المصدر - كتاب تجليات الأسطورة في الشعر المعاصر دراسة في شعر محمد الثبيتي هو الكتاب الذي فاز بجائزة الشاعر محمد الثبيتي في دورتها الثانية فرع أبحاث الشعرية لعام 2014 /2015م عن أطروحته النقدية: "تجليات الأسطورة في الشعر المعاصر دراسة في شعر محمد الثبيتي"، وهي الجائزة الأدبية التي يقيمها نادي الطائف الأدبي بالمملكة العربية السعودية.
وعن فوزه بالجائزة أكد الدكتور إبراهيم الشيخ، أستاذ النحو والعروض بكلية دار العلوم جامعة المنيا، أن الشاعر محمد الثبيتي واحد من شعراء الحداثة الشعرية في المملكة العربية السعودية، استطاع أن يقدم إضافة حقيقية لتجربة الشعر العربي المعاصر، ليس في المملكة العربية السعودية فحسب، بل وفي الوطن العربي أجمع، ولعل في توظيفه للأسطورة العربية وتعامله مع التراث العربي الأصيل خير دليل على ذلك.
ويحاول كتاب تجليات الأسطورة في الشعر المعاصر دراسة في شعر محمد الثبيتي الكشف عن أثر الأساطير في تشكيل الخطاب الشعري في بنية القصيدة العربية المعاصرة عند محمد الثبيتي ،وبيان مدى استفادة الشاعر من مختلف الأساطير في بنائه الشعري.
ويرى الكاتب أن المتأمل في دواوين "الثبيتي" الشعرية يجد أنه يعتمد بشكل كبير على الرموز الأسطورية العربية، وفي المقابل فإنَّ اعتماده على الأساطير الغربية قليل جدًّا، أو يكاد يكون معدومًا؛ وهذا يدل على ارتباط الثبيتي ببيئته العربية، برمالها وصحرائها وجبالها وآبارها ونخيلها وسمائها.
ويشير إلى أن الرمز الأسطوري عند "الثبيتي" يشكل ظاهرة بارزة في بنائه الشعري، فهو يبني من بعض الأساطير نصوصاً شعرية كاملة بما يتلاءم مع تجربته الشعرية المعاصرة، فهو لا ينفك يستلهم الأسطورة العربية؛ ليوظفها في تجربته الشعرية، على أنه يوظف بعض الأساطير من التراث الشعبي، ويستخرج من كنوز التراث العربي والإنساني ما يغني به تجربته المعاصرة.
ويتمثل حرصه على الانتماء إلى الوطن العربي من خلال استلهامه الأسطورة العربية سواء على المستوى التاريخي أو على المستوى المكاني المتمثل في اقتباساته لمعجم الصحراء، بل إنَّ عنوان ديوانه: (التضاريس) هو اقتباس لأسطورة المكان العربي (الصحراء)، فقد ارتبط بلغة الرمل ومفردات البيئة الصحراوية ارتباطًا شديدًا.
ومحمد الثبيتي يستخدم الرموز الأسطورية؛ لكي يبعث فيها القدرة على تشخيص الواقع المعاصر وتجسيده، ثم معالجة هذا الواقع من خلال دلالة الأسطورة على تطلعات المستقبل وآماله في إشراق يوم جديد تنعم فيه الإنسانية بالحب والحرية
مكونات الكتاب:
اشتمل الكتاب على مقدمة وتمهيد ،وسبعة فصول وخاتمة، وفيما يلي عرض موجز لهذه المكونات.
