المصدر -
*نورة الشهري ـ الرياض
في دراسة للبرفسور*عبدالله بن محمد العمري*رئيس الجمعية السعودية لعلوم الأرض ( جامعة الملك سعود )**قال :***إن الزلازل وما ينجم عنها من إزهاق للأرواح وهدم لمقومات الحياة بصورة آنية - قد لا تتجاوز *ثوانٍ معدودة - لاسيما في المجتمعات المعاصرة التي تداخلت فيها مقومات الحياة بصورة معقدة، أدى إلى تطوير العديد من الحلول الهندسية لتقليل الآثار التي قد تسببها هذه الهزات الأرضية. ومع أن أي حل هندسي للتقليل من آثار الزلازل يعتمد على: (1) إمكانية تحديد وقت وقوع *الزلزال؛ (2) تصميم المنشآت وتنفيذها بدون إغفال القوى الناجمة عن الهزات الأرضية، فان خيار التصميم الهندسي المناسب لمقاومة الزلازل يبقى هو الحل الوحيد ويتمثل في اعتماد مواصفات البناء الهندسي الذي يحقق شرطين أساسيين هما:
(1) تفادي انهيار المباني حتى عند وقوع زلزال شديد وبالتالي *تفادي وقوع نسبة عالية من الوفيات؛ (2) القبول بمبدأ السماح بالأضرار الإنشائية التي يمكن إصلاحها بتكلفة تقل بكثير عن التكلفة اللازمة للبناء الإنشائي الذي لا يسمح بأي ضرر عند وقوع زلزال شديد.
يعتمد تأثير الزلازل على المنشآت المرتفعة على مستوى النشاط وقوته، فالموجات الاهتزازية خلال سريانها من مصدرها في قاع البحر تتعرض لعدد من العوامل التي تعمل على اضمحلالها، مثل بعدها عن الساحل، وتأثير مياه البحر عليها، ووجود رواسب ملحية على امتداد المناطق الساحلية تعمل على امتصاص الموجات الاهتزازية. فتصل ضعيفة لا يحس بها الإنسان، ومع ذلك فقد تشكل هذه الموجات خطراً لو أن الهزات كانت قوية أو تسببت في انزلاق على أحد الصدوع المستعرضة التي تنتشر في البحر الاحمر باتجاه شمال شرق ـ جنوب غرب.
تشكل طبيعة الموقع أهمية كبرى في تحديد مدى استجابته للزلازل، ولا شك أن هناك العديد من الدراسات الجيوتقنية للتعرف على خصائص الموقع، من حيث الخصائص الصخرية، وخصائص التربة، وتحديد منسوب المياه الجوفية، ومدى إمكانية تعرض الموقع للتميع في حال حصول زلزال ما، تعد هذه الدراسات من أهم العوامل التي تساهم في التقليل من الخسائر التي يمكن أن تحدث في حال وقوع زلزال
وتشير التقارير الدولية إلى أن هناك دول تتعرض لزلازل بقوة تقارب السبع درجات بمقياس “ريختر” إلا أنها لم تتأثر كثيراً، وذلك بفضل التدابير التي اتخذتها هذه الدول في طراز البناء المقاوم للزلازل وتوعية شعوبها بالطرق المثلى التي يجب اتخاذها في حال وقوع الزلزال.
إن الإحساس بالزلازل في مدن المنطقة الشرقية قد يرجع إلى أن المسار الموجي للحركة الأرضية للزلازل التي تقع في منطقة الخليج العربي تتميز بأنها ذات فترة دورية طويلة .. والدراسات الحديثة التي أُجريت على المنطقة الشرقية دلت على أن سُـمك القشرة يصل إلى 48 كم ويصل عُمق صخور القاعدة *8.5 كم. بالرغم من أن مستوى النشاط الزلزالي منخفض في المنطقة الشرقية إلا أن قربها من المناطق النشطة زلزاليا في جبال زاجروس بإيران يستوجب أخذها بالاعتبار هندسيا. إن هذا يتطلب دراسة الخواص الديناميكية للتربة ومعرفة معدلات تعتيم الحركة الأرضية وتأثير الموقع والمعاملات الزلزالية والهندسية الأخرى للمنطقة لاستنتاج خرائط التمنطق الزلزالي الدقيقMicrozonation .
