
المصدر - الرئيس التنفيذي لمعهد الاستدامة والبصمة الكربونية ISCF والمراقب باتفاقية باريس لتغير المناخ بالأمم المتحدة
لم يكن اجتماع الاتحاد الأوروبي في 17 ديسمبر 2025 مجرد خطوة تنظيمية ضمن مسار العمل المناخي، بل شكّل نقطة تحوّل عميقة في بنية التجارة الدولية. في هذا اليوم، انتقل الاتحاد الأوروبي رسميًا من مرحلة “تنظيم الانبعاثات داخليًا” إلى تصدير سياسته المناخية خارج حدوده، مستخدمًا آلية تعديل حدود الكربون CBAM كأداة مزدوجة: بيئية من حيث الشكل، واقتصادية–سياسية من حيث التأثير.
اعتماد 24 وثيقة قانونية وتقنية دفعة واحدة، وتثبيت القيم الافتراضية المرتفعة للانبعاثات، وربط الرسوم الكربونية بأسعار سوق الكربون الأوروبي EU ETS ، لم يكن إجراءً محايدًا. بل هو إعلان واضح بأن الدخول إلى السوق الأوروبية لن يكون متاحًا دون الامتثال الكامل للمعايير الكربونية الأوروبية، بغض النظر عن خصوصيات الدول النامية أو اختلاف هياكل الطاقة لديها.
بالنسبة لمصر، التي تُعد من كبار المصدّرين إلى أوروبا في قطاعات كثيفة الانبعاثات، فإن ما جرى في ديسمبر 2025 ليس نقاشًا نظريًا، بل تحول مباشر يهدد القدرة التنافسية للصادرات الصناعية إذا لم يتم التعامل معه بوعي استراتيجي.
أولًا: البعد السياسي – حين يتحول المناخ إلى سياسة تجارية
سياسيًا، يعكس CBAM في صورته الجديدة انتقال الاتحاد الأوروبي من دور “الشريك المناخي” إلى دور المنظّم الأحادي لقواعد السوق. فالقيم الافتراضية لم تُصمم لتكون متوسطًا عادلًا، بل تم بناؤها على أسوأ 10% من مواقع الإنتاج عالميًا، مع إضافة هامش كربوني عقابي، ما يجعل استخدامها بمثابة غرامة غير معلنة.
هذا النهج يطرح إشكالية جوهرية:
هل الهدف هو حماية المناخ، أم إعادة هيكلة سلاسل الإمداد العالمية لصالح الصناعة الأوروبية؟
الواقع يشير إلى الاثنين معًا. فبينما يتحدث الخطاب الرسمي عن منع “تسرّب الكربون”، فإن التطبيق العملي يضع الدول المصدّرة – ومنها مصر – أمام خيارين لا ثالث لهما:
1. الاستثمار السريع والمكلف في أنظمة قياس وتحقق وخفض الانبعاثات
2. أو فقدان ميزة السعر والدخول في منافسة غير متكافئة
ثانيًا: التحليل الاقتصادي – CBAM كآلية لإعادة تسعير الصادرات
اقتصاديًا، ما حدث بعد 17 ديسمبر هو إعادة تسعير كاملة للكربون داخل المنتج الصناعي. لم يعد السعر النهائي للطن يعتمد على تكلفة الإنتاج فقط، بل أصبح محملًا بـ “ضريبة كربونية ضمنية” تختلف من منشأة لأخرى.
القيم الافتراضية: لماذا هي “عقابية”؟
• تُستخدم عند:
o غياب البيانات
o أو فشل التحقق
• أعلى بكثير من الانبعاثات الفعلية للمصانع الكفؤة
• تؤدي إلى:
o تضخيم البصمة الكربونية للمنتج
o رفع تكلفة الشهادات المطلوبة
الربط بسوق EU ETS
مع متوسط سعر كربون يتراوح بين 80–100 يورو/طن CO₂ خلال 2025، فإن أي زيادة افتراضية في الانبعاثات تنعكس مباشرة كخسارة مالية على المستورد، وبالتالي على المنتج المصدّر.