المقدمة:
تناول فيها الكاتب موضوع الدراسة، وأهميته وأهدافه، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة، والأسئلة التي أجابت عنها الدراسة، وأبعاد الدراسة، ولقد بين الكاتب أن هذه الدراسة تطمح إلى استقراء تجليات الظاهرة الأسطورية في شعر محمد الثبيتي ،وقد أصبحت قضية تواصل الشعراء المعاصرين مع التراث الأسطوري بأنواعه المختلفة قضية محوريات وأبحاث ،وبحاجة إلى دراسة تكشف أصولها ،وتحدد قيمتها الفنية ،ومن هنا جاءت أهمية هذه الدراسة النقدية في أبحاث الشعرية ؛للكشف عن القيمة الفنية للأسطورة في شعر محمد الثبيتي كشاعر معاصر من شعراء المملكة العربية السعودية ،وقد شكل شعره مادة خصبة للأسطورة عمومًا، والأسطورة العربية على وجه الخصوص، فقد تواصل الثبيتي مع كثير من الرموز والشخصيات الأسطورية العربية من خلال دواوينه الشعرية.
وتأتي أهمية هذه الدراسة من كونها أول محاولة نقدية تتناول الأسطورة في شعر محمد الثبيتي، حيث تحاول أن تستكشف الجوانب الأسطورية في شعره ،فلا يكاد يخلو ديوان من دواوينه من الرموز الأسطورية، أو من تضمين خلفيات أسطورية، ومن ثم باتت الأسطورة في شعره في حاجة ماسة إلى بحث يعمق دلالتها اللغوية ،ويكشف أسرارها الفنية ،ويحدد مرجعياتها الفكرية والحضارية.
وفي التمهيد:
بين الكاتب أن محمد الثبيتي متنوع المشارب ،مختلف المنهج، مما ممكن له تكوين صوت شعري مميز، له حضوره في الساحة الشعرية السعودية، وقد كُتِب لشعره السيرورة؛ لفرادة نصوصه، ومفرقتها لغيرها .وأن الثبيتي استطاع أن يقدم إضافة حقيقية لتجربة الشعر العربي المعاصر، ولعل في توظيفه للأسطورة العربية، وتعامله مع التراث العربي الأصيل خير دليل على ذلك.
لقد مثلت قصائده حداثية متطورة ،مشوبة بنكهة اللغة البدوية، أو سمات الصحراء، وقد ظل الثبيتي ممزوجا بروح بدوية واضحة.
وفي الفصل الأول:
الأسطورة: بين الكاتب المقصود بالأسطورة حيث يرى أن الأسطورة قصة مجازية أو رمزية تتضمن أحداثًا خارقة للطبيعة، وتجمع بين الفكر والخيال، وترجع إلى فلسفة العصر الذي نسجت أحداثها فيه، وتتميز بعمقها الفلسفي، وتتناقلها الذاكرة البشرية عبر الأجيال جيلا بعد جيل، وهي تشمل الحكايات الخاصة بتفسير الكون وأسرار الحياة.
وبين أن توظيف الأسطورة في الخطاب الشعري له قيمة فنية عظيمة في إكساب النص الشعري دلالات إضافية جديدة ما كان النص الشعري ليحملها لولا هذا الإدخال الموروثي الجديد إليه، فالأسطورة تعزز جو الصراع الدرامي في بنية النص الشعري ،وتدفعه بشكل أو بآخر إلى طرح بعض الرؤى والدلالات الفنية الجديدة.
وأشار إلى أن الشاعر العربي المعاصر إنما يقوم بتوظيف الأسطورة في شعره؛ لأنه يريد أن يتكلم من ورائها ،وأن يعبر عن واقعه من خلالها، ولا شك أن توظيف الشاعر المعاصر للأسطورة يربطه بالتراث ؛لأن استحضار الأسطورة في ذهن الشاعر المعاصر يعني عودته إلى التاريخ، ومن ثم رأى الشاعر المعاصر في الرمز الأسطوري هروبا من الواقع المؤلم، وبحثا عن الحرية المأمولة عبر الدلالات السياقية والفنية للأسطورة التي يستخدمها.
