بواسطة :
23-04-2014 03:26 مساءً
10.8K
المصدر -
نورة العمرو :
***
* تتجه الأنظار مطلع الأسبوع القادم نحو مجلس الشورى للتصويت على ملائمة دراسة أحد أهم المقترحات الصحية الوطنية والذي أتى بالتزامن مع مناشدة وزارة الصحة الباحثين للتقدم بمقترحاتهم البحثية لمحاولة فهم فيروس كورونا وبؤر تفشياته في المملكة وخاصة بؤرة جدة.
تقدمت عضوة مجلس الشورى الدكتورة لبنى الأنصاري للمجلس بمقترح نظام البحث العلمي الصحي الوطني في خطوة تشريعية تعد الأولى من نوعها في تاريخ المملكة لرسم خارطة طريق الاحتياجات الصحية الوطنية، وذلك بإقرار نظام يضمن آلية بحثية وطنية تقوم بتقييم الوضع الصحي الراهن للمملكة بشكل مستدام ومن ثم توجيه دفة البحث العلمي الصحي لمحاولة الإجابة عن أسئلة مؤرقة عديدة عن ترهل الخدمات الصحية بالمملكة وتراجع معدلات رضى المواطنين عنها ومن ثم سبل رفع كفاءة النظام الصحي كاملا.
بؤرة كورونا النشطة حاليا في جدة تعد دراسة حالة لتسليط الضوء على الثغرات التي كان من الممكن سدها وتلافيها بوجود نظام كالنظام الذي تقدمت به الدكتورة الأنصاري، وأنا هنا لست بصدد تقييم تعاطي وزارة الصحة مع تفشيات كورونا، فهذا موضوع قد أشبعته نقاشا على مدى العامين الماضيين بأكثر من ١٨ مقالا في هذه المساحة الأسبوعية فقط.
ظهرت بؤرة جدة نتيجة عوامل عديدة، وأغلبها له جذور بحثية أطلت برأسها خلال الأسبوعين الماضيين بأكثر من ٦٠ حالة وعدة وفيات. أول هذه العوامل هو ضعف كفاءة النظام الصحي في القطاعات الصحية التي ظهرت بها البؤر، بدليل عدم قدرة أنظمتها على التجاوب السريع منذ ظهور أول حالة وذلك لاعتمادها على مؤشرات غير نشطة وروتينية لا يمكن استخدامها لقياس مرونة استجابة النظام الداخلي للمرفق الصحي أو القطاع الصحي الذي يتبع له. هذه الثغرة لم يكن بالإمكان التقاطها ولا إيجاد الحلول لها من دون أبحاث النظم الصحية والصحة العامة والإقتصاد الصحي والتمويل والتي من المفترض أنها ترسم الخط المرجعي لأداء أي قطاع صحي للرجوع إليه مباشرة للمقارنة والتقييم الدوري والآني كما هو الحال في التفشيات والأوبئة.
عامل آخر، وهو ضعف إجراءات مكافحة العدوى في المرافق التي ظهرت بها الحالات، وقصرها على عدم التزام الممارسين بالتعليمات هو سذاجة، وإلا فلماذا لم تظهر إلا بؤر لكورونا وانفلونزا الخنازير والمستشفيات مليئة بالعديد من الميكروبات الأشد خطورة وانتشارا؟؟ بمعنى أن الإخفاق باتباع إجراءات مكافحة العدوى ليس انتقائيا وسيتسبب بتفشيات لميكروبات أخرى أيضا. وهنا كانت الثغرة البحثية في عدم وجود معدلات وطنية ومناطقية ومؤسسية محدثة وتفاعلية لانتشار الميكروبات، ومنها الفيروسية، ونشاطها مما جعل الإجابة عن وجود تفشي من عدمه تتأخر لعدم وجود أبحاث ومسوحات تحدد هذا الخط المرجعي الحساس لمراقبة إجراءات مكافحة العدوى ورفع مستوياتها احترازيا عند الحاجة.
ما زال مصدر تفشيات كورونا مجهولا، مع المحاولات الحثيثة لمعرفته، ولكن تأخر دخول وزارة الزراعة عاما كاملا على خط الاستقصاء الوبائي، أعطى الفيروس فرصة للتحور والتحول كما أظهرت التسلسلات الجينية والتي كان آخرها من السعودية العام الماضي. وحتى عندما انضمت وزارة الزراعة للجهود الحالية، ما زال الكل بلا خارطة طريق، حتى أن العديد من المواطنين قاموا بطرح سؤال، على سبيل المثال، إن كانت الإبل هي المصدر، لماذا الرعاة بصحة وعافية؟ هذه الأسئلة وغيرها، كشفت ثغرة بحثية صحية وهي ضعف وانعدام الأبحاث المتعلقة بتفاعل الإنسان والحيوان، وهي أبحاث مهمة وجوهرية إذا ما أخذنا بالحسبان ثقافة المملكة وتراثها وثرواتها الحيوانية. هذه الأبحاث لا يمكن توجيه دفتها من وزارة الصحة أو وزارة الزراعة ولا بد لها من مظلة وطنية تحدد المهام وتطرح المنح البحثية لها لتشجيعها وتسجيلها ومتابعتها والرجوع مباشرة لها، فنحن شهدنا التراشق بين الوزارتين بالتأكيد والنفي حتى تفاجأ الجميع ببحث جامعة الملك سعود وجامعة كولومبيا بوجود أجسام مضادة لفيروس كورونا في الإبل من عشرات السنين.
وليست الإبل وحدها فالمملكة غنية بثروات حيوانية وبعضها بري وجبلي ويتفاعل مع الإنسان بشكل مباشر وغير مباشر ولا نعلم ما تحمله هذه الحيوانات ومتى تتطور فيروساتها لتقفز للإنسان وندخل في دوامة جديدة من تفشيات مجهولة.
أحد أكبر التحديات التي واجهت وزارة الصحة والقطاعات الصحية الأخرى هي التعامل مع الجمهور ومع منسوبيها، فالبيانات والتعميمات أتت مقتضبة وغير مدعمة بالبيانات أو نتائج بحوث ومسوحات سابقة، وهذه ثغرة بحثية في أبحاث الإعلام الصحي، فلا وجود لبحوث مختصة بتجربة المملكة بالتواصل مع المواطنين والممارسين الصحيين أثناء أوبئة سارس وانفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير، ولا يعلم المختصون ما هي الدروس المستفادة منها والتي لا بد من تلافيها الآن مع بؤرة جدة ونشاط الشائعات.
وأخيرا وليس آخرا، فإن أكبر ثغرة في البحوث الوطنية وأهمها هو عدم وجود مرجع بحثي مستقل للأبحاث الصحية بجميع فروعها وبمفهومها الشمولي والمتكامل حتى يتسنى للتشريعيين وصناع القرار العودة إليه لتقييم الوضع والخروج بتوصيات وقرارات تساند الجهود الحالية.
لن تكون تفشيات كورونا الأخيرة، وستظهر العديد من التفشيات والأوبئة والكوارث، ولكن الاستجابة لها من دون مرجعية بحثية صحية وطنية صلبة، هو مجرد قفزة عالية من على منصة سباحة وهبوط في مسبح فارغ