المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

  • ×
الإثنين 24 نوفمبر 2025
حين يصرخ الأبناء بصمتهم:  قراءة في جذور العقوق وتربية المراهقين
حامدالطلحي - سفير غرب
بواسطة : حامدالطلحي - سفير غرب 23-11-2025 11:59 مساءً 279
المصدر -  
لا يولد الابن عاقًّا، ولا تُخلق القسوة في قلب المراهق بين ليلة وضحاها. فغالبًا ما يبدأ الشرخ داخل الأسرة من تفاصيل صغيرة لا ينتبه لها الوالدان: كلمة قاسية، تعاملٌ متوتر، أو شعورٌ متكرر لدى الابن بأن رأيه لا قيمة له، وأن صوته لا يتجاوز حدود غرفته. وفي مرحلة المراهقة خصوصًا، تزداد حساسية الأبناء تجاه هذه الممارسات، فيبحثون عن مساحة شخصية تُشعرهم بأنهم جزء من القرار لا مجرد متلقين له.

يحدث كثيرٌ من العقوق بسبب غلظة أحد الوالدين أو تشددهم الزائد، حتى وإن كان ذلك بدافع الحرص والخوف. فبعض الآباء يظنون أن الشدة هي الطريق الأمثل للتربية، وأن الصمت حكمة، وأن المنع حماية. لكن الأبناء في زمنٍ تتسع فيه آفاق الوعي يقرأون هذه التصرفات بشكل مختلف؛ فيشعرون بالحصار، وبفقدان الثقة، وبأنهم مقيدون داخل البيت الذي يفترض أن يكون أوسع الأمكنة صدرًا.

المراهق لا يتمرد لأن شخصيته متمردة بطبيعتها، بل لأنه يحاول باجتهاده الفطري أن يعثر على ذاته، وأن يؤكد استقلاليته، وأن يقول: «أنا هنا… أرجو أن تسمعوني». وهنا تكمن مسؤولية الوالدين: أن يوفّروا مساحة آمنة للحديث، وأفقًا للحوار، وبيئة تسمح للابن
أو الابنة بأن يخطئ ويتعلم، لا أن يُحكم عليه مقدمًا لمجرد أنه لم يعد طفلًا.

التربية السليمة
لا تعتمد على قوة اليد بل على قوة القلب. فالاستماع قبل الحكم، واللين قبل العصبية، والاحتواء قبل العقاب؛ كلها مفاتيح تُقوي العلاقة بين الوالدين وأبنائهم. ولعل من أجمل الدروس التي يقدمها القرآن قوله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ، فما بالك لو كان الحديث عن أبنائنا؟

إن عقوق الأبناء في كثير من الحالات ليس تمردًا مقصودًا، بل صرخة ألم غير منطوقة. صرخة من مراهق يشعر بأنه غير مرئي، أو من ابنة تشعر بأن رأيها يُقابل بالرفض قبل أن يُسمع. وقد يكون الأب القاسي في حقيقة الأمر خائفًا، والابن العاق مجروحًا، وبين الخوف والجرح تتسع الفجوة إن لم تُرمَّم بالحوار.

ولا يزال الوقت مناسبًا دائمًا لإعادة بناء الجسور داخل الأسرة. فالكلمة الطيبة تُعيد الابن إلى حضن والديه، والاعتذار إن لزم يرفع قدر الوالد لا ينقصه، والاحتواء يعيد للبيت دفئه.

ختامًا:
تربية المراهقين ليست صراع سلطة، بل شراكة في رحلة حياة. والعقوق ليس بداية الحكاية بل نهايتها؛ نهايةَ غرسٍ يحتاج إعادة تهذيب، وبيتٍ يحتاج إلى المزيد من الحوار، وأبناءٍ ينتظرون أن تُفتح لهم نافذة الضوء ليعودوا إليها بقلبٍ أجمل وروحٍ أهدأ