وقد أفادت القصيدة العربية المعاصرة أبعادًا جديدة حينما استندت إلى الأسطورة، واستفادت منها لغتها وفكرته خاصة ما فيها من معان عميقة توفر للقصيدة تعبيرها الرمزي الغني بالطاقات الثورية المتجددة؛ مما جعل شعراء الحداثة العربية يقصدون المنابع الأسطورية مستكشفين أبعادها الوجودية الفلسفية، وإن توظيف الشعراء العرب للأسطورة والرموز الأسطورية منذ مطلع القرن العشرين ليس أمرًا جديدًا، خاصة الرموز التي تنتمي إلى حضارتهم القومية، وإلى الحضارات الإنسانية الأخرى.
وتناول في الفصل الثاني:
قراءة في أسطورة الثبيتي: حيث بين أن الأسطورة غدت عند الثبيتي ركنا بارزا في بنائه الشعري بأنواعها المختلفة في قصائده الشعرية.
فلقد تعامل الثبيي مع أساطير متنوعة فقد استقى مادته الأسطورية من منابع التراث العربي الأصيل مثل (عنترة بن شداد ، وحرب البسوس وداحس والغبراء وزرقاء اليمامة) وبعضها خرافي مثل أسطورة (الفينق والعنقاء) وبعضها شعبي مثل (شهرزاد والسندباد البحري)
ويحاول محمد الثبيتي من خلال توظيفه الأسطورة، أن يقدم الواقع العربي في صورة أكثر وضوحًا من خلال رمزية الأسطورة فأكسبت الأسطورة قصائده أبعادًا درامية عميقة فقد أعطتها مزيدًا من الدلالات الرمزية التي تعبر عن الواقع المعاصر ومشكلاته، وتعبر عن طموحات الشاعر في استشراف غد أفضل محمل بالأمل والطموحات.
وقد جاءت لفظة الأسطورة في شعر محمد الثبيتي مرة واحدة في ديوانه (التضاريس)، قصيدة: التضاريس ،وبالتحديد في المقطع الرابع منها، وهو بعنوان الصعلوك، يقول:
من يقاسمني الجوع والشعر والصعلكة من يشاركني نشوة التهلكة؟
أنت أسطورة أثخنتها المجاعات قل لي: متى تثخن الخيل والليل والمعركة
وقد جاءت لفظة الأساطير ثلاث مرات في دواوين الشاعر :في ديوانه (التضاريس) قصيدة التضاريس ،وفي ديوانه (تهجيت حلما تهجيت وهما) قصيدة شهرزاد والرحيل في أعماق الحلم ،وفي ديوانه (عاشقة الزمن الوردي) قصيدة (عاشقة الزمن الوردي)
وقد جاءت لفظة أسطوري مرة واحدة في ديوانه (عاشقة الزمن الوردي) قصيدة قراءة سابعة
وقد أصبحت الأسطورة جزءا من وعي محمد الثبيتي في تجربته الشعرية، بل إنها أصبحت بنية درامية راسخة في النسيج اللغوي لشعره حيث تنوعت مصادرها في شعره ما بين الأسطورة البابلية، والأسطورة العربية والأسطورة الشعبية التراثية وغيرها من الأساطير الأخرى ،وتنوع توظيف الأسطورة في شعره فمرة يكون توظيفها على وجه التصريح بالشخصيات والأماكن الأسطورية ،ومرة أخرى يكون توظيفها على وجه التلميح دون التصريح.
لقد أكثر محمد الثبيتي من استخدام الأسطورة والرمز وخاصة في ديوانه التضاريس، والتضاريس هي القصيدة الأولى في ديوانه الثالث (التضاريس)، والذي يتكون من خمس قصائد هي على الترتيب: التضاريس، تغريبة القوافل، المطر، هوازن فاتحة القلب، آيات لامرأة تضيء، الأسئلة) وتتكون قصيدة التضاريس من تسعة مقاطع، هي: (ترتيلة البدء، القرين، المغني، الصعلوك، الصدى، الفرس، البابلي، البشير، الأجنحة) ويتضح من هذه المقاطع كثرة تعامل الشاعر مع الشخصيات الأسطورية التي تضفي جوا أسطوريا ذات ملمح خاص على الجو العام لنص القصيدة.