ونظرا لأن مدن جدة والدمام والخبر تمتد على الساحل الشرقي للبحر الأحمر والخليج العربي فإنها تتعرض دائما في المستقبل لمثل هذه الهزات وربما أشد منها والتي لا تمثل خطرا كبيرا إذا تم التأكد من تصميم وتنفيذ الأبراج العالية والمباني بصفة عامة بناء على المواصفات القياسية الهندسية الصحيحة. يتم تصميم الأبراج بصفة خاصة لتحمل الزلازل والرياح الشديدة وضغط المياه الأرضية من خلال برامج هندسية وتحليلية وحسابية معقدة وعبر معامل متخصصة في تمثيل تأثير الزلازل والرياح والمياه الأرضية على نماذج ومجسمات للأبراج للتأكد من مدى مقاومتها وصلاحيتها للمؤثرات الطبيعية المختلفة. كما أن تمايل الأبراج أثناء الهزات الأرضية أمر طبيعي ومحسوب هندسيا لامتصاص الصدمات حيث يتم وضع التصميم الإنشائي للأبراج لتكون مرنة لتسمح بالانحناء والتمايل أثناء الهزات الأرضية والرياح الشديدة. ينبغي تدريب جميع المستخدمين للأبراج بصفة دورية على عمليات الإخلاء الوهمية للتعرف على أقرب وأفضل طرق الهروب والتأكد من صلاحيتها وخلوها من العوائق. ويجب الاهتمام بوضع البرامج التوعوية والعلامات الإرشادية الظاهرة والمناسبة لتعريف قاطني الأبراج بطرق الهروب والتعامل مع المخاطر بمختلف أنواعها.
ويعتقد البعض أن مخاطر الزلازل تقتصر فقط على الأبراج المرتفعة التي ربما يشعر قاطنوها بدرجة أكبر بتأثير الزلازل ولكن تأثير الزلازل يمتد إلى المباني المنخفضة وقد يكون أخطر على المباني المنخفضة وخاصة القديمة أو سيئة التنفيذ والتي تم تصميمها قديما بدون مراعاة لكودات الزلازل والرياح، حيث يمكن أن تشكل أيضا خطرا على قاطنيها ومستعمليها. وأضاف: لذلك ينبغي العمل على عمل المراجعات الهندسية المعمارية والإنشائية والصحية والسلامة الدورية للمنشآت وإصدار شهادة صلاحية استخدام دورية كل 10 سنوات - مثل تراخيص السيارات - للتأكد من مدى سلامة المباني للاستعمال الآدمي والحماية من مخاطرها وأضرارها.
لقد أثبتت التجارب أن المنشآت المصممة والمنفذة بالشكل الصحيح قادرة على مقاومة الزلازل العنيفة دون انهيار.كما أكدت الدراسات التي أجريت حول أداء المنشأ أثناء وقوع الزلازل أن الجمل الانشائية التي تمتلك قدرة كافية على مقاومة القوى الجانبية يجب أن يكون لها أيضا مطاوعة كافية - أي قدرة المحافظة على سلامتها عند زيادة الاجهادات- من أجل حماية السكان.
إن تأثير الزلازل على أي منشأ خرساني يتلخص في أنها تؤثر على هذا المنشأ بقوى أفقية متغيرة القيمة تبعا لموقع المنشأ وقربه أو بعده من المناطق الساحلية أو من مراكز وبؤر مناطق الزلازل الرئيسية. وهذه القوى الأفقية تتعارض في مفهومها عن إتزان المنشأ عن نظيراتها من القوى الرأسية التي اعتاد المهندسين تصميم المنشأ على أساس مفعولها فقط وإهمال القوى الأفقية والتصميم على أساس هذه القوى. وقد تحدث الانهيارات المفاجئة نتيجة عدم الدراسة الوافية للتربة ونتيجة جهل المصمم لما تحت الأرض.فهناك وسائل مختصة بدراسة تربة الموقع قبل التنفيذ وتحديد مقاومة التربة. تتوقف مقاومة المنشآت على حساب القوى المؤثرة فيها، وبالتالي .يجب أن يكون المهندس واعياً لمشكلات المنطقة من جميع النواحي.. نوع التربة والتضاريس.. المناخ.. الزلازل ومتوسط تواجدها ومعدلاتها... الخ. وأن أفضل التصميمات للأبراج العالية هي التي تعطى للبرج وزن أقل ومتانة ومرونة في آن واحد لأن المرونة مطلوبة ربما أعلى البرج يهتز أو ربما لعدة أمتار مقارنة بالطابق الأول.
ومن هنا يجب أن يكون شكل المنشأ في المسقط الأفقي متماثل ويجب أن يتفادى الأشكال الزاوية وفي حالة وجود مبنى بشكل غير منتظم فيجب تقسيم المبنى بعمل فواصل زلزالية، فقد تم منع - بعد الزلازل المتكررة - استخدام قطع الاراضي المثلثة أو متوازية الاضلاع وذلك لما تشكله من فرصة لتمركز إجهادات الزلازل في الأجزاء الضعيفة منها وكذلك لتولد إجهادات عزوم التواء شديدة بها نتيجة الزلزال.
