إن الاستقبال الحافل الذي حظي به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تجمع دافوس هذا العام يجب أن يحظى بوقفة للتفكير. فبعد أربع سنوات من ثورة ميدان التحرير التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، وبعد 18 شهرًا من الانقلاب العسكري الذي طرد جماعة الإخوان المسلمين المنتخبة من السلطة، فإن السيد عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش السابق الذي فاز بتأييد شعبي في الانتخابات الرئاسية العام الماضي؛ يقدم نفسه باعتباره مرتكزا للاستقرار في منطقة ملتهبة.
وفي ظل انهيار كل من سوريا والعراق، والتهديد الجهادي الذي تمثله الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) التي صعدت بعنف لتملأ الفراغ؛ من المفهوم تمامًا أن تعاود الولايات المتحدة وأوروبا السعي إلى التحالف مع شركاء أقوياء محليين. إلا أن هذا يعتبر قصر نظر وفكرة خاطئة.
إن قمع حكومة السيسي الشديد للمعارضة، وخاصة بعدما قتل الشهر الماضي أكثر من عشرين شخصًا في احتجاجات بمناسبة إحياء ذكرى ثورة ميدان التحرير، والذي يسير جنبًا إلى جنب مع الأحكام التعسفية التي يصدرها القضاء المصري في مصر؛ يدفع نحو إثارة التطرف. فما يحدث الآن هو نفس حالة الاستبداد التي تسببت في اندلاع موجة من الانتفاضات العربية قبل أربع سنوات.
الفرق الرئيسي الآن، في مصر وأماكن أخرى؛ هو أنه عبر تجريم التيار الرئيسي للإسلاميين مثل الإخوان المسلمين، فهو يوفر بيئة أكثر ملاءمة للأفكار الجهادية. انهار الإخوان بعد عام في الحكم الذي كان مكرسًا للاستحواذ المنفرد على السلطة. ورغم أنهم حققوا انتصارات في خمسة استحقاقات انتخابية على التوالي، إلا أن كثيرًا من الموالين لهم سيقتنعون الآن بوجهة نظر داعش القائلة بأن الجهاد هو السبيل الوحيد للمضي قدمًا.
كانت قد وقعت حادثة مميتة في الشهر الماضي ذكرت بالتهديد الجهادي، عندما قتل نحو 27 شخصًا في هجمات ضد أهداف أمنية في شبه جزيرة سيناء التي ينعدم فيها القانون، فضلاً عن محاولات التفجير هذا الأسبوع في القاهرة والإسكندرية. وبعد أن انضم الجهاديون في سيناء إلى تنظيم داعش، فإن العديد من المصريين يعتبرون جنرالاتهم حصنًا ضد الإرهاب.
إلا أن مصر التي شغلت مخيلة العالم في ميدان التحرير بحاجة أيضًا إلى حماية سيادة القانون، وسياسة شاملة تحشد طاقة الشباب في البحث عن الأمل والفرص. ولكن بدلاً من ذلك، منح المشير السابق عبد الفتاح السيسي في أكتوبر المحاكم العسكرية قوة أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى منذ تولي الجيش لأول مرة في عام 1952. كما أن القضاء المدني ليس بأفضل حال من نظيره العسكري، فقد أصدرت محكمة هذا الأسبوع حكمًا بإعدام 183 من المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وفي عطلة نهاية الأسبوع، جرى ترحيل بيتر غريست، واحد من ثلاثة صحفيين تابعين لقناة الجزيرة الفضائية جرى سجنه لدعمه المزعوم للإخوان؛ جرى ترحيله إلى بلده الأصلي أستراليا. وزميله الآخر محمد فهمي، الذي يحمل الجنسيتين المصرية والكندية، تخلى الآن عن جنسيته المصرية على أمل أن يحظى بنفس المعاملة.
يستحق السيسي بعض الثناء على الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، مثل الرفع الجزئي للدعم الممنوح للوقود، وتحويل المزيد من الإنفاق نحو التعليم والصحة. لكن في الوقت نفسه، فإن الجيش قد أمَّن امتيازاته وتوسعت إمبراطوريته الاقتصادية بشكل كبير، بمساعدة مليارات الدولارات من الخليج. وفي مؤتمر دافوس، دعا السيسي المستثمرين للقدوم واستكشاف مصر في قمة اقتصادية تعقد الشهر المقبل.
* إلا أن التنمية الاقتصادية تحتاج سياسة انفتاحية ومجتمعًا نشيطًا، وليس المحسوبية الرأسمالية أو استعادة الوضع الأمني الذي يترك الإسلاميين المتشددين البديل المعارض الوحيد المتاح.