ثالثًا: التأثير المباشر على القطاعات المصرية
قطاع الحديد والصلب
• مصر تُصدّر كميات معتبرة من حديد التسليح ومنتجات نصف مصنعة إلى أوروبا
• متوسط كثافة الانبعاثات:
o أفران القوس الكهربائي EAF : 0.6–0.9 طن CO₂/طن
o الأفران العالية BF : 1.8–2.2 طن CO₂/طن
المشكلة الكبرى:
• غياب قيم افتراضية مخصصة لمصر
• في حال عدم تقديم بيانات فعلية:
o قد تُطبق قيم لدول ذات كثافة أعلى
o ما يرفع التكلفة الكربونية للطن بأكثر من 70–100 يورو
• هذا قد يُفقد الحديد المصري ميزة السعر بالكامل أمام المنتج الأوروبي
قطاع الألومنيوم
• من أكثر القطاعات حساسية للكربون
• كثافة الانبعاثات تعتمد على:
o مصدر الكهرباء
• متوسط عالمي:
o من 12 إلى 16 طن CO₂/طن ألومنيوم
في الحالة المصرية:
• الاعتماد على شبكة كهرباء ذات كثافة كربونية متوسطة–مرتفعة
• استخدام القيم الافتراضية قد يؤدي إلى:
o مضاعفة التكلفة الكربونية
o تحميل المنتج المصري تكلفة إضافية قد تتجاوز 1,200–1,500 يورو/طن
قطاع الأسمنت
• يمثل تحديًا هيكليًا:
o انبعاثات عملية Clinker
o لا يمكن خفضها بالكامل تقنيًا
• متوسط الانبعاثات:
o 0.8–0.9 طن CO₂/طن أسمنت
التأثير المتوقع:
• رغم أن الأسمنت أقل تصديرًا، إلا أن:
o أي تصدير مستقبلي أو منتجات مشتقة
o سيواجه تكلفة كربونية مرتفعة
• غياب بيانات فعلية = خروج شبه كامل من السوق الأوروبية
قطاع الأسمدة
• الأسمدة النيتروجينية مرتبطة بالغاز الطبيعي
• متوسط الانبعاثات:
o 1.6–2.0 طن CO₂/طن أمونيا
الخطر:
• القيم الافتراضية للمواد الأولية Precursors
• خاصة في حال عدم وضوح مصدر الغاز
• قد ترفع البصمة الكربونية للأسمدة المصرية بنسبة 30–40%
رابعًا: الغرامات غير المباشرة وفخ التحقق
بدءًا من يناير 2026:
• الالتزام المالي تدريجي:
o 2.5% في 2026
o وصولًا إلى 100% في 2034
• فشل التحقق أو تجاوز خطأ 5%:
o رفض البيانات
o فرض القيم الافتراضية
• ما يعني:
o خسارة مالية مؤكدة
o حتى لو كانت الانبعاثات الحقيقية أقل
خامسًا: ماذا يعني ذلك لمصر؟
المسألة لم تعد بيئية فقط، بل:
• قضية تنافسية صناعية
• قضية أمن اقتصادي
• قضية سيادة تنظيمية
القطاعات المصرية لا تعاني من ضعف تقني بقدر ما تعاني من:
• غياب أنظمة MRV المعتمدة
• نقص التحقق الدولي
• التأخر في إعداد Monitoring Plans
الحل يكمن من الدفاع إلى المبادرة
ما حدث في 17 ديسمبر 2025 هو إعادة تعريف لقواعد اللعبة.
والسؤال لم يعد: هل نلتزم؟
بل: كيف نلتزم دون أن نخسر؟
الحل الوحيد لتجنب الخسارة هو:
• بناء أنظمة قياس دقيقة
• توثيق البيانات الفعلية
• التحقق الدولي
• وخفض الانبعاثات حيثما أمكن
اعتماد 24 وثيقة قانونية وتقنية دفعة واحدة، وتثبيت القيم الافتراضية المرتفعة للانبعاثات، وربط الرسوم الكربونية بأسعار سوق الكربون الأوروبي EU ETS ، لم يكن إجراءً محايدًا. بل هو إعلان واضح بأن الدخول إلى السوق الأوروبية لن يكون متاحًا دون الامتثال الكامل للمعايير الكربونية الأوروبية، بغض النظر عن خصوصيات الدول النامية أو اختلاف هياكل الطاقة لديها.
بالنسبة لمصر، التي تُعد من كبار المصدّرين إلى أوروبا في قطاعات كثيفة الانبعاثات، فإن ما جرى في ديسمبر 2025 ليس نقاشًا نظريًا، بل تحول مباشر يهدد القدرة التنافسية للصادرات الصناعية إذا لم يتم التعامل معه بوعي استراتيجي.
أولًا: البعد السياسي – حين يتحول المناخ إلى سياسة تجارية
سياسيًا، يعكس CBAM في صورته الجديدة انتقال الاتحاد الأوروبي من دور “الشريك المناخي” إلى دور المنظّم الأحادي لقواعد السوق. فالقيم الافتراضية لم تُصمم لتكون متوسطًا عادلًا، بل تم بناؤها على أسوأ 10% من مواقع الإنتاج عالميًا، مع إضافة هامش كربوني عقابي، ما يجعل استخدامها بمثابة غرامة غير معلنة.
هذا النهج يطرح إشكالية جوهرية:
هل الهدف هو حماية المناخ، أم إعادة هيكلة سلاسل الإمداد العالمية لصالح الصناعة الأوروبية؟
الواقع يشير إلى الاثنين معًا. فبينما يتحدث الخطاب الرسمي عن منع “تسرّب الكربون”، فإن التطبيق العملي يضع الدول المصدّرة – ومنها مصر – أمام خيارين لا ثالث لهما:
1. الاستثمار السريع والمكلف في أنظمة قياس وتحقق وخفض الانبعاثات
2. أو فقدان ميزة السعر والدخول في منافسة غير متكافئة
ثانيًا: التحليل الاقتصادي – CBAM كآلية لإعادة تسعير الصادرات
اقتصاديًا، ما حدث بعد 17 ديسمبر هو إعادة تسعير كاملة للكربون داخل المنتج الصناعي. لم يعد السعر النهائي للطن يعتمد على تكلفة الإنتاج فقط، بل أصبح محملًا بـ “ضريبة كربونية ضمنية” تختلف من منشأة لأخرى.
