بدا واضحا حجم القلق الذي أصاب طهران من حراك قمة المنامة الخليجية الفاعل، وتركيزه على ملفات حيوية، إلى جانب اتفاق الشراكة الإيجابية مع بريطانيا، حيث تجسد ذلك في ردة الفعل السريعة والمضطربة الصادرة عبر بيان خاص من الخارجية الإيرانية رداً سريعاً مليئاً بالثقوب والثغرات والسقوط، بعد لحظات من بيان القمة التي اختتمت أعمالها الأربعاء .
تناقضات الطرح
وفي تناقض واضح ومضحك، اتهم بيان الخارجية الإيرانية، الدول العربية “بإثارة التوتر في المنطقة من خلال تقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد السلوك الإيراني في المنطقة”. مشيراً إلى أن بلاده “تحتج على 10 دول عربية وفي مقدمتها الإمارات لتقديمها شكوى إلى مجلس الأمن ضد سياسات إيران في المنطقة” مطالباً دول الخليج العربي “بعدم التدخل في شؤون إيران الداخلية”.
وحول قاسمي إقدام*إيران على التدخل في قضايا الدول العربية، إلى اتهام الدول العربية ذاتها “بإثارة الفتنة الطائفية في إيران” زاعمًا أن سياسة إيران قائمة على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
وفيما يتعلق بالجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران وترفض الاحتكام إلى القانون الدولي، ادعى قاسمي، أن بيان قمة المنامة “تكرار ادعاءات بلا أساس ولا يؤثر على سلامة أراضي إيران”.
ومن خلال هذا التقرير التحليلي، ترصد التدخلات الإيرانية في كل من اليمن وسوريا والعراق ولبنان وباكستان وأفغانستان وأفريقيا.
تدخلات في كل مكان
تدخلات إيران في شؤون الدول، سجلت على مدى السنوات الماضية من خلال اعتراف الملالي أنفسهم، والحملات التي واجهتهم في العديد من البلاد، إلى جانب تقارير المنظمات التي ترصد مثل هذا النشاط عالمياً مثل منظمة أبحاث تسلح النزاعات، التي تتخذ من لندن مقرا لها، حيث أشارت في تقرير لها إلى أن الصومال هو بوابة تهريب السلاح الإيراني إلى اليمن، باستخدام سفن “الداو” الشراعية التقليدية، وهي وسيلة نقل من إنتاج شركة المنصور الإيرانية. وتملك إيران منظومة صواريخ من صنعها أو أجرت تعديلات على نوعية معينة من الصواريخ الأمريكية والروسية والصينية، وتقوم بإعادة تصدير تلك التكنولوجيا والصواريخ لحلفائها في المنطقة مثل نظام الأسد في سوريا والحشد الشعبي في العراق وحزب الله الإرهابي في لبنان وجماعة الحوثي المتمردة في اليمن، عبر عدة غطاءات سياسية ودبلوماسية وحتى إغاثية.
كما تصدر الأسلحة الأخرى والتي تتمثل في مضادات الدبابات والصواريخ الحرارية، وقذائف المدفعية والذخيرة المقاتلة. وكشفت طهران عن أن مصانع أسلحتها، لا تنحصر فقط داخل إيران، فبعد استهداف أحد المصانع في حلب، قال حسين شيخ الإسلام، مستشار وزير الخارجية الإيراني، إن صناعة إيران للصواريخ لا تنحصر في سوريا بل تشمل دولا أخرى. ولم يحدد شيخ الإسلام الدول التي تنتج فيها إيران صواريخ، لكنه أرسل إشارات واضحة إلى أن العراق من بين الدول التي نقلت إليها خطًا لإنتاج الصواريخ الباليستية، وصنعاء، مشددا على أن طهران تعمل وفق شعار آية الله الخميني «طريق القدس يمر عبر كربلاء».
السعودية
تدخل إيران في الشأن الداخلي السعودي، كان في قمته من خلال التصريحات العدوانية التي انطوت على تصعيد واتهامات باطلة على أثر تنفيذ أحكام الإعدام في الإرهابي نمر النمر و46 آخرين، حيث استدعت الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال السعودي في طهران.
