بقلم :* *صبياء عبد الله العمري:
إن الأحداث المتلاحقة التي شهدها العقد الأخير من القرن العشرين الميلادي, أحدثت تغييرات كثيرة في النظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتركت بصماتها قسرًا أو اختيارًا على كثير من النظم التعليميّة في المجتمعات المختلفة، وجعلت التغيير للارتقاء بالتعليم أمرًا ضروريًّا للبقاء، ومن يرفض التغيير أو يعيقه يحكم على نفسه بالفناء، حيث يُعد ميدان التعليم أحد أهم ميادين تنمية المجتمعات والارتقاء بها، وركنًا أساسيًا تقوم عليه نهضة الأمم* في مختلف المجالات, وخاصة أننا نعيش في عالم سريع التغير في كافة المؤسسات بصفة عامة والتعليم بصفة خاصة، مما يفرض على المسؤولين عن التعليم ضرورة إعادة النظر في أهدافه وأساليبه ووسائله حتى يمكن مواكبة تلك التغيرات والتحديات التي تواجهه والتكيف معها. لقد أصبح مجال الجودة والاعتماد في التعليم من القضايا الرئيسة على المستوى العالمي، فعن طريقها يمكن تحقيق تطوير وإصلاح نوعي فريد في النظام التعليمي بجميع عناصره ومستوياته. والاعتماد أن تحصل المؤسسة على الاعتراف اللازم لبرامجها من المجالس والمنظمات والهيئات المحلية والدولية التي تعنى بوضع معايير ينبغي على مؤسسة التعليم أن تحققها من أجل اعتمادها، إذ إن الاعتماد عملية تسعى إلى تعزيز جودة التعليم في المدارس وتحقيقها للتميز. ولقد بدأ مدخل معايير الاعتماد (Accreditation Standards) يدخل الساحة التربوية عالميًا وعربيًا في سياق العولمة وفي إطار انتشار التنافس المعياري العالمي. وتُعد الولايات المتحدة الأمريكية من أوائل الدول التي ظهرت فيها حركة الاعتماد؛ حيث كانت بمثابة قوة دافعة جديدة نحو إصلاح واقع المدرسة من حيث المعلم والمادة الدراسية والإدارة المدرسية، حيث يتم نظام الاعتماد المدرسي في المدارس الأمريكية من خلال هيئات غير حكومية تقوم بالتقييم في ضوء معايير محدده تمنح من خلالها الاعتماد المدرسي. والجدير بالذكر أن فكرة الاعتماد المدرسي قد تبلورت من تعاون تطوعي غير حكومي مشترك بين الجامعات* والمدارس الثانوية بالولايات المتحدة الأمريكية إلى تحسين الوضع التربوي, ومناقشة القضايا التربوية المهمة للطرفين, حيث بدأ التعاون بينها في عام 1871م بمبادرة من مجموعة من أعضاء هيئة التدريس بجامعة ميتشغان* University of Michigan لزيارة المدارس الثانوية بالولاية, للتأكد من أن أداءها على قدر من الكفاءة والتميز, الذي يسمح بقبول خريجيها في الجامعات دون الخضوع لاختبارات القبول. ثم قام المسؤولون عن المؤسسات التعليمية الثانوية في ولاية نيو إنجلاند* وأقاليم أخرى بالشروع* في* تنظيم هيئات إقليمية للاعتماد, وذلك بهدف التغلب على مشكلات معايير القبول, وظهرت بعد ذلك أول مؤسسة في مجال الاعتماد عام 1885م عرفت باسم New England Association of Colleges and Secondary School (NEASC). وبذلك انبثقت فكرة الاعتماد من تعاون تطوعي مشترك بين الجامعات والمؤسسات التعليمية، بهدف تحسين الوضع التربوي ومناقشة بعض القضايا المهمة، وكان نتيجة هذا التعاون تطوره إلى إنشاء جمعيات إقليمية للاعتماد تشترك فيه أكثر من ولاية، فتأسست أول جمعية بولايات الوسط