب المرجانية ولم تتحرك، وذلك في 4 أبريل 1978م". وحاول الربان، منذ لحظة جنوحها، تحريكها وإخراجها حتى تصل لميناء العقبة فلم يتمكن، وعندها اتصل لا سلكياً بمقر الشركة باليونان وأخبرهم بما حدث، طلبوا منه إبلاغ السلطات السعودية بما حدث والتوجه مع بحارة السفينة إلى العقبة براً، فتم ذلك. وفي مقر الشركة باليونان، تم التنسيق بين الشركة مالكة السفينة وشركة التأمين المؤمن لديها تلك السفينة، لتقدير الأضرار التي حدثت ومعالجة الموضوع.  

بيعها

  وينقل العمراني عن مالك السفينة السنوسي قوله: "تم تكليف مجموعة من المختصين من الشركة المالكة للسفينة ومن شركة التأمين باليونان الحضور للسعودية ومعاينة ما حدث على الطبيعة. ولدى وصولهم لموقع السفينة، عاينوها وشاهدوا الأضرار التي لحقت بها ودرسوا إمكانية معالجة أمرها، وعادوا لليونان وأعدوا تقريرهم للجهات التي كلفتهم، حيث ظهر به أن تكاليف إصلاح الأضرار أعلى من تكاليف دفع قيمة بوليصة التأمين المقررة على السفينة للشركة، ولذلك قرروا بيع السفينة". الشركة المالكة للسفينة أعلنت في ذلك الوقت بالصحف الأردنية رغبتها في بيعها بموقعها وعلى حالتها، باستثناء كمية الطحين الموجودة بها.  

رجل أعمال سعودي يشتريها

  عندما علم رجل الأعمال السعودي عامر محمد السنوسي بعرض السفينة للبيع، تقدم للشركة ضمن آخرين أرادوا شراءها، ثم بلغته الموافقة على بيعها بالقيمة التي طرحها. وعلى أثر ذلك، سافر لليونان وزار مقر الشركة في (جنوا)، وبعد مفاوضات مع المسؤولين عنها تم الاتفاق النهائي على الشراء وتم تسليمهم المبلغ المتفق عليه، والتوقيع على عقد البيع. وبعد ذلك، قدم السنوسي صورة من عقد الشراء لأمير حقل آنذاك الشيخ إابراهيم المزيد، طالباً منه السماح بالتصرف في السفينة، ثم أعلن في الصحف الأردنية أن على التاجر صاحب كمية الطحين الموجودة بالسفينة المذكورة أن يقوم بتسلمها. بعد الحصول على إذن من السلطات السعودية، جرى تفريغ الكمية الصالحة من الطحين بوسائط بحرية ونقله إلى ميناء العقبة الأردني، وما بقي منه بالماء تعفن وأصبح طعاماً للأسماك.  

نيران لا تنطفئ

  ويقول العمراني: "بعد ذلك، عرض السنوسي السفينة للبيع، وتقدم أحد رجال الأعمال الأردنيين لشرائها، وتم الاتفاق معه على أن يُكلّف مختصون لمعاينتها في موقعها. وبعد وصولهم للموقع عن طريق البحر، قاموا بالفعل بمعاينتها ورصد الأضرار التي لحقت بها، وحاولوا تشغيل إحدى ماكيناتها فاشتعلت النار بها ولم يتمكنوا من إطفائها؛ بسبب عطل في وسائل الإطفاء. ا لأسوأ أنهم تعرضوا لإصابات وحروق شديدة وحاولوا النجاة بأنفسهم رمياً بالبحر والسباحة حتى الشاطئ!". وبقيت النار تشتعل فيما هو قابل للاشتعال من أسفل السفينة حتى أعلاها، وقد لحقت النار بغرفة القيادة وحجرة الماكينات وغرف نوم البحارة والأجزاء العليا منها لعدة ساعات، ما دفعهم لطلب المساعدة من الدفاع المدني بسرعة إرسال مجموعة من سيارات الإطفاء للموقع. ونظراً لكون الطريق ترابياً والمسافة بعيدة، فقد وصلوا مساء وباشروا فوراً عملية الإطفاء من الشاطئ، بضخ مياه البحر لجسم السفينة، في محاولة لوأد النيران، وبذل فريق الإطفاء جهوداً كبيرة حتى ساعة متأخرة من الليل، في مساعيهم لإخماد الحريق. إلا أن النار كانت تنبعث من وسط السفينة، ما صعّب مهمة الوصول إليها، واستمرت النيران مشتعلة عدة أيام حتى خمدت وحدها بعد أن أتلفت كل شيء في السفينة ما عدا الأجزاء الحديدية. بقيت "جورجيوس جي" في موضعها على الشعاب المرجانية بعد هذه المأساة، وعندما تحركها الأمواج تنزل قليلاً للمياه العميقة حتى تعلقت أخيراً على وضعها الحالي الآن. يقول العمراني: "يطلق أهالي حقل على السفينة (تايتانيك السعودية)".  

منظرٌ مُلهم

  الأستاذ نايف العنزي مُعلّم مُكلّف التدريس في مدينة تبوك بشمال السعودية، يقول لـ"هافينغتون بوست عربي": "منذ أن وصلت إلى تبوك وبدأت العمل بها، سمعت الكثير من القصص الغريبة حول هذه السفينة، ما دفعني لشد الرحال إلى محافظة حقل، التي لا تبعد كثيراً عن تبوك". وأردف قائلاً: "بصراحة، أَسَرَني المنظر الخلاب للسفينة". وتابع العنزي قائلاً: "إن مشاهدة السفينة وتأمّلها، يجعلان المرء يستغرب، وكأنه ينظر لقصة غامضة تخفي خلفها الكثير من الأسرار".  

جسر يربط السفينة باليابسة

  منيرة الشمري باحثة في التاريخ وأحد سكان محافظة حقل، ذكرت الشمري لـ"هافينغتون بوست عربي" أنها اقترحت على الجهات المختصة، بأن يستغل موقع السفينة كمَعلم سياحي، من خلال إنشاء جسر بسيط يربط بينها وبين اليابسة حتى يتسنى الاقتراب منها ومشاهدتها عن قرب للزائرين والسياح. وتقول الشمري عن غرائب مدينتها: "تبوك مدينة تحمل بين طياتها 3 قصص غريبة وغامضة، قصة السفينة جورجيوس، وقصة الطائرة الأميركية (كاتالين)، بالإضافة إلى قصة الطائرة العسكرية التي ضربت قمم جبال اللوز، جميعها قصص حدثت في محافظات المدينة، تحمل غرائب وعجائب لا يعرف عنها الكثير".
 
/n