المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 26 أبريل 2024
غازي بن نايف- الشرقية
بواسطة : غازي بن نايف- الشرقية 15-07-2017 04:16 صباحاً 35.0K
المصدر -  

( غرب مع المبتعثين ) .. حلقة الوصل بين المبتعثين والمبتعثات في شتى أنحاء العالم .. لهذا نحن فيها "منكم ولكم" ومن خلال السطور التالية ندعوكم للتعرف عليهم وعلى سيرتهم وللإطلاع على تجاربهم المنوعة في الإبتعاث ..

نائلة حسن القاضي - مبتعثة وطالبة دكتوراه في جامعة هُل ببريطانيا - تخصص إدارة موارد بشرية

مقاتلة في ساحة المعركة ..

مسيرتي العلمية أستطيع أن أصفها بالمقاتل في ساحة المعركة ، تخللتها العديد من العوائق والتحديات والنجاحات إلى أن وصلت إلى محطتها الأخيرة الآن في بريطانيا لإكمال مرحلة الدكتوراه ورحلة البحث العلمي.

مسيرة عطاء ..

عندما كنت في مرحلة البكالوريوس .. عملت لفترة أشهر في مكتبة جامعة أم القرى ، في ( فهرسة الكتب ) بعدها أصبح كعمل جزئي أتقاضى عليه مكافأة شهرية بقيمة ٥٠٠ ريال .. تعلمت المسئولية والانضباط ، علاوة على ذلك التواصل مع الموظفات والتعلم من خبراتهم .. أستطيع أن أقول منذ تلك اللحظة أصبحت بيني وبين المكتبة والكتاب علاقة قوية امتداداً من تلك الفترة إلى مكتبتي الشخصية المتواضعة إلى مكتبة جامعة هُل.

بين كندا وبريطانيا .. وبدايات الإبتعاث ..

تجربتي الأولى في الإبتعاث كانت في كندا / تورنتو - وهي من التجارب الثرية التي صقلت شخصيتي ومعرفتي ، ولا سيما أنه كان يغلب على مدينة ترونتو الجنسيات من شرق آسيا .. مما أعطى المدينة الهدوء والراحة واللطف في التعامل ... تتبعت طريقة حياتهم ووجدتها بسيطة ومحترمة وغامضة جدا ً... هذا الشعب اللطيف لا يؤذي أحداً حذّر في تعاملة ، أنيق ومهذب في محطات القطارات وفي داخلها لا يُسمع لهم صوت ، كنت أخرج من منزلي متجهة إلى المحطة لأجد أمامي صفاً طويلاً منظماً بشكل دقيق في انتظار الحافلة ، حتى أنني كنت أنظر إلى موضع قدمي ، هل هي في نفس مسار الشخص الذي قبلي؟ .. بدون صوت أو حركة أشبه باصطفاف عسكري، لا أسمع سوى صوت رقم الرحلات المنادى لها في الدور السفلي للقطارات .. في البداية كان الأمر بالنسبة لي مسلٍ ثم بعد ذلك* تعايشت وأدركت جمال ذلك السلوك ، كذلك المهاجرون والزائرون والطلبة الدوليين تعايشوا مع هذا النمط من الحياة وأصبحت ممارسة رائعة .

إنتقالي إلى بريطانيا .. ومشاهد مختلفة ..

ثم انتقلت إلى بريطانيا حقيقة لم يجذبني سوى محيط الجامعة ، هو محيط فكري صحي جداً..

المجتمع البريطاني أستطيع أن أقسمه إلى قسمين: قسم مفكر محترم ، وقسم عنصري*، وفي كلا الحالتين التعامل بحذر والاحترام هو الأسلم هذه سياستي حتى عندما تُقدم لي إساءة مباشرة أو غير مباشرة.

