لم تكد الأزمة المالية التي لازالت تحصد المزيد من الضحايا في الشركات السعودية أن تمر حتى بات موظفو شركات المقاولات أول ضحاياها، فبعد شركة بن لادن لجأ موظفو شركة "سعودي أوجيه" إلى مكتب العمل بمدينة الرياض بعد تأخر رواتبهم لمدة 4 أشهر، في الوقت الذي بررت فيه الشركة بأن تأخر الرواتب جاء نتيجة عدم حصولها على مستخلصات لمشاريع قامت بتنفيذها.
شركة "سعودي أوجيه" تعد واحدة من أكبر شركات المقاولات في السعودية، قبل أن يتوسع نشاطها ليشمل الاتصالات، والعقار، والصيانة، وهي مملوكة بشكل جزئي لعائلة الرئيس اللبناني الراحل رفيق الحريري.
وزارة العمل شكّلت لجنة لحل مشكلة تأخر رواتب الموظفين في "سعودي أوجيه"، وقال مسؤول فيها لصحيفة "عكاظ" إن الوزارة اتخذت حزمة إجراءات بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة لمحاسبة الشركة على عدم وفائها بأجور موظفيها.
إذ قطعت عدداً من الخدمات عن الشركة، على رأسها خدمات التأمينات الاجتماعية، وخدمات المديرية العامة للجوازات، فيما أشارت الوزارة إلى أن قضية رواتب شركة سعودي أوجيه تم تحويلها إلى إمارة منطقة الرياض للنظر والوصول إلى حل للأزمة، إذ بدأت الشركة - بحسب المصدر - بدفع رواتب بعض الموظفين، ووعدت بدفع جميع الرواتب المتأخرة على شكل دفعات متتابعة.
مدير عام الشركة في السعودية فريد شاكر كانعد، بحسب مذكرة داخلية أصدرها قبل 10 أيام، بصرف راتب واحد خلال أسبوع من تاريخ 14 فبراير/شباط الماضي، إلا أنه لم يفِ بوعده، كما أكد في مذكرته أن انتظام نزول الرواتب قبل نهاية الشهر سيكون ابتداءً من مارس، إضافة إلى أن الرواتب المتأخرة سيتم صرفها على دفعات شهرية، إلا أن الموظفين في الشركة لازالوا متذمرين من تأخر استيفاء الوعود، إضافة إلى بطء المعالجة الحكومية للأزمة.
الشركة انخرطت في مشاريع تطوير البنى التحتية في السعودية، حيث ساهمت في إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، إضافة إلى إنشاء المباني الخاصة بشركة إعمار المدينة الاقتصادية، بينما يعد مطار الملك خالد الدولي في الرياض واحداً من أكبر مطارات المنطقة الذي تقوم الشركة بأعمال الصيانة فيه، إضافة إلى أعمال الصيانة التي تضطلع بها الشركة في مجمع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم في المدينة المنورة.
الالتزامات المالية تلاحق الموظفين
تأخر الرواتب في شركة سعودي أوجيه فرض واقعاً مريراً على موظفيها السعوديين، الذين ارتبطوا بقروض مالية مع بنوك يتم استقطاعها من رواتب الموظفين على شكل أقساط الشهرية، إلا أن تأخر سداد الرواتب للموظفين سيراكم الديون البنكية عليهم، إضافة إلى التزاماتهم الأسرية والمعيشية التي تلاحقهم.
يوسف المالكي، شاب سعودي يعمل في الشركة فرع المدينة المنورة وهو أحد المتضررين من تلك الأزمة، قال لـ"هافينغتون بوست عربي": "يبدو أن الأزمة ستأخذ مداها الزمني، إلا أن الأهم هو الكيفية في تدبر الأمور المعيشية، كبار الموظفين لا يشعرون بمدى الضغوط اليومية التي نعيشها، ولا يمكننا الانتظار لفترات طويلة، حتى يتم حل أزمة الرواتب من جانب وزارة العمل".
وهو الأمر ذاته الذي يعاني منه عبدالرؤوف منديل، وهو شاب سعودي يعمل في شركة سعودي أوجيه بمدينة جدة، حيث قال لـ"هافينغتون بوست عربي": "بات من الصعب الجلوس انتظاراً لما ستفسر عنه التطورات، نخشى أن تستمر الأزمة، لاسيما أن الشركة تزعم أنها ليس لديهاً أموالاً كافية لسداد رواتبنا".
ويتساءل عبدالعزيز الخيبري، وهو أحد المتضررين في الشركة ويعمل بالمدينة المنورة، ما إذا كانت رواتب كبار المديرين مستمرة في التدفق أم لا؟ مؤكداً أنهم لو كانوا يعانون من ذات المشكلة فإنهم لاشك سيسارعون في إيجاد حل عاجل لها، إلا أن تأخرهم يعكس عدم مواجهتهم لأي مشكلة متعلقة بتأخر سداد رواتبهم".
القدرة على المراوغة
ويؤكد المحامي عطالله الزهراني*في تصريح له*أن شركات المقاولات يمكنها التعذر بتأخر سداد رواتب الموظفين بتأخر صرف المستخلصات الحكومية، إزاء المشاريع التي تعمل بها، مضيفاً في ذات الوقت أن "شركة سعودي أوجيه واحدة من كبرى شركات المقاولات في السعودية، ومن النادر أن تواجه حالات تأخر سداد الرواتب، فهي ذات السمعة في القطاع الخاص، ولذلك يتمنى الكثير من الشباب الانضمام إلى تلك الشركات الكبيرة، إلا أن وضع سوق المقاولات السيئ يعد أمراً طارئاً، وعلى الجميع التحمُّل".
وحول مصير الموظفين السعوديين، قال الزهراني: "من الواضح أنه سيتم التوصل إلى اتفاق شبيه باتفاق شركة بن لادن مع عمالها في مكة المكرمة، حيث قد يتم صرف المستحقات المتأخرة لأولئك الراغبين في إنهاء خدماتهم، أو الانتظار حتى حل المشكلة بشكل جذري".