ودار الفصل الثالث حول توظيف الشخصيات الأسطورية: أسطورة (عنترة بن شداد، أسطورة السندباد، أسطورة شهر زاد، فلقد وفق محمد الثبيتي توفيقًا كبيرًا في توظيف شخصية عنترة الأسطورية، بعد أن وجد في كل ملمح من ملامحها مقابلا لبعد من أبعاد تجربته الشعرية؛ فتم الامتزاج الكامل بين الشخصيتين ،ونجح محمد الثبيتي في أن يجعل من شخصية عنترة بن شداد إطارا لتجربته المعاصرة دون أن نحس بأن الشخصية مقحمة على تجربة الشاعر على سبيل استظهار الثقافة أو التعامل معها تعاملا سطحيا، وهذا هو دور الشعراء في التعامل مع التراث.
ويعد محمد الثبيتي بحق أحد الرواد في المملكة العربية السعودية بل في الوطن العربي في استخدام (أسطورة السندباد) فهو يتخذ أسطورة السندباد قناعا له ليوجهه بما يخدم تجرته الشعرية المعاصرة، وقد استطاع وبكل براعة توظيف رمز السندباد في شعره توظيف دراميا ينم عن حسه المرهف في استخدام الأسطورة.
أما شهرزاد فهي من أهم الرموز الأسطورية الموظفة في الشعر العربي المعاصر، وتتجلى أسطورة شهرزاد في تجربة محمد الثبيتي الشعرية في قصيدته شهرزاد والرحيل في أعماق الحلم، وهي شخصية استلهمها الثبيتي من الأساطير التراثية الشعبية فهي الراوي لقصص ألف ليلية وليلة.
وقد وظف الثبيتي الرمز الأسطوري لشخصية شهرزاد لينأى بقصيدته عن الخطاب المباشر، فالقناع الأسطوري يمكن أن يقدم بنية ظنية تقدم واقعًا لواقع مرفوض ينبذه الشاعر المعاصر، ومن ثم جاز للشعراء المعاصرين استمداد نماذج لأقنعتهم من التراث الشعبي الفولكلوري كما فعل محمد الثبيتي مع السندباد وشهرزاد في قصيدته شهرزاد والرحيل في أعماق الحلم، ويعد توظيف الأسطورة أبرز سمات التجربة الشعرية لدى محمد الثبيتي، فالشاعر مولع في نصوصه الشعرية بتوظيف الشخصيات التراثية العربية وإضفاء الخلفية الأسطورية عليها.
وأما الفصل الرابع فقد عرض لتوظيف الأحداث الأسطورية: من خلال تناوله لأسطورة (زرقاء اليمامة) وأسطورة بني هلال وكفاحهم في البحث عن الماء حيث وظف الشاعر محمد الثبيتي أسطورة (زرقاء اليمامة) في قصيدته (تغريبة القوافل والمطر، من ديوانه التضاريس، وزرقاء اليمامة امرأة نبهت قومها إلى الخطر قبل وقوعه، ولكنهم لم يسمعوا لها، فكان الهلاك مصيرهم.
ويتكئ محمد الثبيتي كثيرًا على التراث العربي، ويستلهم الأسطورة من منابع التراث ،لارتباطه الوثيق بتراث أمته العربية ،وهو في ذلك يختلف عن كثير من الشعراء المعاصرين الذين ينكبون على الأساطير الغربية والأجنبية بخلاف الشاعر السعودي الذي يرى في تراثه مجدًا لأمته في الماضي والحاضر، ولعل توظيف الثبيتي لأسطورة (زرقاء اليمامة) خير شاهد على ذلك، فقد استقى محمد الثبيتي رموزه الأسطورية من منابع التراث العربي الأصيل.