الأمريكي عام 1887م، ثم زاد العدد فيما بعد، وكان تركيزها على تقويم واعتماد برامج المؤسسات التعليمية الثانوية. ثم تحول الاعتماد من بداية عام 1913م إلى تقويم واعتماد برامج مؤسسات التعليم العالي، ووضع المعايير التي تستخدم في الحكم على كفاءة برامجها الأكاديمية, وفي العقد الأخير من القرن العشرين بدأ عدد من دول أوروبا الغربية في إدخال نظام الاعتماد؛ رغبة في إيجاد درجة من التوافق بين النظم التعليميّة المختلفة، وذلك بعد إعلان بولونيا عام 1999م. ومن خلال تتبع الأدبيات المتعلقة بتطور نشأة عملية الاعتماد, يتضح أن الاعتماد كان في بداياته عملية اعتراف رسمي بالمؤسسات وبرامجها الأكاديمية, ولم يكن نظامًا لضبط الجودة لبرامجها؛ ونتيجة لذلك فقد تغير دور الاعتماد من أداة للتحكم والسيطرة, ومطالبة المؤسسات التعليميّة بالإذعان لقرار السلطة إلى أداة للتطوير والتحسين المستمر لهذه المؤسسات والبرامج التعليميّة؛ كما أن الاعتماد نشأ في أحضان التعليم العام* قبل التعليم العالي، ويؤكد ذلك ما ورد في الأدبيات السابقة من تاريخ النشأة, حيث تم تطوير الاعتماد لحاجة مؤسسات التعليم الثانوي إلى التحسين والتنسيق والربط بينها وبين التعليم الجامعي. وعلى الصعيد المحلي تبذل المملكة العربية السعودية جهودًا كبيرة لتطوير قطاع التعليم العام والتعليم العالي وتدريب القوى العاملة، كما تمثلت هذه الجهود في إنشاء هيئة وطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي للتعليم العالي وتحديد مجموعة من المعايير ممثلة في أحد عشر معيارًا للتقويم وقياس جودة التعليم العالي والارتقاء به. وعلى الرغم من هذه الجهود إلا أن المردود أو العائد المتوقع من هذا الإنفاق جاء متواضعًا، فالمشكلة لا تكمن في العائد الكمي من التعليم، بل تكمن في المردود النوعي، وافتقار التعليم لنظم ومعايير للاعتماد المدرسي على أساسها تقاس الجودة في المدارس، وقد أظهرت نتائج بعض الدراسات العلمية التي أجريت في المملكة العربية السعودية أن ثمة أوجه قصور ومعوقات تعاني منها المدارس في تطبيق نظام الجودة وبالتالي التأهيل للحصول على الاعتماد المدرسي، منها معوقات متعلقة بإدارة التربية والتعليم والبيئة المدرسية، ومعوقات متعلقة بالمقررات الدراسية والإدارة المدرسية، ومعوقات متعلقة بالمعلم والطالب وعلاقة المدرسة بالمجتمع. إضافة إلى ذلك يمكن القول إن غياب ثقافة الاعتماد المدرسي والجودة، وزيادة مقاومة التغيير، وجمود الثقافة التنظيمية والهيكل التنظيمي يعد من أهم معوقات تطبيق الاعتماد المدرسي في المدارس. ونظرًا لأهمية تطبيق معايير الاعتماد* المدرسي في المدارس، لابد من العمل على إيجاد معايير وطنية للاعتماد المدرسي على أن تتبنى وزارة التعليم فكرة تطبيق هذه المعايير في المدارس، وأن تعمل على وضع الآليات المناسبة لتطبيقها، مع ضرورة نشر ثقافة الجودة والاعتماد المدرسي بين العاملين في المؤسسة التعليميّة والتشجيع على التغيير والتطوير المستمر مع وجود هيئات تتولى عملية منح الاعتماد على أن تتوافر لهذه الهيئات مجموعة من المختصين والمدربين على كيفية تطبيق معايير الاعتماد المدرسي من متطلبات نجاح الاعتماد في المدارس. المعرفه |