بالنسبة لمدينة هلُ/ مدينة هُل صوت النوارس وحبات المطر ترسم خارطة الطريق إلي المارينا امتداداً لنهر الهمبرإلى تراقص الفراشات على إيقاع الموسيقى وسط المدينة بين المتاحف ومبنى البلدية* ، هاربة من خطوات المارة تختبئ بين الأشجار، إنها مدينة الصمت حينما يحين الصمت ومدينة الفرح حينما يحين الفرح.. ولعل الحراك الثقافي الذي كان بمطلع ٢٠١٧ ولقبها بلقب عاصمة الثقافة ألبسها حلية جديدة مختلفة تماماً عن ذي قبل.

هذه هي قيمة الإبتعاث ..

الابتعاث هي تجربة ثرية ورحلة تضيف للطالب قيمة ثقافية معرفية وعلمية ، متى ما أراد الطالب أن يستقي منها !

ربما اختصر ذلك بسؤال نحتاج جميعنا أن نطرحه على أنفسنا: بماذا سنعود من هذه الرحلة؟ أجزم تماماً أن حمل حقيبة السفر هي أثقل حمل قد تحمله لرحلة طويلة ، لأننا نحمل معها الخوف والأمل ، الدين والمبادىء .

تجربتي في الإبتعاث كانت مليئة بالأحداث الفرحة والحزينة .. التحديات كثيرة سوف أذكر أهمها:

  • أولاً: هي مرحلة اللغة "ممارسة اللغة" انطوائي في بداية رحلة الابتعاث كان عاملاً كبيراً في إحباطي بالتدريج استطعت أن أتغلب على هذه الصعوبة إلى أن انتهى بي الأمر إلى كسب هذا التحدي وتجاوز هذه المرحلة، ربما لا يعلم الكثير أن الطالب المبتعث يعاني الأمرين بين النجاح والخوف من الفشل والعودة، وبكل شفافية المجتمع من حولنا كان يمتلك هذا السياط والانتظار والتربص لحمل الحقائب والعودة.
  • ثانياً: كان دوري كأم وممارسة أمومتي وواجبي نحو ابني كان مهماً جداً وأخاف أن أفشل في هذا الدور بين توفير الرعاية التامة الجسدية والنفسية، وأعتقد أن هذا الدور تدركه تماماً الأم الطالبة عندما تكون في بلد الابتعاث بدون وجود الجو الأُسَري .في يوم من الأيام في حديث لطيف بيني وبين مشرفتي التي عبرت فيه عن احترامها للفتاة السعودية ، وكيف تقدر إصرارها وتعايشها وحفاظها على مبادئها، لم يكن هذا الحوار عادياً جداً حيث أنني استطعت من خلال مقابلتي معها والانضباط في المواعيد أن أنقل لها هذه الرسالة الإيجابية عن الفتاة السعودية.
  • ثالثا: استطعت خلال تواجدي في كندا وبريطانيا أن أكون مجموعة جيدة من الأصدقاء الكنديين والبريطانيين وجنسيات أوروبية ومن شرق آسيا وجنسيات أخرى، وما أود أن أوضحه هنا لم يكن ذلك هدفي في الدرجة الأولى ولكن كانت بيئة الجامعة قد خلقت هذا التعارف والتعايش. المعرفة وطلب العلم كانتا دافعاً قوياً لإيجاد هذه الصداقة ، فجميعنا كنا تحت مظلة طلب العلم حتى استطعت أن ألمس ثقافة كل مجتمع وكل بيئة وأعزز هذا التعارف بتقديم عربون من السلام والحب من فتاة مسلمة ومن ثقافة وبييئة مختلفة تماماً عنهم ، أما بالنسبة لأصدقائي خارج الجامعة الصدفة جمعتني بهم وربما كان درس المعلم الكندي "داني" عندما قال للطلبة الدوليين أفضل نقاش في الخارج هو عن حالة الطقس اليومية! هذا الدرس قد جعل لدي العديد من الأصدقاء حيث أن الصداقة هنا مختلفة تماماً يسودها الإحترام الشديد والتقدير وخاصة صداقة كبار السن أو المثقفين . التعامل معهم بحدود وباحترام هذه معايير جميع صداقاتي معهم.