لقد استدعى الشاعر محمد الثبيتي أسطورة بني هلال وقصة كفاحهم في البحث عن الماء والكلأ لما انتشر القحط في أرضهم، وعم الجدب واديهم وذلك في قصيدته (تغريبة القوافل والمطر) من ديوانه التضاريس ،وقد شكلت أسطورة بني هلال في شعر الثبيتي نسيجا لغويا يتلاءم مع بنية النص الشعري من الناحية الشكلية والفنية، حتى غدت الأسطورة بوجه عام من أكثر الظواهر الفنية في شعر محمد الثبيتي.
وكان الفصل الخامس حول تجليات الطائر في الأسطورة: وقد دار هذا الفصل حول أسطورة الفينيق، وأسطورة الغراب، وأسطورة لُبَد، فقد وظف الثبيتي أسطورة الفينيق في قصائده؛ ليرمز من خلالها إلى الانبعاث والتجدد بعد الموت والفناء ،والثبيتي يسقط الرمز الأسطوري المتمثل في طائر (الفينيق/العنقاء) على الواقع العربي الذي تقع منه أجزاء تحت الاحتلال الصهيوني ؛فبعث طائر (الفينيق/العنقاء) في قصائده إنما هو بعث للحرية المنشودة في أرجاء الوطن العربي ،وبعث لعزة الأمة الإسلامية وريادتها للعالم كما كانت من قبل، وكأنه الحلم الحضاري يبعث فيخلق من أنقاضه الحضارات القديمة كأسطورة تخليق طائر الفينيق الجديد من رماد أبيه المحترق.
أما أسطورة الغراب عند الثبيتي فقد تمثلت في نص ترتيلة البدء، وتمثلت في لوحة فنية ذات طبيعة درامية مؤثرة في المتلقي، وقد وفرت الخلفية الأسطورية للغراب في بنية النص الشعري وحدة الانطباع بالاغتراب والقلق الحاجزين بين الإنسان وبين عبوره نحو الحياة الحرة الطليقة.
أما أسطورة لبد وهي كناية عن ضرورة الفناء بعد البقاء ،فقد جاء توظيفها عند الشاعر محمد الثبيتي معينا قويا حيث ساهمت في إحداث نوع من الاتساق والتناغم بين محتويات النص الشعري بما تحمله الخلفية الأسطورية من إيحاءات دلالية، ولم يكن التعامل مع الرمز الأسطوري سطحيا وإنما كان عميقا؛ ومن هنا صارت الدلالات مشحونة بالكثير من الإيحاءات التي يصعب التعرف عليها من الوهلة الأولى.
وكان الفصل السادس عن الأسطورة والظواهر الاجتماعية: واشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: أسطورة الصعلكة،
والمبحث الثاني: أسطورة (العرافة والكهانة)، فأما أسطورة الصعلكة ؛فتناول الثبيتي لها يؤكد ارتباط الثبيتي واتصاله بالتراث العربي، إذ جاء توظيفه لشخصية (السليك بن السلكة ) في القصيدة توظيفًا معبرًا عن التوجهات الدلالية والفنية للقصيدة، وقد عبر محمد الثبيتي من خلال ارتداء قناع الشخصية الصعلوكية عن تجربته الشعرية المعاصرة، وفي هذا نفطة التماس والتواصل بين القديم والحاضر، بين التراث والمعاصرة من خلال الخلفية الأسطورية للشخصية التراثية المعاصرة.
أما عن أسطورة (العرافة والكهانة)، فقد انتقل الثبيتي من خلالها من الواقع العربي إلى الأسطورة، ومن خلال أسطورة (العرافة والكهانة) استدعى الثبيتي الأسطورة العربية لشخصية (زرقاء اليمامة) والتي تهدف إلى أخذ الحذر والحيطة، فقد أخبرت زرقاء اليمامة قومها بقدوم جيش ليغير عليهم، وحذرتهم من المباغتة والمفاجأة ،ولكنهم لم يأخذوا حذرهم ولم يسمعوا لها فهلكوا جميعًا.