وجاءت هذه الخطوة على أثر قيام متظاهرين إيرانيين بإنزال العلم السعودي من على مقر القنصلية السعودية في مدينة مشهد شمال شرقي إيران، وتظاهر آخرين أمام مقر سفارة المملكة في طهران. وتصاعد الأمر عندما قام عشرات المتظاهرين باقتحام مقر السفارة وعبثوا بمحتوياتها ثم أضرموا النار في أجزاء من المبنى.
وكانت إيران أول من صدر عنها رد فعل على إعدام مواطن سعودي، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية حسن أنصاري إن السعودية “ستدفع ثمنا باهظا” على أثر تنفيذ حكم الاعدام في النمر.
وعلى صعيد الاعتداءات من قبل المتمردين الحوثيين على الأراضي السعوية، قال المفكر السياسي الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي إن تغذية الحوثي بالصواريخ الإيرانية عبر الصومال لقصف مدن الجنوب السعودي أصبح أمرا مفضوحًا. وأضاف النفيسي في تغريدات له على صفحته على تويتر إن: “إيران تريد استمرار النزيف اليمني وتحويله إلى حرب منسية”.
البحرين
لم يكن التدخل الإيراني في البحرين وليد اللحظة، بل اتسمت العلاقات البحرينية الإيرانية بالتوتر والجمود في كثير من الأحيان. ففي 3 يونيو 1996 أعلنت الحكومة البحرينية الكشف عن حزب الله البحريني، وهو حركة معارضة شيعية، ويعد أحد فروع حزب الله الإيراني، هذا بالإضافة إلى وجود الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، وهي حركة معارضة شيعية أُسست عام 1976 واتخذت طهران مقراً لها. وعقب الكشف عن حزب الله البحريني ومخططه لقلب نظام الحكم، قررت البحرين سحب سفيرها في طهران وخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران إلى درجة قائم بالأعمال.
وفي أول أكتوبر الماضي، أعلنت البحرين أن قواتها الأمنية اكتشفت مصنعاً ضخماً لتصنيع القنابل به 1.5 طن متفجرات في العاصمة المنامة، وألقت القبض على عدد من المشتبه بأنهم على صلة بالحرس الثوري الإيراني.
نجحت البحرين في إفشال المشروع الإيراني لإشعال الفتنة والتوتر الطائفي، وإظهار المنامة حجم وخطورة التدخلات الإيرانية في الأمن الداخلي للمملكة، حيث تحركت البحرين على صعيد الوقاية من الآفة الإيرانية. وكانت أهم الاستراتيجيات لمواجهة الإرهاب هو “الرقابة على أموال التبرعات أو الهبات التي تندرج تحت الجمعيات سواء الشيعية أو غير الشيعية، لأنها أحد أكبر موارد التمويل للخلايا الإرهابية في البحرين”. ووضع ضوابط للسفر وحماية المنبر الديني من التطرف الديني والسياسي والتحريض.
الكويت
على الرغم من متانة العلاقات الكويتية الإيرانية، فإن إيران لم تتوقف عن التدخل في شؤون الكويت، حيث تعرضت الأراضي الكويتية لاختراق بري إيراني وقصف بالصواريخ إبان الحرب العراقية الإيرانية، وزاد من توتر العلاقة أن اتهمت الكويت الطرف الإيراني بمحاولة اغتيال أمير البلاد جابر الأحمد الصباح، في 25 مايو 1985، بالإضافة لتنفيذ تفجيرات قام بها محسوبون على إيران في الكويت، تزامنا مع إعلان الكويت دعمها للعراق في الحرب ضد إيران.
اليمن
مع بداية عمليات التحالف العربي في اليمن أعلن المتمردون الحوثيون عن تصنيع صواريخ وتعديل أخرى، وحسب تاريخ الجماعة المتمردة فإنه من الصعب الوصول إلى تعديل صواريخ بالستية كما أن القوات الموالية لـلرئيس المعزول بعيدة كلياً عن انتاج أو تطوير هذا النوع من الصواريخ بما فيها (أرض-بحر)، ولم تذكر أي بيانات حول صفقات الأسلحة في عهد نظام علي عبدالله صالح خلال 33 عاماً على أي منها.
وفيما بعد كشف باحثون مهتمون بالأسلحة الإيرانية وتطورها أن معظم الصواريخ التي أعلنت عنها جماعة الحوثي خلال 20 شهراً من الحرب، بكونها صناعات محلية فيما الحقيقة أنها تحمل بصمات إيرانية، وهي تسع منظومات صاروخية.
