منذ نشأتها على يد الملك عبد العزيز المؤسس – رحمه الله – مرورا بكوكبة من الملوك العظام، وصولا إلى خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله -، لم تتوانَ بلاد الحرمين – قيادة وشعبا – عن بذل الغالي والنفيس، من أجل خدمة ضيوف الرحمن، والعمل على توفير أقصى سبل الراحة، لتيسير أداء شعيرة الحج والعمرة على الحجيج، من مشارق الأرض ومغاربها.
ولاشك أن التطورات العظيمة، التي واكبت الوزارات والإدارات الحكومية، قد واكبها أيضا تطور العمل الخدمي المقدم للحجاج، حيث تعلن المملكة حالة الطوارئ القصوى مع كل عام، استعدادا لهذا المؤتمر العالمي، الذي يجتمع فيه الملايين من مختلف بقاع الأرض، ينادون ربا واحدا، ويبتغون هدفا واحدا، بنداء واحد، لبيك اللهم لبيك..لبيك لا شريك لك لبيك.
وقد حمل ملوك بلاد الحرمين على عاتقهم، منذ عهد الملك المؤسس وحتى الآن، مهمة خدمة الحجيج ورعايتهم، وتوفير سبل الراحة والأمان لهم، حتى يؤدوا شعيرتهم على أكمل وجه، وهو ما تجسد في كلمة الملك خالد* - رحمه الله – حين وقف مخاطبا الحجيج ذات يوم، ومن بعده إخوانه بنو عمومته : "إننا في هذا البلد المقدس، الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا، يعبدونه لا يشركون به شيئا، نحس بفرحة غامرة ونحن نفتح قلوبنا لاستقبال ضيوف الرحمن، في الوقت الذي نشعر أنَّ من أولى الواجبات علينا، أن نكرس الجهد وأن نوفر الإمكانيات، في سبيل أن تتمكنوا من أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، في راحة ويسر وسهولة....
ولأن*شرف الله المملكة العربية السعودية أن تكون خادمة للحرمين الشريفين، فإنها تدرك في نفس الوقت، أن هذا الشرف العظيم يتطلب منها العمل بكل ما أوتيت من قوة، لتوفير المزيد من نعم الأمن والرخاء والاستقرار لضيوف الرحمن، حتى يستطيعوا أداء فريضة الحج، في جو من الطمأنينة والراحة، اللتين تحرص عليهما منذ أن أنعم الله على جلالة المغفور له الملك عبد العزيز - يرحمه الله - مؤسس هذه المملكة، بجمع شملها وتوحيد كلمتها، ونشر الأمن في ربوعها، على أساس من تحكيم كتاب الله الكريم والتمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم" ..هذه العبارات التي تجسد مدى الاهتمام، وحجم الرعاية التي ينالها الحجاج من المملكة، وقد تُرجم هذا الاهتمام وتلك الرعاية إلى واقع ملموس، في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله - .
القطاعات المعنية بخدمة الحجيج
هناك الكثير من قطاعات الدولة المعنية برعاية الحجاج والعناية بهم، وهي ما يلي: أولا:* وزارة الداخلية: وهي تحمل الجانب الأكبر من أعباء رعاية وخدمة حجاج بيت الله الحرام، منذ وصو لهم إلى المملكة العربية السعودية، وخلال وجودهم في أراضيها، وحتى مغادرتهم البلاد بعد أدائهم لمناسك الحج، فوزارة الداخلية على رأس الجهات المسؤولة عن استقبال ضيوف الرحمن، وإجراء معاملات دخولهم إلى منافذ المملكة الجوية والبحرية والبرية، والإشراف على تحركهم نحو الأراضي المقدسة، والسهر على راحتهم وأمنهم، وتنظيم حركة المرور، والحفاظ على سلامة الحجاج وممتلكاتهم، ومتابعة أمورهم.
ثانيا: وزارة الدفاع والطيران، والحرس الوطني بالعديد من الجهود التعاونية مع وزارة الداخلية في حفظ النظام، وتنظيم حركة السير، وإرشاد التائهين مع الهلال الأحمر، والكشافة، والجهات الأخرى ذات العلاقة.
ثالثا: وزارة الصحة والتي تعد من أبرز الجهات الرسمية، التي لها نشاط متواصل خلال موسم الحج، سواء من حيث الإشراف الشامل على الحالة الصحية للحجيج، أو من حيث تقديم مختلف أنواع الرعاية الصحية لهم، أو من حيث مراقبة الأمراض المعدية والسارية ومكافحتها على الفور، ضمانا للحفاظ على الصحة العامة في هذا الملتقى الإسلامي، منذ لحظة دخول الحجاج إلى أراضي المملكة، وحتى مغادرتهم لها.
رابعا: هناك وزارات وإدارات أخرى توفر الخدمات الأساسية، وتقوم بعملية المراقبة في المشاعر المقدسة أثناء الحج كتوفير المياه، والكهرباء، والاتصالات الهاتفية، ومراقبة ما يعرض للبيع من حيث الجودة، والصلاحية، وضبط الأسعار.
وكل ما سبق، يعتبر جهودا مساندة لجهود الجهة المعنية بشؤون الحج في وزارة الحج والأوقاف والدعوة والإرشاد، التي فصلت فيما بعد إلى وزارتين هما: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ووزارة الحج التي تخصصت في خدمة الحجاج.
