صاحب المعالي وزير العدل في جمهورية روسيا الاتحادية رئيس المؤتمر
أصحاب المعالي والسعادة .. السيدات والسادة الحضور الكرام..
تحية طيبة, وبعد:
اسمحوا لي قبل أن أبدأ كلمتي بأن أتقدم بالعزاء لجمهورية روسيا الاتحادية والشعب الروسي الكريم، وأسر ضحايا حادثة سقوط الطائرة، التي حدثت خلال الايام الماضية، وأقدم لهم خالص المواساة.
واتقدم لكم السيد الرئيس بالتهنئة على اختياركم رئيساً لهذا المؤتمر، كما يسرني في هذا المقام أن أتقدم لجمهورية روسيا الاتحادية, بالشكر الجزيل على استضافة هذا المؤتمر وعلى حسن الترحيب والاستقبال, والشكر كذلك لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)* للجهود المميّزة التي يقوم بها تجاه مساعدة الدول الأطراف لتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
إنه لمن دواعي السرور تواجدنا معكم, ممثّلين عن المملكة العربية السعودية في حضور أعمال هذا المؤتمر الهام (الذي يعد أهم محفل دولي يُعنى بمكافحة الفساد ــ) ؛ لكونه يعمل على تحسين قدرة الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لتنفيذ الالتزامات الواردة فيها ومساعدتها للقيام بذلك.
السيدات والسادة الحضور:
إن المملكة العربية السعودية كانت ولا زالت تقوم بكل ما من شأنه منع الفساد ومكافحته محلياً ودولياً, وهي حينما صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد, تتطلع إلى تحقيق المزيد من التعاون البنّاء بين المجتمع الدولي في تصديه لهذه الظاهرة البغيضة.
لقد عملت المملكة على إصدار القوانين التي تهدف إلى منع الفساد ومكافحته وذلك منذ أكثر من سبعين عاماً, ففي عام1940م صدر نظام جباية أموال الدولة, متضمناً تنظيم جباية الضرائب وبدلات الالتزام وذمم الموظفين, ثم صدر المرسوم الملكي رقم (43) في عام 1958م، الذي يجِّرمُ استغلال الوظيفة العامة واختلاس المال العام, ثم صدر قانون خاص بتأديب الموظفين على ما يصدر منهم من مخالفات في العام 1971م وأُنشئت لإنفاذه هيئة الرقابة والتحقيق, وفي عام 1992م صدر قانون مكافحة الرشوة, وفي عام 2003م تم إصدار قانون خاص لمكافحة غسل الأموال, وفي عام 2007م تم إصدار استراتيجية وطنية خاصة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد, وفي العام 2011م تم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وبالإضافة إلى الجهود الكبيرة التي تُبذل في مجال مكافحة الفساد، فإن هناك جهوداً أخرى موازية؛ لتنفيذ تدابير وقائية تُعنى بتعزيز قيم النزاهة والحث عليها سواءً من خلال التعليم أو التوعية والتثقيف أو سد الثغرات التي كان ينفذ منها الفساد، مثل استخدام التقنية بالتعاملات، وكأحد الأمثلة على الجهود في مجال تعزيز النزاهة، تم في العام 2006م فتح حساب بنكي خاص؛ يهدف بشكل مباشر لتمكين من عاد إليه ضميره، ويساوره الشك في أموالٍ تحصَّل عليها بطرق غير نظامية أو خالطتها شبهة فساد, أو ممن تورط في أخذ مالٍ دون وجه حق بأي شكل من الأشكال، أن يبرئ ذمته، دون معرفة هويته أو بياناته, و قد شهد هذا الحساب في الآونة الأخيرة ارتفاعاً في نسبة الإيداعات، وهو ما يدل على زيادة حجم وعي المجتمع، حيث بلغ إجمالي ما تم إيداعه منذ افتتاح الحساب وحتى نهاية العام الماضي ما يقارب (80) مليون دولار، وتوجَّه هذه الأموال في مجال الخدمات الإنسانية، كما تبذل المملكة جهوداً كبيرة في مجال تعزيز كفاءة أداء الأجهزة الحكومية؛ لرفع مستوى الخدمات المقدمة وجودتها، ومن أبرز أوجه التطوير في هذا المجال الأمر الملكي الصادر بتاريخ 30/1/2015م، القاضي بإلغاء العديد من المجالس واللجان في المملكة، وإنشاء مجلسان يرتبطان تنظيمياً بمجلس الوزراء هما:
مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وجاء هذا القرار لمنع ازدواج الأهداف وآليات العمل بين مختلف الأجهزة الحكومية، وصولاً إلى تكامل الأدوار والمسؤوليات والاختصاصات، بما يواكب التطورات والمتغيرات المتسارعة، وكذلك أود الإشارة إلى قرار مجلس الوزراء الذي صدر مؤخراً وذلك* بتاريخ 12/10/2015م* المتضمن إنشاء مركزاً وطنياً لقياس أداء الأجهزة العامة في المملكة.
