من ملح بحر وقصاصة ورق يطلع الموسيقار اللبناني الراحل عاصي الرحباني كلحن يسحر الموج في شريط فيديو لحفلة نادرة نشرته ابنته المخرجة ريما يوم الثلاثاء في ذكرى رحيله الثلاثين.
وكان عاصي قد توفي في 21 يونيو حزيران عام 1986 عن عمر ناهز 63 عاما تاركا خلفه آلاف الأغاني معظمها بصوت زوجته المطربة فيروز بالإضافة إلى عشرات المسرحيات والأفلام. وأسست هذه الأعمال لتاريخ الفن اللبناني وكلها موقعة باسم الأخوين رحباني أي عاصي وشقيقه منصور.
الفيديو لحفل أحيته والدتها فيروز في إمارة الشارقة الإماراتية عام 1979 وتضمن لقطات حصرية وغير متداولة مسبقا من الحفل الذي صورته ريما "بكاميرتها البدائية" على حد وصفها.
وصارت ثلاثون الغياب سنين تغزل منها ريما الرحباني رواية جديدة وقعت على أرض خليجية وسجلت بنت الثلاثة عشر عاما لحظاتها كمن يخزن مؤونة للعمر.
وكان هذا أول حفل تصوره ريما وينتجه والدها الراحل وفق ما أشارت في نهاية الفيديو قائلة بأن التسجيل جاء صامتا وأن يومها كانت في الثالثة عشرة والنصف من عمرها وقد واجهت صعوبات كبيرة لتضع الصورة على الصوت.
وكتبت ريما رحباني قائلة "بِذِكراك الثلاثين وعيد المُوسيقى وعيد الأَب التَحيّة مَا فيها (لا يمكن أن) تكُون إلا منَّك إلَك".
الفيديو مدته 52 دقيقة نشرته ريما على قناتها الرسمية عبر موقع يوتيوب وافتتحته بصوتها المأخوذ من فيلم بنت الحارس عام 1968 قائلة "بيي (أبي) أعطيني ليرة". وكانت ريما في سنيها الأولى تشارك مع والدتها فيروز في الفيلم وغنت لها الأغنية الشهيرة "يللا تنام ريما"
الفيديو كشف لأول مرة عن صور ولقطات عديدة من حفلة لفيروز حيث كان يرافقها دائما زوجها عاصي. وكان لافتا في نهاية الشريط- أي بعد الدقيقة 47- سرد ريما لوقائع تكشف للمرة الأولى وكم تعذبت كي تستطيع أن تجمع هذه اللقطات التي صورتها بوسائل بدائية جدا.
بدأ شريط الفيديو بأوراق كتب عليها اسم المخرج والمطربة والملحن وتفاصيل عن الحفلة وكل ورقة كانت تظهر أمام الكاميرا كانت تبتلعها أمواج البحر في منطقة معاملتين في جونية شمال بيروت كما تذكر ريما لرويترز.
ويتضمن الشريط التدريبات التي كان يجريها عاصي للفرقة وعلى رأسهم فيروز حيث نجده حاضرا في كل مكان على المسرح وخلف الكواليس. كما رصدت كاميرا الطفلة ريما والدتها وهي تضع المكياج بنفسها في غرفتها قبيل بدء الحفل.
وبعد ذلك تطل فيروز على جمهورها في الشارقة لتغني لهم "عادت الرايات تجتاح المدى وجعلنا موعد المجد غدا.. يا إمارات على أبوابها يصرخ البحر وينهد الصدى.. نهضت وسع العلا فاتحدت وتسامى شعبها فاتحدا.. رائع وجهك في وثبته أيها الشعب الذي الحق ارتدى..
"لفتة صوب غد عزم يد ورحيل في الحضارات ابتدا.. هاهنا والأرض فاضت مدناً وعطاء أي صبح وعدا.. قلتها أحلام طفل نائم تمطر الصحراء وردا وندى."
ومن بعدها تغني فيروز لوطنها الذي كان في أوج حربه الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990 "سكروا الشوارع عتموا الشارات زرعوا المدافع هدموا الساحات".
كما غنت في تلك الحفلة "دخلك يا طير الوروار " و "ردني الى بلادي" و"هيلا يا واسع" و"يا مركب الريح خللي البحر وانزل ع بر" و""ع هدير البوسطة" التي هي من ألحان ابنها زياد.
وغنت "طالل على بواب الحلا سيفه بإيده يلامع" ورددها الجمهور مرارا بعد التصفيق الحار حيث غنت "بحبك يا لبنان" و "زوروني كل سنة مرة".
وصورت ريما لقطات لوالدها ووالدتها وهما في طريقهما إلى الشارقة في المطار وفي الطائرة قبل أن يختتم الشريط بصوت فيروز قائلة لريما "ميرسي (شكرا) ماما."
وقالت ريما لرويترز "عندما صورت هذه اللقطات لم أكن اعرف ولم يكن يخطر ببالي للحظة أن اعرضها للناس. كان جل همي أن اعرضها أمام العائلة. في الأساس لم يكن عالمي سوى أهلي والفرقة ولم نكن همنا سوى حفظ الأعمال والتصوير."
أضافت "صورت هذا العمل بطريقة بدائية جدا ولا اعرف كيف وافق ابي على تمويل تصوير حفلة كاملة صامتة. بالصدفة عثرت على اسطوانة تتضمن بعضا من أغاني تلك الحفلة. وحاولت مطابقة الصوت مع الصورة قدر المستطاع. أحببت أن أبقي العمل على عفويته وألا أتدخل به أبدا لكي يعكس روح تلك الأيام"
وقالت لرويترز إن هذا الشريط هو تحية لعاصي في ذكراه الثلاثين. عاصي هو الحاضر الأكبر بيننا ولا يمكن أن يغيب. في غيابه هو الأكثر حضورا"
ومضت تقول "دائما التحية منه إليه من الأعمال التي أشرف عليها وعملها ولا يمكن لأحد أن يعيدها أفضل مما عملها هو. التكريم يكون بأعماله وليس بالتسلل إلى أعماله."
وختمت ريما قائلة "كلما أردنا أن نشعر بأمل ولحظة فرح ننظر إلى الوراء لنغرف من زمن عاصي."