المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 28 مارس 2024
تقرير: الأقمار الصناعية وحقوق الإنسان: "لقد رأينا ما فعلتم"
بواسطة : 25-01-2015 11:58 مساءً 9.2K
المصدر -  

متابعة - محمد الياس :

قدمت الصور المروّعة التي التقطتها الأقمار الصناعية لحجم الدمار الذي لحق ببلدة باغا والقرى المجاورة لها شمال شرق نيجيريا في وقت سابق من هذا الشهر أدلة واضحة على حجم الجرائم التي ارتكبتها جماعة بوكو حرام الإسلامية المتطرفة عندما اقتحمت البلدة.

وقد حسمت الصور التي صدرت عن هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية في 15 يناير، التي تظهر علامات واضحة على إشعال الحرائق، الجدل المتزايد بشأن التغطية الإعلامية لمناطق الصراع البعيدة. كما سلطت الأضواء مرة أخرى على حقيقة أن شيئاً فظيعاً قد حدث في باغا، وأن مئات الأشخاص، إن لم يكن قرابة 2,000 شخص، ربما قتلوا في هذه الأحداث.

وفي هذا الصدد، قال كليمنت نوانكوو، وهو محام نيجيري يهتم بحقوق الإنسان لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) "إنها قوة الصورة". وأضاف أن "السبب الذي جعل الناس يتساءلون إذا كان 2,000 شخص قد قُتلوا هو أنه لا يمكن تصور هذا المستوى من الوحشية. ولكن الصور تثبت صحة هذا الادعاء، ويمكن أن يكون عدد القتلى قريب من هذا".

والجدير بالذكر أن منظمات حقوق الإنسان أضحت تستخدم صور الأقمار الصناعية بشكل متنام للتحقق من صحة الادعاءات التي سيكون من الصعب التحقق منها لولا توفر هذه الأدوات، ذلك أنها توفر بعداً إضافياً من الأدلة للمحققين، وقد يكون هذا البعد فورياً أو طويل الأجل، كتجميع سلسلة متتابعة لكشف أنماط التدهور البيئي، على سبيل المثال.

ويمكن أن تكشف مثل هذه الصور أكثر مما كان متوقعاً. وتعكف منظمة هيومان رايتس ووتش حالياً على التحقيق في حوادث انتهاكات حقوق الإنسان المحتملة في نيجيريا، التي لم تُعرف من قبل.

مزايا وأوجه قصور

وتكمن ميزة الأقمار الصناعية في أنها غير قابلة للترهيب أو التهديد، كما أن الصور التي تلتقطها تعتبر سجلاً رقمياً يمكِّن المحققين من تحليل الحدث بأثر رجعي. ولكنها مجرد أداة واحدة فقط في جعبة الناشط في هذا المجال، ولديها أوجه قصور أيضاً. فهناك حالة مستمرة من انعدام الثقة القضائية تنعكس على مدى قبول المحاكم للبيانات التي توفرها تلك الصور نظراً لأنه يمكن التلاعب بالصور المولدة بواسطة الكمبيوتر، كما أنها تتطلب تفسيراً موضوعياً من قبل الخبراء، وقد لا تظهر بالضرورة السبب.

وكان العرض الذي قدمه كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أمام مجلس الأمن الدولي حول أسلحة الدمار الشامل العراقية أحد أكثر الأمثلة شهرة على التضليل – بما في ذلك إشارة منحازة لفكرة أن الرؤية من الفضاء كانت أفضل من رؤية مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة خلال جولتهم في المرافق النووية.

وفي هذا الصدد، يرى جوش ليون، المحلل لدى منظمة هيومان رايتس ووتش في مجال الاستشعار عن بُعد، ومن المحللين الذين عملوا في الصور الخاصة بباغا، أن التعاون مع المحققين على الأرض – أي مطابقة الشهادات والمعرفة المحلية بما يمكن ملاحظته في البيانات الواردة عبر الأقمار الصناعية -هو عنصر رئيسي للدقة والمصداقية في عمليات تقييم الصور.

وهناك عدد من الأقمار الصناعية التجارية المتطورة التي تتوفر على نحو متنامي بتكلفة منخفضة نسبياً والتي من شأنها أن تتيح استخدام هذه الوسائل للجميع. وفي حالة باغا، اطلع ليون عبر الإنترنت على الصور التي كانت متاحة للبلدة في الأيام المحددة، ودفع لشركة إيرباص الأوروبية 350 دولاراً فقط (نظراً للخصم الذي يمنحه لمنظمة هيومان رايتس ووتش)، ووصلت مجموعة الصور إلى جهاز الكمبيوتر الخاص به في غضون ساعتين. وإذا طلب تغطية تفصيلية، بمعنى أن يطلب من شركة الأقمار الصناعية تصوير منطقة محددة، فإن التكلفة قد تصل بين 400 و1,380 دولاراً، وفقاً لمدى السرعة المطلوبة.