وقد أكدت الدراسات أن المباني الهيكلية - هي أحد أنواع المباني الخرسانية – التي تتكون من أعمدة خرسانية تحمل فوقها كمرات خرسانية تتحمل أوزان الاسقف الخرسانية، تتمتع بمقاومة جيدة للزلزال إذا تم تصميمها وتنفيذها بدقة وهذه المباني تنقسم إلى الأقسام التالية:
• مباني ذات ارتفاعات قصيرة:لا يزيد عدد أدوارها عن ستة أو سبعة طوابق.
• مباني ذات إرتفعات متوسطة:لا يزيد عدد أدوارها 14إلى15 طابقا.
• مباني ذات إرتفعات عالية:لا يزيد عدد أدوارها عن 30 طابقا.
من المتعارف عليه أن معظم الأضرار الأولية خلال حدوث الزلزال بسبب الحركة الأرضية ويعبر عن هذه الحركة بالتسارع الأرضي الأقصى . يعتمد مستوى الحركة الأرضية لموقع ما على بعده من مركز الزلزال السطحي، حيث تزداد الشدة كلما اقتربنا من المركز وتقل كلما ابتعدنا. الحركات الأرضية القوية يمكن أن ينجم عنها أيضا مخاطر ثانوية مثل تضخيم الحركة الأرضية وتميع التربة أو انزلاق أرضي.
هناك ثلاثة شروط يجب توفرها لتحديد إمكانية حدوث الكارثة الزلزالية. الشرط الأول هو كمية القدر الزلزالي حيث أن الأحداث الزلزالية الصغيرة لا ينتج عنها هزات أرضية عنيفة بصورة كاملة وحادة لكي تتسبب في الدمار الشامل. الشرط الثاني هو قرب المصدر الزلزالي. الشرط الثالث هو أن الحدث الزلزالي يعتمد على درجة الاستعداد للكارثة. لا تعتمد خطورة الزلزال على مدى زلزالية المنطقة أو الإقليم فحسب ولكن أيضًا على الكثافة السكانية والنمو الاقتصادي. بالرغم من أن الزلزالية تظل ثابتة، فإن الكثافة السكانية والنمو الاقتصادي يزداد بشكل سريع. ومن أهم العناصر الضرورية للتهيؤ للكوارث هو قابلية التأثير Vulnerability أي تخفيف.
وفي المملكة العربية السعودية فقد تم تنفيذ خرائط التقسيم الزلزالي والتي وأدرجت ضمن كود البناء السعودي، حيث تم عمل هذه الخرائط على أحدث طريقة مستخدمة ومعتمدة في برنامج تخطيط الزلازل الأمريكي. إن الأبراج الشاهقة في المملكة أو ناطحات السحاب تحكمها قوى الرياح، أو مشاكل في التربة ليس لها علاقة بالزلازل، فالأبراج الشاهقة تجبر المهندس أن يأخذ في اعتباره الأحمال المتعددة وهي الحمل الذاتي للمبنى والحمل السكاني أو ما يسمى (الحمل الحي) وحمل الرياح وأحمال أخرى من ضغط مياه، وأحمال الزلازل كلها توضع ضمن برنامج محدد، ومن ثم يرى المهندس المصمم أيهما يؤثر أكثر ويصمم البرج وفقا لذلك.
فما حدث بالزلزال الذي حدث بالقاهرة عام 1992، ولم يؤثر على الأبراج الشاهقة المشيدة على جانبي النيل، ويرجع هذا لأن تصميمها للرياح كان تصميماً جيداً مما ساعدها في مقاومة الزلزال، كما أن التسليح وحركة الرياح وإيجاد نظام يتحمل القوى الجانبية يساعد في مقاومة الزلازل، فالزلازل قوى جانبية والرياح قوى جانبية، وهناك اختلاف في ميكانيكية التأثير ولكنها تدخل تحت تأثير القوى الجانبية.
ومن المتوقع أن تكون هناك مشاكل في التربة تسبب تضخيم القوى الزلزالية حتى لو كانت التربة قوية، والسجل التاريخي يؤكد أن معظم المناطق الساحلية على البحر الأحمر عرضة للزلازل. كما يجب أن تراعي المشاريع الكبيرة أو المباني العالية بمدينة جدة، خرائط التأثير الموقعي للزلازل، أو"التقسيم الزلزالي الدقيق" الذي يدرس تأثير التربة على المبنى بسبب الزلازل، وهل يحدث تميع أو يحدث انهيارات أو تضخيم للتربة، وتعد هذه الأشياء في الدول المتقدمة المفتاح الرئيسي لما يسمى التخطيط الرئيسي.