هذه العناية والرعاية، التي توليها المملكة للحجاج كل عام، هي رعاية وعناية تدخل في باب الدعوة إلى الله من جوانب كثيرة، فبالإضافة إلى تسهيل مهمة الدعاة إلى الله تعالى في هذه المناسبة الإسلامية، فإن الحاج لن يُغفل الجهود التي نقدَّم له والرعاية التي يحظى بها، من المملكة العربية السعودية وشعبها المسلم، لتكون هذه الرعاية والعناية وهذه الجهود، هي المفتاح الذي تدخل من خلاله هذه البلاد وشعبها إلى قلوب المسلمين، وتنال مكانتها اللائقة بها، وهي مكانة القلب من الجسد.
النشاط الدعوي في الحج
يعضد الجهود التي تقدمها المملكة للحجاج، نشاط دعوي كبير، تقوم به في موسم الحج، فإضافة إلى نشاط الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ونشاط العلماء الذين يتواجدون في هذا الموسم الكبير، هناك نشاط دعوي رسمي مثل: نشاط الأمانة العامة لهيئة التوعية الإسلامية في الحج، وقد بدأت تلك الأمانة نشاطها في عام 1392هـ برسم خطط التوعية، والإشراف على تنفيذها خلال موسم حج كل عام.
وتقوم هذه الهيئة بمهمة وضع وتنفيذ تلك الخطط، التي تهدف إلى توعية حجاج بيت الله الحرام، وإرشادهم إلى اتباع الطرق الصحيحة في أداء مناسك حجهم، وحثهم على التمسك بما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن مهام هذه الهيئة: إرشاد الحجاج إلى ما يصحح حجهم، والتنبيه على ما قد يقع فيه الحجاج من أخطاء، وذلك عن طريق المحاضرات، والندوات، والمواعظ، والخطب التي تلقى في المساجد، وفي أماكن تجمع الحجاج وسكنهم، ومقرات مؤسسات الطوافة المختلفة، والنشرات الإرشادية التي تطبع بلغات مختلفة، والبرامج التليفزيونية والإذاعية، وأشرطة التسجيل الصوتي، والصفحات الكاملة في الصحف اليومية، وغير ذلك من النشاطات.
وتختار أمانة الهيئة العامة للتوعية الإسلامية في الحج كل عام، كثيرا من الدعاة ترشحهم الجامعات وبعض الجهات الحكومية، إضافة إلى اختيار دعاة من خارج المملكة، مع اختيار مترجمين يجيدون اللغات غير العربية، وذلك للقيام بالتوعية في الحج في المشاعر، ومراكز مداخل المملكة البرية والبحرية والجوية، ومراكز المواقيت وغيرها من أماكن الحجاج.
وتقوم الهيئة بالتعاون مع وزارة الخارجية، بإيصال كميات كبيرة من كتاب (دليل الحاج) باللغة العربية وبلغات أخرى، وكتاب (التحقيق والإيضاح في مسائل الحج والعمرة) إلى كثير من الدول ومراكز الدعوة، داخل المملكة وخارجها، عدا ما يوزع من الكتابين، في مراكز التوعية والمساجد ومؤسسات الطوافة وغيرها.
وتقيم الهيئة مراكز لها في منى، للتوعية والتوجيه والإرشاد والفتوى، إضافة إلى مراكز متنقلة عبر سيارات مجهزة بمكبرات الصوت، مع فرق الدعاة والمترجمين للاجتماع بالحجاج في مختلف المشاعر والأماكن، للإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم وهم في أماكن إقامتهم، هذا إضافة إلى لجان التوعية في مراكز منى، للإجابة عن الأسئلة والاستفسارات عبر الهاتف، توفيرا على الحجاج من مشقة الوصول إلى العلماء والدعاة.
ولقد برزت جهود الأمانة العامة لهيئة التوعية الإسلامية في الحج، في عهد الملك خالد بعد أن تولى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عام 1395هـ، مما ساعد في تنظيم أعمال الدعوة الإسلامية في الحج، ودعمها بالمزيد من العلماء والدعاة وزاد من نشاطاتهم، وبالتالي انحسار الكثير من الأخطاء التي كانت توجد في موسم الحج، بفضل الله جل وعلا ثم بفضل التوعية المكثفة.
وتعد المملكة العربية السعودية موسم الحج من الوسائل الدعوية المهمة، بحيث تجعله كل عام مناسبة تتكاتف خلالها كل وسائل الدعوة، لخدمة ضيوف الرحمن، فتكثف البرامج الدينية، وبرامج التوعية في الحج، مع البرامج المعدة للتواصل بالحجاج والتشاور معهم.
يد واحدة ضد المتآمرين
هذا بالإضافة إلى المشروعات العملاقة، التي قامت بها المملكة – ولا تزال – لتوسعة بيت الله الحرام، وتوفير سبل راحة الحجيج، لاستيعاب المزيد من الأعداد، بما يسمح لبلاد الحرمين عدم غلق أبوابها أمام كل من أراد الحج أو العمرة، وهو ما يفند كل الاتهامات التي تسعى للتقليل من هذه الجهود العظيمة، والتي لا تخرج عن كونها مساعي لبث الفتنة، بين المملكة والدول الإسلامية الشقيقة، في محاولة لتحقيق مآرب استعمارية شيطانية صفوية، وهو ما اعتبره زعماء الدول العربية والإسلامية وعلماؤها مخططا خبيثا، يتطلب توحيد الرؤى والوقوف على قلب رجل واحد في مواجهته، والذود عن بلاد الحرمين الشريفين، ودعمها في دحضها لمثل هذه المخططات الخبيثة، التي تطفو على السطح بين الحين والآخر.