المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 14 ديسمبر 2024
هل تستطيع أوروبا مواجهة تحديات القوة في المرحلة المقبلة؟
د.رشا عُمر باشا- امريكا
بواسطة : د.رشا عُمر باشا- امريكا 10-12-2024 11:10 مساءً 1.8K
المصدر - فايننشال تايمز - رانا فوروهار  
حضرت الأسبوع الماضي اجتماعاً ضم العديد من المثقفين وصناع القرار الأوروبيين في جبال الألب الإيطالية. وعلى الرغم من أن الموضوع الرئيسي كان مستقبل أوروبا، إلا أن جزءاً كبيراً من النقاش انصب على فهم أمريكا في عهد دونالد ترامب. وكيف سيكون الرئيس المنتخب في ولايته المقبلة؟ وكيف سيتغير العالم خلال السنوات الأربع المقبلة؟ وكذلك، كيف ينبغي لأوروبا أن تتفاعل؟ وقد غادرت الاجتماع بشعور بأن الأوروبيين لم يدركوا بعد ثلاث حقائق مهمة:

-أولاً، يفكر ترامب وبعض أعضاء إدارته القادمة ملياً في التحولات الجيوسياسية التي لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من استيعابها بعد.

-ثانياً، مع فك ارتباط الولايات المتحدة بالصين، ستواجه أوروبا ضغوطاً اقتصادية شديدة من جانب بكين.

-وأخيراً، يحتاج الأوروبيون إلى التفكير بدرجة أقل في تفاصيل السياسات، وبشكل أكبر في مسألة القوة.

ولنبدأ بكيفية استعداد ترامب وبعض من أعضاء إدارته الجدد لمستقبل مليء بالانفصال التجاري والحروب التجارية، فرغم وجود اختلافات كبيرة بين المتشددين والآخرين الأكثر تقارباً مع وول ستريت في الإدارة الجديدة، إلا أن هناك اعتقاداً مشتركاً بين الجميع في معسكر ترامب بأن الصين كانت تستفيد بشكل غير عادل من النظام التجاري العالمي، وأنه يجب تصحيح الاختلالات الناتجة عن ذلك.

وهذه ليست وجهة نظر الصقور المشهورين تجاه الصين مثل ماركو روبيو وزير الخارجية القادم أو بيتر نافارو، الذي تم تعيينه مجدداً كمستشار للتجارة والتصنيع بعد قضاء أربعة أشهر في السجن بتهمة ازدراء الكونغرس على خلفية هجوم 6 يناير 2021 على مبنى الكابيتول. بل هي أيضاً رؤية تعكسها ترشيحات مثل تعيين سكوت بيسنت وزيراً للخزانة، بل وحتى إنشاء وزارة كفاءة الحكومة تحت إشراف إيلون ماسك وفيك راماسوامي.

ويعد سكوت بيسنت من الشخصيات التي تدعم بحذر التعريفات الجمركية، وقد أعرب بقوة عن رأيه في تقييم بكين غير العادل لعملتها اليوان. لكن الأهم من ذلك، هو أن بيسنت يعد دارساً للتاريخ. وكما أخبرني أحد المشاركين في المؤتمر والذي عمل معه بشكل مباشر، فإن بيسنت قد درس الفترة من أواخر القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين بعناية، وهي فترة شهدت تحولات جيوسياسية واقتصادية كبيرة، تشبه إلى حد كبير ما نشهده اليوم.

وكما أشار المحلل لوك جرومن أخيراً، «فقد كانت الولايات المتحدة مصنع العالم في عام 1930، بينما اليوم، تعد الصين هي مصنع العالم». وفي الوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة اليوم «هي مزيج من المملكة المتحدة وفرنسا وجمهورية فايمار في ألمانيا في عام 1930».