وفي هذا الصدد، قال ليون لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "ليس بالضرورة أن يكون الحاجز هو الأسعار، بل توفر البرامج الكافية والخبرة اللازمة لتفسير الصور". وللتغلب على هذه المشكلة، تقدم المنظمات غير الربحية مثل الرابطة الأمريكية للنهوض بالعلم، الدعم التحليلي إلى جماعات حقوق الإنسان. وقد استخدمت منظمة العفو الدولية شركة الأقمار الصناعية "ديجيتال جلوب" لتفسير الصور الخاصة ببلدة باغا.

وعادة ما يتطلب معالجة وتحليل أعداد كبيرة من صور الأقمار الصناعية توفر برامج حاسوبية وخوارزميات معقدة ونماذج لاكتشاف التغييرات. ويمكن أن تأتي هذه في شكل نطاقات طيفية مختلفة، بما في ذلك الأشعة تحت الحمراء القريبة (أي الموجات القصيرة للأشعة تحت الحمراء) – التي تستخدم في رصد التغيرات في صحة وسلامة الغطاء النباتي - إضافة إلى الكشف عن الأدلة التي تظهر الأضرار الناجمة عن الحريق، كما هو الحال في باغا. وتستخدم أنظمة الأقمار الصناعية الجديدة موجات قصيرة للأشعة تحت الحمراء لاختراق الغيوم والدخان الكثيف بغية الكشف عن الكائنات التي قد لا تظهر في الصور التقليدية – مع درجة وضوح عالية تصل إلى 31 سنتيمتراً لكل بكسل.

ما الذي يمكن أن تشاهده؟

إن فهم البيانات التي يعرضها جهاز الكمبيوتر هو الجزء الصعب. فالنار، على سبيل المثال، تترك علامات واضحة: احتراق السقوف مع بقاء الجدران الحاملة في حالة سليمة، فيما تترك الضربات الجوية حفراً كبيرة، ويمكن قياس حجم قذيفة المدفعية، ومن ثم يمكن تحديد الأسلحة التي أطلقت منها، وتظهر الأرض التي هجرها الناس بلون مختلف، ويمكن أن توضح الأشياء المدفونة تحتها.

ولكن ما قد يبدو وكأنه علامات كلاسيكية على وقوع الأضرار يمكن أن يكون مضللاً في ظل ظروف معينة، ويحتاج إلى جهد جهيد لاستبعاد البدائل. كما أن الخلط بين الأحداث نتيجة لعدم وجود قدر كاف من البيانات الخاصة بتسلسل زمني متتابع مشكلة أخرى. وأوضح ليون، الذي عمل مع الأمم المتحدة في مجال الاستشعار عن بُعد في ميانمار وسريلانكا "أنه من الشائع جداً أيضاً أن يركز عقل المرء على نوع معين من الضرر، ويمكن أن تفوته تفاصيل أخرى".

وتعد أجهزة تحديد المواقع الجغرافية (GPS)، وموقع جوجل إيرث، ومشروع الأقمار الصناعية الذي يموله جورج كلوني (SSP)، خطوات مهمة في الثورة الآخذة في التطور في مجال رصد حقوق الإنسان. ويصف البعض الآن كواكب الأقمار الصناعية الصغيرة الجديدة مثل "بلانت لابز" و "سكايبوكس"، التي سوف توفر مراقبة مستمرة في الوقت الحقيقي لكوكب الأرض، كطريقة ليس لتوثيق انتهاك حقوق الإنسان فقط بل لردعها أيضاً.

وتذهب شركة الأقمار الصناعة (SSP) أبعد من مجرد الرصد "التقليدي" للتجاوزات الخاصة بحقوق الإنسان، حيث تعمل على توسيع نطاق تركيزها للتحقيق في كيف، حسب ما جاء في وصف المشروع، "يمول هؤلاء الذين يرتكبون الفظائع الجماعية أنشطتهم وأين يخبئون الأصول المسروقة".

ويعتقد جريج هيتيلمان، مدير الاتصالات في مشروع "إناف"، الذي يعمل كشريك لشركة (SSP)، أن الاستشعار عن بُعد هو من بين مجموعة من الوسائل التكنولوجية التي يمكن استخدامها "للمساعدة في منع الأعمال الوحشية وانتهاكات حقوق الإنسان، ورفع الوعي العالمي، وإخضاع الجناة للمساءلة، وتحقيق العدالة للضحايا".

ولكن ليون أقل تفاؤلاً. إذ يقول: "لا أعتقد أنها تمتلك هذه القدرة السحرية. عندما عرض تنظيم الدولة الإسلامية أحدث مقطع فيديو لقطع رأس أحد الأشخاص، أو عندما تستخدم الحكومة السورية البراميل المتفجرة– وهي بمثابة صور سيلفي لمجرمي الحرب – فالرسالة واضحة. هم لا يعتقدون أنهم سوف يحاسبون".