وأكد على ذلك محققون دوليون، في 30 نوفمبر2015، في تقرير لهم، بوجود خط بحري لتهريب الأسلحة من إيران إلى الحوثيين في اليمن عبر إرسالها أولاً إلى الصومال.
وظلت الحكومة اليمنية الشرعية تحذر من مخاطر التدخلات الايرانية واستمرار التمرد والانقلاب في بلاده وهيمنة المليشيا الانقلابية، على مؤسسات الدولة، خاصة منها المخاطر المتعلقة بأمن الممرات الملاحية الدولية، والأمن والسلم الدوليين في المنطقة.
سوريا والعراق
تدخل طهران في الشأن السوري والعراقي ، لا يحتاج إلى أي برهان أو دليل إثبات فقد جاء من أعلى سلطة دينية، حينما أكد علي خامنئي في رده على منتقدي الاستراتيجية الإيرانية في سورية، بتمسكه بضرورة “قمع العدو عند حدوده” بما فيها في حلب على حد تعبيره. ونقلت وكالة “فارس” للأنباء التابعة لقوات الحرس الإيراني عن خامنئي قوله خلال استقباله عدداً من ذوي العسكريين الإيرانيين الذين قتلوا في سورية: “من يفتقر للبصيرة يسأل أين إيران من سورية وحلب؟ وهذا التساؤل يعود إلى غياب البصيرة. ينبغي ألا ننتظر حتى يأتي العدو إلى داخل بيتنا لنفكر بالدفاع عن حياضنا. بل يتعين قمع العدو عند حدوده» حسب قوله.
وأكد أن: “الشباب الذين توجهوا إلى سورية والعراق يحملون هذه البصيرة، فيما هناك البعض اليوم يجلسون هنا في البيت ولا يفهمون ما هي القضية”.
واعترف الملا سيد محمد علي شهيدي محلاتي ممثل خامنئي في مؤسسة الشهيد وشؤون المضحين، بأن عدد القتلى في حرب سوريا تجاوز ألف شخص. وقال في ندوة بمناسبة أسبوع البسيج “عدد *الشهداء المدافعين عن الحرم من إيران تجاوز 1000 شهيد ونحن مدينون لهم”. وفقا لوكالة أنباء تسنيم. إلا أن تقارير محايدة من داخل إيران أكدت أن عدد قتلى قوات الحرس وعملائها من اللبنانيين والأفغان والباكستانيين والعراقيين المؤتمرين بإمرتهم يتجاوز 10 آلاف شخص.
إلى ذلك، كشف المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، أن المقر الرئيسي لقيادة واستقرار قوات الحرس الثوري الإيراني في حلب يقع على بعد 30 كيلومتراً جنوب شرقي وخمسة كيلومترات من مدينة السفيرة في معسكر باسم “البحوث” حيث يسميه النظام الإيراني بدجل معسكر السيدة رقية، ويشرف عليه العميد في الحرس سيد جواد غفاري قائد قوات الحرس الإيراني في حلب.
لبنان
التدخل الإيراني في الشؤون اللبنانية ليس حديث عهد، إنما يعود إلى عقود من الزمن وقد ظهر بشكل جلي بعد انسحاب الجيش السوري عن الأراضي اللبنانية عام 2005. أصبح هذا التدخل ينسحب على جميع أوجه الحياة السياسية في لبنان والتي تنعكس تداعياتها بشكل غير مباشر على الجوانب الاقتصادية والأمنية والاجتماعية.
وتُعَد إيران راعيًا أساسيًّا لحزب الله في لبنان وهي التي تحركه بفعل الأجندة التي وضعتها للبنان شأنها شأن معظم الدول العربية التي ترصد فيها أذرع عسكرية بدءًا من سوريا وصولًا إلى اليمن فالبحرين فالعراق. وأول مفاعيله هو تعطيله الرئاسات الثلاث في لبنان باستخدام حزب الله. التشريع بات معطلًا في لبنان بفعل الدور الذي يمارسه “حزب الله” من خلال التوجيه الإيراني له، وامتناع ممثلي التنظيم عن المشاركة في الجلسات التي يدعو إليها مجلس النواب وتحديدًا التي تتعلق بالانتخابات الرئاسية.