وتعد أمريكا مركزاً مالياً عالمياً مع عملة الاحتياطي العالمية، لكنها في الوقت نفسه أكبر مدين في العالم، ولديها قاعدة صناعية مدمرة. وتعتقد إدارة ترامب أنه يجب عليها استخدام تهديدات التعريفات الجمركية ضد الصين، لكن فرض تعريفات كبيرة سيكون له آثار تضخمية، وبالتالي تداعياته غير شعبية. لذلك، يتكهن بعض المستثمرين بأن الإدارة ستسعى إلى إضعاف الدولار (وهو ما ألمح إليه بيسنت)، بالإضافة إلى استخدام وزارة كفاءة الحكومة لتقليص نسبة الدين الأمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي. ورغم أن الكثيرين يعتبرون الوزارة الجديدة مزحة، إلا أن استطلاعاً حديثاً من غولدمان ساكس أظهر أن 32% من المشاركين في السوق يتوقعون أن يتم تقليص الإنفاق بأكثر من 100 مليار دولار سنوياً.

ويقودنا هذا إلى الدرس الثاني للأوروبيين، ذلك أنه إذا نجحت الولايات المتحدة في فصل اقتصادها عن اقتصاد الصين دون حدوث تضخم كبير أو انهيار في الأسواق، فإن الاتحاد الأوروبي سيكون أكثر تعرضاً للممارسات التجارية الصينية، وهو أمر مثير للجدل سياسياً بالفعل.

وكما أشار تقرير ماريو دراغي عن تنافسية أوروبا، فإن «الصين تعتمد على الاتحاد الأوروبي لاستيعاب فائض طاقتها الإنتاجية» في مجالات مثل السيارات الكهربائية والتقنيات النظيفة. وإذا أضفنا إلى ذلك انخفاض قيمة الدولار (الذي سيدعم الصادرات الأمريكية مقارنة بالإنتاج الأوروبي) واعتماد الاتحاد الأوروبي على الصين في مجالات مثل المعادن الحيوية، فقد تجد أوروبا نفسها بسرعة في موقع ضعيف للغاية مقارنة بكل من الولايات المتحدة والصين.

وكما قال باسكال لامي، المفوض التجاري السابق للاتحاد الأوروبي، في جلسة رئيسية على المسرح الرئيسي في قمة القارة الكبرى منذ أيام: «الاتحاد الأوروبي قابل للتنبؤ بتصرفاته، وبطيء، وقائم على القواعد. أما ترامب فهو على العكس من ذلك تماماً. إنها مشكلة أن نلعب لعبة مع شخص لا يتبع القواعد نفسها». وبالفعل، فلا يزال الاتحاد الأوروبي يقضي وقتاً طويلاً في الحديث عن «تنفيذ ركائز» مختلفة من «التوجيهات السياسية» المعقدة، بدلاً من التعامل مع الديناميكيات الواقعية التي تعيد تشكيل القارة والعالم.

وهذا يقودنا إلى النقطة الأخيرة، والتي تتعلق بالقوة، فأوروبا اليوم أشبه بشخص أنيق لا يدرك أنه على وشك التعرض للهجوم في زقاق من قبل عصابة من البلطجية. وأوروبا تواجه من جهة، ترامب وماسك، وعمالقة التكنولوجيا الذين بنوا ويمتلكون بشكل متزايد البنية التحتية التكنولوجية لأوروبا، فيما على الجهة الأخرى، هناك بكين، التي قد ينتهي بها الأمر إلى تفريغ صناعة السيارات الألمانية حتى في الوقت الذي تعد فيه بتحسين الوصول إلى السوق للمصدرين الألمان.

وخلال إدارة بايدن، كان قادة الاتحاد الأوروبي في كثير من الأحيان يختبئون وراء مناقشات سياسية تقنية عن طرق ووسائل قواعد التجارة والمنافسة لتجنب مواجهة الحقائق غير المريحة بشأن الممارسات التجارية الصينية ونظام بريتون وودز الذي يحتاج إلى إعادة هيكلة عاجلة. والآن، في ظل الإدارة الثانية لترامب، لن يكون هناك مفر من هذه التحديات ــ ولن يكون هناك شريك جيوسياسي واضح لإصلاح هذه التحديات. وفي حين كان المثقفون يتناقشون في جبال الألب، فقد انهارت الحكومة الفرنسية. ولا شك أن العالم يتغير بسرعة. لكن السؤال هو: كيف ستتفاعل أوروبا؟