السيدات والسادة الحضور.
لقد عملت المملكة على تنفيذ وتوفير ما تتطلبه الأحكام الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد, وقد تم إنهاء استعراضها للفصلين (الثالث والرابع) منها هذا العام, والتي اكسبتنا مزيداً من المعرفة والخبرة حيال العمل على تطوير عدة قوانين مهمة,* كــ(نظام مكافحة الرشوة, والمرسوم الملكي رقم (43) الخاص بمكافحة جرائم الوظيفة العامة, وقانون المنافسات والمشتريات الحكومية, وذلك بالتزامن مع العمل على إصدار عدة قوانين أخرى مهمة, كــ (قانون جديد لمكافحة الإثراء غير المشروع), وإعداد ضوابط تتعلّق بالإدلاء بإقرارات الذمة المالية, وتطوير قانون حماية المال العام, وقانون خاص لحماية المبلغين والشهود, وذلك انسجاماً مع ما تنص عليه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
وأما فيما يتعلق بالتعاون الدولي, وتقديم المساعدة القانونية المتبادلة: فقد قامت* المملكة في عام 2012م بإنشاء سلطة مركزية مختصة بطلب المساعدة القانونية المتبادلة بما في ذلك استرداد الموجودات, تحت اسم اللجنة الدائمة لطلبات المساعدة القانونية, كما أنه وفي هذا الصدد تعمل المملكة حالياً لإصدار دليل خاص باسترداد الموجودات, بما في ذلك تعقب الأصول والتحفظ عليها ومصادرتها وتنفيذ الأحكام الأجنبية, علماً بان لدى المملكة عدة مشاريع لاتفاقيات ثنائية مع بعض الدول في مجال المساعدة القانونية المتبادلة.
وفيما يتعلّق بالقضاء, فإن القضاء في المملكة يتمتع باستقلال تام, وفق ما نصت عليه المادة (46) من النظام الأساسي للحكم, التي نصّت على أن: "القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية".
كما نصت المادة (50) على أن: "الملك أو من ينيبه معنيون بتنفيذ الأحكام القضائية".
ونصّت المادة الأولى من نظام القضاء على أن: "القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، وليس لأحد التدخل في القضاء".
السيدات والسادة الحضور:
أود التأكيد في هذا المقام على أن المملكة العربية السعودية مستمرة في مسيرة التنمية وحماية النزاهة ومكافحة الفساد, فقد أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بمراجعة أنظمة الأجهزة الرقابية؛ بما يعزز من دورها في القضاء على الفساد وحفظ المال العام، ويضمن محاسبة المقصّرين. وتعمل المملكة على تعزيز الشفافية وحماية النزاهة ومكافحة الفساد وفق المعايير والمتطلبات الدولية, آخذين في الاعتبار فضلاً عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد, التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال, والتي تقوم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بدراستها بكل عناية, بغية الاستفادة منها في تطوير الأنظمة المعنية بحماية النزاهة ومكافحة الفساد, كما أنها تطّلع على التجارب الدولية المميزة في هذا المجال, رغبةً في تعزيز دورها حيال منع الفساد ومكافحته, وتطوير الأساليب المتّخذة بشأن* ذلك, استناداً لاختصاصاتها في اقتراح القوانين والسياسات اللازمة لمنع الفساد ومكافحته, وإجراء مراجعة دورية للقوانين واللوائح ذات الصلة لمعرفة مدى فعاليتها والعمل على تطويرها, وانطلاقاً من الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد التي نصّت في أكثر من موضع على تعزيز التعاون بين الدول والاستفادة من خبرات الدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية التي تُعنى بمجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد ومتابعة المستجدات الدولية الحاصلة في هذا الشأن, بما يحقق الهدف الأسمى الذي نسعى إليه جميعاً، وهو منع الفساد ومكافحته.
ولا يسعني في الختام* إلا أن أجدد الشكر والتقدير لجمهورية روسيا الاتحادية, والقائمين على تنظيم هذا المؤتمر الهام، آملاً التوفيق والنجاح لأعمال المؤتمر.
*والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
د. خالد بن عبدالمحسن المحيسن
رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد