المصدر - إعداد وتقديم:
الإعلامي/ غازي بن نايف العتيبي
الإعلامية/ جميلة بنت عبدالعزيز السطامي
في ظل التطور التقني المتسارع الذي يشهده عصرنا الحديث واتساع قناة التواصل الاجتماعي لتتخطى الحدود الجغرافية وتنصهر ثقافات الشعوب في روافدها ، وبرزت الحاجة المجتمعية لمعايشة الحدث وتزامنه بتحجيم الوقت وسهولة الوصول.
ولأن الإعلام يمثل قناة الإتصال المجتمعي لمختلف المجتمعات وبإختلاف ثقافاته برزت منظومة الإعلام الجديد وشيوعية الصحف الإلكترونية والتي اصبحت الفضاء الرحب لنقل الحدث وتزامنه.
وفي خضم إنتشار الصحف الإلكترونية برزت العديد من المؤشرات التي تتمحور حول تحجيم الصحافة الورقية ، وترددت التساؤلات التي تطرح حول الصحافة الإلكترونية والدور الذي تمارسه في هذا الفضاء الإلكتروني مقابل الصحف الورقية والمقارنة القائمة بينهم في ظل تنافس شديد بين الصحف الإلكترونية نفسها وبين الورقية في الجهة الأخرى.
وحول اثر الإعلام الجديد وخاصة الصحف الإلكترونية في تحجيم الصحافة الورقية كوسيلة إعلامية مقرؤة ، وهل انتشار الصحف الإلكترونية هو مؤشر على انقراض عصر الصحافة الورقية؟ استضافت صحيفة غرب الإخبارية الخبير الإعلامي الأستاذ فطين أحمد - باحث وصحافي فلسطيني - ومقدم برامج في الإذاعة والتلفزيون السعودي خلال الأعوام العشرة الماضية في عدد من المواضيع الاجتماعية والثقافية والعلمية ورئيس تحرير مجلة طبيبك سابقا وكاتب في عدد من الصحف العربية والدوليةوالذي بدوره شارك في عديد من الندوات الإعلامية والمتخصصة ومن خلال تقديمه عدد من البرامج الحواريةومن ضمنها على القناة السعودية الثانية.
وقد عبر الخبير الإعلامي " فطين " عن اثر الإعلام الجديد وخاصة الصحف الإلكترونية على الصحافة الورقية بأنها بمثابة الضربة القاضية .. واستطرد ذاكرا:
كان هوائي التلفزيون، منتصباً على سطح منزل في الأرياف، كان كفيلاً بأن يعطيك تصوراً أن صاحب البيت ثري، يجتمع في بيته الجيران والأقارب ساعات المساء، ويكون ما شاهدوه حديث الشارع طوال النهار التالي، إذ الكهرباء تصل إلى القرى وحتى بعض المدن ليلاً فقط، ولم يتخيل أحد وقتها أن يختفي تلفزيون «الأبيض والأسود» فتصبح الشاشة ملونة، فتعرف لون عيون الممثل ولباسه، وحتى لون أسنانه، وبخاصة في عهد الشاشة النحيفة، بعد أن قذفت كل الصناديق القديمة من التلفزيون في حاوية الذكريات.
الإحصاءات العالمية أكدت أن نسبة مشاهدي التلفزيون تراجعت 30 في المئة، في ظل تزايد مشاهدات فيديوات «يوتيوب»، كما أن بائع الصحيفة الورقية الذي كان يستمتع بأن يجد عشّاق الأخبار بانتظاره ساعات الفجر، يجمع اليوم المرتجع من صحفه بنسب بيع هزيلة انعكست على استغناء معظم الصحف، حتى في السعودية، عن عشرات من موظفيها، بسبب شح الموارد المالية.
هو عهد تمكّن «وسم» أو «تويت» من إقالة وزير أو الإطاحة برئيس دولة، ونزع السلطة من الصحافة الحكومية بعد أن أصبحت الإلكترونية التي يسيرها شخص واحد أو مجموعة أشخاص قادرة على إحداث تغيير في كامل المجتمع، كما حدث في «الربيع العربي».
النظرة المجتمعية في النهاية تنتصر للورقية، فالتهاني والتعازي مازالت حكراً على الورقية، وما يثار من إشاعات في الصحف الإلكترونية تنفيه الورقية ذات الصدقية عند معظم القراء في اليوم التالي، ما يجعل من كليهما مكملاً للآخر وليس نداً له.
الممثلون الراحلون: نور الشريف ومحمود عبدالعزيز وغسان مطر، كلهم ماتوا بحسب الصحف الإلكترونية وما فيها من انفلات إعلامي مئات المرات خلال أشهر متباعدة، ليتبين لاحقاً زيف الكلام، حتى بات القارئ لا يثق إلا بالصحيفة الورقية على رغم انزوائها.
المنصات الرقمية، التي تتدفق إلينا عبر «واتساب» والصحف الإلكترونية، للأسف تعتمد على «يقولون» في استقاء أخبارها، إلا أن الصحافي الفطن بإمكانه الاستفادة من «يقولون» ويتثبت بطريقته من المصادر الرسمية، من دون الانزلاق في هفوات وإشاعات تقذفها مدونات رياح الإنترنت.
السعودية أغلقت عشرات المواقع الإلكترونية غير الملتزمة بالصدقية، فيما رخصت صحفاً إلكترونية أخرى، وهي بداية سليمة للحد من «الهرطقات» الإعلامية، وبخاصة بعد أن قدمت المتجاوزين للقضاء، ولا سيما من يروج للإرهاب أو يدعو إلى الرذيلة أو تضليل الرأي، في محاولة منها للجم «جماح» الطائشين والمندسين.
الكر والفر بين الصحافة الورقية والإلكترونية، حتى بعد تمكن الهاتف المحمول من فرض تطبيقات تغني المستخدم عن الجميع بمجرد لمس الشاشة، ستسمر، تخيل دولة بلا صحف ورقية!
سأل أحد إمبراطوريي الإعلام: متى تنتهي الصحف الورقية؟ فقال: تنتهي مع آخر ورقة في العالم فقط؟ ما يؤكد أن الإعلام التقليدي يمرض ولا يموت، فالمذياع موجود وله شرائح تسمعه في المركبة والصحراء، وإن كان بائعو البطاريات تناقصت سوقهم.
أجمع معظم الإعلاميين المشاركين في الجلسة الحوارية التي نظمها «عرب نت» أخيراً أن الإعلام والإعلان يشهدان تداخلاً حميداً، حتى باتت المادة الخبرية الإعلانية لا تقل أهمية عن الإعلامية، إلا أن إزعاج الجمهور يظهر في سوء توجيه المادة الإعلانية للشريحة الفعلية المهتمة.
غالباً ينتظر المتصفح أربع ثوان لفتح الصفحة الإلكترونية، وإلا فإنه يهملها، والإعلان المدرج في الصفحات يؤخر تنزيل المادة من ست إلى 10 ثوان، ما يلزمنا مراعاة الشرائح المستهدفة، فمعظم الشرائح تضغط «تخطي الإعلان» لأنه لا يهمها نهائياً، بل ويؤرق مزاجها.
قبل التلفزيون كانت قصص الأمهات والجدات تغنينا عن البحث عن أفلام ومسلسلات، وأذكر أنني في المرحلة الابتدائية ذهبت إلى إحدى قريباتي لسماع قصة تاريخية عن الأمين والمأمون، بعد تكليف الراحل مدرسنا بالواجب، أما اليوم فـ«غوغل» أصبح خير جليس، على رغم افتقاده أية مشاعر إنسانية.
حوار الدائرة المستديرة في حاضنة «بادر» بحث هزيمة الصحف الورقية في وجه الإلكترونية المسلحة بـ«تويتر» «وفيسبوك» و«إنستغرام» و«سناب»، إلا أن الجميع أكد ضرورة التحقق من المعلومة العابرة بأقصى سرعة ونقلها عبر أقصر الطرق، بغض النظر عن مروجها.
وتساءل الجميع: ماذا لو أغلقت مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات (إلإنترنت) فجأة؟! هل تعود حياتنا إلى رتابتها أم يصيبنا الدوران والغثيان بعد عهد الإدمان الذي تشربناه في الأعوام الماضية، علماً بأن 60 % من هذه المواقع يتداول أخباراً وصوراً وفيديوات مشكوكاً فيها أصلاً، لدغدغة مشاعرنا والاستخفاف بعقولنا.