المغرب
سعت إيران، منذ عقد من الزمان لمحاصرة المغرب والتدخل في شؤونه الداخلية بعد تواجدها بقوة وقتها في تونس والجزائر. لكن الرباط شعرت بالمخططات الإيرانية وقررت في 25 فبراير 2009 قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران وطرد السفير الإيراني على خلفية تصريحات رسمية إيرانية ومعاملة “غير ودية” مع البعثة الدبلوماسية المغربية في طهران، بسبب دعم ومساندة المغرب للبحرين خلال التوتر بين المنامة وطهران حينها. وفي عام 2015م استدعت الخارجية المغربية القائم بأعمال السفارة الإيرانية، احتجاجًا على ما ورد في تقرير إعلامي لمؤسسة إيرانية تصف فيه المغرب بـ”الصهيونية” على خلفية مشاركته ضمن دول التحالف العربي، وهو ما أغضب الرباط وأعاد استئناف العلاقات المغربية الإيرانية إلى نقطة الصفر مرة أخرى.
*باكستان وأفغانستان
أعلنت كابول، مؤخراً، مقتل أكثر من 1000 شخص من الميليشيات الأفغانية الداعمة للنظام السوري، والمنضوية تحت صفوف الحرس الثوري الإيراني، في جبهات القتال هناك. وذكر تقرير للتلفزيون الحكومي الأفغاني (RTE)، أن أكثر من ألف عنصر من الميليشيات الشيعية الأفغانية التي أرسلتها إيران إلى سوريا، قتلوا خلال الاشتباكات الدائرة في الفترة الأخيرة، دون تحديد مدة بعينها. ولفت التقرير إلى أن إيران ترسل اللاجئين الأفغان الذين تستضيفهم على أرضها، إلى سوريا مقابل مبالغ مدفوعة لهم، ووعود بمنحهم “تصاريح الإقامة”.
وترسل إيران عددا كبيرا من ميليشيات أفغانية وباكستانية منضوية تحت صفوف الحرس الثوري، إلى جبهات القتال في سوريا لمساندة قوات الأسد. ومن أبرز الميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب النظام السوري، كتيبة “الفاطميون” الأفغانية، وكتيبة “الزينبيون” الباكستانية.
وأكد أعضاء في مجلس الشيوخ الأفغاني وجود وثائق تثبت تلقي حركة طالبان في أفغانستان الدعم من إيران. كما يستقر بعض عناصر هذا التنظيم في مدن مشهد ويزد وكرمان في إيران ويترددون بين البلدين، حسب سكان الحدود المحليين الأفغان.
أفريقيا
يدل النشاط الدبلوماسي غير الطبيعي في إفريقيا على أولوية في الأجندة الإيرانية، وانتشارها في القارة السمراء، فهي الدولة الوحيدة التي تمتلك سفارات في أكثر من 30 دولة. وامتد التدخل الإيراني في أفريقيا من سواحل البحر الأحمر وشمل الصومال وإريتريا والسودان حتى نيجيريا، فقد كشف تقرير منظمة أبحاث تسلح النزاعات، أن الصومال هو بوابة لتهريب السلاح الإيراني إلى دول المنطقة خاصة اليمن. وفي إريتريا اشتكى وزير خارجيتها عثمان أحمد صالح في حديث لـ”الشرق الأوسط” الشهر الماضي، من تدخل إيران في بلاده، وطالب النظام الإيراني بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للإقليم العربي والأفريقي.
أما في السودان، فقد سعت إيران إلى نشر المذهب الشيعي، تحت ستار منظمات إنسانية وبدأ المذهب الشيعي بالانتشار شيئا فشيئا وسط السودانيين، وافتتحت حسينيات في الخرطوم وسط تكتم وسرية كبيرين، حيث أعرب كثير من السودانيين عن عدم رضاهم على أداء الحكومة، معتبرين أنها تسمح لإيران بنشر التشيع. وكذلك لا يخفون توجسهم من مستقبل مظلم إذا ما أضاف المد الشيعي صراعا جديدا في البلاد لينضم إلى قائمة الصراعات الطويلة التي تمزقها. غير أن الخرطوم شعرت بالخطر وقامت بطرد كل الجمعيات الايرانية ومنعت أنشطتها، كما قررت إغلاق السفارة وإبعاد كل طواقمها الدبلوماسية.