هذه المواقف اثرت بي ..

مررت بعديد من المواقف التي أثرت بي خلال فترة إبتعاثي .. أبدأ بآخرها وفاة أحد العزيزات على قلبي"ابنت عمتي" ولأسباب قاهرة لم أستطع العودة إلى الوطن لوداعها.

وموقف آخر هو تعرض أختي لحادثة خلال إجرائها إحدى التجارب العلمية في مختبر الجامعة.

اللغة الفرنسية .. وأهداف وطموحات ..

تعلم اللغات هو أحد أهدافي والحمدلله قد بدأت ، فكانت اللغة الفرنسية بالنسبة لي أجمل خطوة أقدمت عليها خلال وقت فراغي في رحلة الدكتوراه تلقيت هذا الكورس في معهد الجامعة ومازلت في البداية. واجهت الكثير من الانتقادات التي لا تؤيد دراسة لغة أخرى بدون تركيز على اللغة الانجليزية وكنت تماماً أرفض هذه الفكرة لأنني في رحلة الدكتوراه أقرأ وأكتب وأستمتع باللغة الانجليزية ، ولأن دراستي للغة ثالثة يمكنني أيضاً أن أقارنها باللغة الأم ثم بالإنجليزية في الأخير المعرفة وطلب العلم لا يحتاج إلى تعقيد وسوف يجني ثماره إذا أدرناه بطريقة مجدية ومفيدة.

الفن والرسم والكتابة .. ومواهب متعددة ..

الفن والرسم هما أجمل ما أمارسهما في وقت الفراغ ، حالياً أحاول أن أطور دروس البيانوعن طريق اليوتوب بعدما توقفت عن الدروس الخصوصية.

ومنذ المرحلة الابتدائية كنت مهتمة جداً بالفنون من ضمنها التطريز والرسم والنحت والتصميم ، استمر هذا الاهتمام إلى وقت معين ولم يُدعم بما فيه الكفاية .. وتوقفت ولكن كان لدي حس عالٍ حول هذه الفنون ، بعدها عادت تلك الطاقة بالتحديد في مرحلة الثانوية العامة ، تحديداً في أزمة الخليج عندما انتقلت صديقتاي من السعودية إلى اليمن فتأثرت جداً وانطويت ، كانت بداية بألوان الفحم .. بعدها ارتبط الرسم لدي بالعاطفة فهو من أجمل الطرق لتفريغ شعور الألم أو حتى شعور الفرح ، وامتد معي حتى في مرحلة الابتعاث.

السيد العجوز جون .. وهديتي له ..

من خلال الفن استطعت أن استثمر موهبتي هنا في إسعاد الآخرين برسمهم، ورسمت العديد من الشخصيات البسيطة واهديتهم إياها بمقابل إسعادهم ، أحدهم السيد العجوزجون يبيع المجلات في احدى زوايا مكتبة Waterstones *في قلب مدينة هُل واعتبره أحد أصدقائي الطيبين .. ورسومات أخرى قدمتها للبعض .. هذه من أجمل ما قدمته هنا لبعض البريطانيين ومازلت على تواصل معهم .

خواطري من خلال صوتي ..

في لحظة الفراغ أسجل صوتيات مما أكتب أو بعضاً مما أقرأ ربما أحاكي مشاعر البشر .

وفي الحقيقة ربما أحببت هذه التسجيلات لارتباطي بالمايك والإذاعة الصباحية منذ مرحلة الابتدائية.

تسويق رؤية ٢٠٣٠ ببلد الإبتعاث .. ومساهمة المبتعثين ..