القيم الافتراضية: لماذا هي “عقابية”؟
• تُستخدم عند:
o غياب البيانات
o أو فشل التحقق
• أعلى بكثير من الانبعاثات الفعلية للمصانع الكفؤة
• تؤدي إلى:
o تضخيم البصمة الكربونية للمنتج
o رفع تكلفة الشهادات المطلوبة
الربط بسوق EU ETS
مع متوسط سعر كربون يتراوح بين 80–100 يورو/طن CO₂ خلال 2025، فإن أي زيادة افتراضية في الانبعاثات تنعكس مباشرة كخسارة مالية على المستورد، وبالتالي على المنتج المصدّر.
ثالثًا: التأثير المباشر على القطاعات المصرية
قطاع الحديد والصلب
• مصر تُصدّر كميات معتبرة من حديد التسليح ومنتجات نصف مصنعة إلى أوروبا
• متوسط كثافة الانبعاثات:
o أفران القوس الكهربائي EAF : 0.6–0.9 طن CO₂/طن
o الأفران العالية BF : 1.8–2.2 طن CO₂/طن
المشكلة الكبرى:
• غياب قيم افتراضية مخصصة لمصر
• في حال عدم تقديم بيانات فعلية:
o قد تُطبق قيم لدول ذات كثافة أعلى
o ما يرفع التكلفة الكربونية للطن بأكثر من 70–100 يورو
• هذا قد يُفقد الحديد المصري ميزة السعر بالكامل أمام المنتج الأوروبي
قطاع الألومنيوم
• من أكثر القطاعات حساسية للكربون
• كثافة الانبعاثات تعتمد على:
o مصدر الكهرباء
• متوسط عالمي:
o من 12 إلى 16 طن CO₂/طن ألومنيوم
في الحالة المصرية:
• الاعتماد على شبكة كهرباء ذات كثافة كربونية متوسطة–مرتفعة
• استخدام القيم الافتراضية قد يؤدي إلى:
o مضاعفة التكلفة الكربونية
o تحميل المنتج المصري تكلفة إضافية قد تتجاوز 1,200–1,500 يورو/طن
قطاع الأسمنت
• يمثل تحديًا هيكليًا:
o انبعاثات عملية Clinker
o لا يمكن خفضها بالكامل تقنيًا
• متوسط الانبعاثات:
o 0.8–0.9 طن CO₂/طن أسمنت
التأثير المتوقع:
• رغم أن الأسمنت أقل تصديرًا، إلا أن:
o أي تصدير مستقبلي أو منتجات مشتقة
o سيواجه تكلفة كربونية مرتفعة
• غياب بيانات فعلية = خروج شبه كامل من السوق الأوروبية
قطاع الأسمدة
• الأسمدة النيتروجينية مرتبطة بالغاز الطبيعي
• متوسط الانبعاثات:
o 1.6–2.0 طن CO₂/طن أمونيا
الخطر:
• القيم الافتراضية للمواد الأولية Precursors
• خاصة في حال عدم وضوح مصدر الغاز
• قد ترفع البصمة الكربونية للأسمدة المصرية بنسبة 30–40%
رابعًا: الغرامات غير المباشرة وفخ التحقق
بدءًا من يناير 2026:
• الالتزام المالي تدريجي:
o 2.5% في 2026
o وصولًا إلى 100% في 2034
• فشل التحقق أو تجاوز خطأ 5%:
o رفض البيانات
o فرض القيم الافتراضية
• ما يعني:
o خسارة مالية مؤكدة
o حتى لو كانت الانبعاثات الحقيقية أقل
خامسًا: ماذا يعني ذلك لمصر؟
المسألة لم تعد بيئية فقط، بل:
• قضية تنافسية صناعية
• قضية أمن اقتصادي
• قضية سيادة تنظيمية
القطاعات المصرية لا تعاني من ضعف تقني بقدر ما تعاني من:
• غياب أنظمة MRV المعتمدة
• نقص التحقق الدولي
• التأخر في إعداد Monitoring Plans
الحل يكمن من الدفاع إلى المبادرة
ما حدث في 17 ديسمبر 2025 هو إعادة تعريف لقواعد اللعبة.
والسؤال لم يعد: هل نلتزم؟
بل: كيف نلتزم دون أن نخسر؟
الحل الوحيد لتجنب الخسارة هو:
• بناء أنظمة قياس دقيقة
• توثيق البيانات الفعلية
• التحقق الدولي
• وخفض الانبعاثات حيثما أمكن