يستطيع جميع المبتعثين المساهمة في التسويق عن رؤية ٢٠٣٠ في بلد الابتعاث من خلال المحاضرات والندوات أو من خلال بعض الملتقيات الثقافية، وبالفعل في عام ٢٠١٦ كان هناك بادرة قامت بها سفارة المملكة العربية السعودية بالتعاون مع الملحقية السعودية بلندن في بعض الجامعات البريطانيا بالتسويق عن الرؤية ٢٠٣٠. وكان برنامجاً ناجحاً ، حيث شارك فيه المبتعثون بعرض الرؤية في معظم الجامعات البريطانية وبحضور الهيئة التعليمية والطلبة الدوليين.

جودة التعليم البريطاني ..

في بريطانيا نلحظ الاهتمام بالتعليم وتقديم السلوك على العلم ، ويتضح ذلك في التقارير المدرسية ، أيضاً تشجيع الطالب على التأليف والنشر خاصة في الصفوف الابتدائية ، فمثلاً في مدرسة ابني تعلن مسابقة سنوية في كتابة قصة ونشرها ، وقد حضيت قصة ابني بالنشر مع مجموعة من الطلبة في المنطقة ، كذلك الإهتمام بالتفكير والابداع ملموس منذ المراحل الابتدائية ، وهذه التجربة أتمنى بالفعل تطبيقها في نظام التعليم لدينا كما أن هذه المرحلة بالتحديد لو وجدت العناية والاهتمام بالقراءة والكتابة والنشر لنشأ جيل مفكر مبدع.

نحتاج تطبيق هذه التجربة في المملكة ..

نظام المواصلات في بريطانيا يسير بسهولة جداً في القطارات والحافلات ، بكل تأكيد نحتاج نقل هذه التجربة في كل مدينة في المملكة العربية السعودية.

هذه هي مشاريعي القادمة ..

من أهم أهدافي المستقبلية إن شاء الله تعالى وفعلاً بدأت بها هي الاهتمام بالبحث والنشر العلمي والثقافي ، كما أن تجربة ابتعاثي حفزت لدي هذا الجانب سائلة المولى عز وجل التوفيق والنجاح.

رسالتي عبر ( غرب مع المبتعثين ) ..

من هذا المنبر أحث نفسي وجميع المبتعثات والمبتعثين على الصبر ومواجهة التحديات خلال مرحلة الدراسة وحسن الظن بالله ، النجاح ثماره حلوة المذاق ولكن تحتاج إلى جهد لقطفها ، أيضاً التوازن بين الهدف الرئيسي الذي قدمنا من أجله والأعمال التطوعية ولا ننسى الكثيرمما ينتظرنا في أرض الوطن.

كلمة أخيرة ..

لصديقة الغربة " قهوتي: امتزاج الشرق بالغرب "

تحظى حبات البن بالكثير من العناية ابتداء من بذرتها وسحقها وحرقها مرتين إلى لحظة تسلل رائحتها إلى عقولنا وسرقة أفئدتنا وإدمان اللحظة.

هذا الاعتناء له طقوس تختلف باختلاف المكان والزمان والأشخاص والثقافات.

لتمتزج مع لسان العربي والعجمي وغيره .

ولتمتزج بأفكارنا وأحداث يومنا .. ولتمتزج مع عواطفنا السعيد منها والحزين.

كان هذا حواري من شرفتي التي أطل منها في شارع Queens Dock Avenue

في مدينة هُل/ بريطانيا وصباح ممطر يهل بالبشائر ، فجأة عادت ذاكرتي إلى شارع اقلنتن بمدينة تورنتو بكندا، وقهوة العم جميل كندي الجنسية هندي الأصل إنني الآن اشتم رائحتها قهوة ممزوجة بثقافة أخرى مهجنة هجين شرقي غربي.

هذه التفاصيل تستوقفني كثيراً الامتزاج العشوائي والمقصود أيضاً.

كان بداية العناق والإخصاب بين الغربة والتعايش لولادة جديدة للمعرفة والثقافات المتعددة.

كانت ريح من الشمال تهدهد أغصان الأشجار لتنعم بقيلولتها على وجهه قهوتي.