ودار الفصل السابع حول:
أسطورة الواقع وفيه تناول الكاتب مبحثين:
الأول عن الشخصيات، والثاني عن الواقع والطبيعة المكانية، ففي الأول تحدث عن شخصية الملك فيصل (رحمه الله) فقد حوله الثبيتي إلى بطل أسطوري بما أضفى عليه الشاعر من صفات أسطورية، ومن هذه الصفات فهو القائد، والقائد هو، وهو الزعيم، والزعامة لا تنفك عنه، يمسح العبرات عن الحزنى ،ويجبر كسر الخواطر (به تمسح العبرات والكسر يجبر) فقد تجلى مع أفعال الحق وصفات الرجولة، كما كان (فذا ضيغم ولي وذا ضيغم أتى ،كبدر تجلى بعد أن غاب آخر).
وأما عن الواقع والطبيعة المكانية ،فمحمد الثبيتي استخدم الرموز الأسطورية في قصائده؛ لكي يبعث فيها القدرة على تشخيص الواقع المعاصر وتجسيده، ثم معالجة هذا الواقع من خلال دلالة الأسطورة على تطلعات المستقبل وآماله في إشراق يوم جديد تنعم فيه الإنسانية بالحب والحرية، والشاعر بحق هو شاعر الرمال والصحراء، فكثيرًا -رغم انتقاله إلى المدينة- ما يتغنى بالصحراء ومفرداتها، فحب الصحراء يسيطر على قلبه، لقد أكثر الثبيتي من رسم المشاهد وحركة الحياة في الصحراء، وحفلت قصائده بمفردات بيئة الصحراء، مثل: القوافل، القهوة، النوق، الشاذلية، الرمال، القيظ، الظعن، المطر، البدو، الرمال، النخل)
نتائج الدراسة:
من أبرز نتائج الدراسة التي توصل إليها الكاتب:
1 - يعد توظيف الأسطورة من أبرز سمات التجربة الشعرية لدى محمد الثبيتي، فالشاعر مولع في نصوصه الشعرية بتوظيف الشخصيات التراثية، وإضفاء الخلفية الأسطورية عليها، غير أن ظاهرة استلهامه للأسطورة العربية تظل الأكثر بروزا في تجربته الشعرية.
2 - أغنت الأسطورة التجربة الشعرية لدى محمد الثبيتي بما أضفت على النص من إيحاءات رمزية وإضفاء أبعاد إنسانية على أغراضه الشعرية.
3 - تميزت التجربة الشعرية لدى محمد الثبيتي بكثرة لجوئه إلى التراث الإنساني، فلغة الأسطورة في شعره تعيدنا إلى أجواء التراث العربي، وقد اشتملت التجربة الشعرية لدى محمد الثبيتي على رموز تراثية متعددة شكلت بنية القصيدة عنده، وجسدت بعمق.
4 - يستلهم محمد الثبيتي الأسطورة من منابع التراث؛ لارتباطه الوثيق بتراث أمته العربية، وهو في ذلك يختلف عن كثير من الشعراء المعاصرين الين ينكبون على الأساطير الغربية والأجنبية بخلاف الشاعر السعودي الذي يرى في تراثه مجدًا لأمته في الماضي والحاضر.
5 - أن محمد الثبيتي يستخدم الرموز الأسطورية في قصائده؛ لكي يبعث فيها القدرة على تشخيص الواقع المعاصر وتجسيده، ثم معالجة هذا الواقع من خلال دلالة الأسطورة على تطلعات المستقبل وآماله في إشراق يوم جديد تنعم فيه الإنسانية بالحب والحرية.
6 - الشاعر محمد الثبيتي يصهر الأصالة بالمعاصرة؛ ليعبر عن معاناة الإنسان، ويتقمص قناع بعض الشخصيات الأسطورية ؛ليظهر المفارقة بين موقفين في زمنيين مختلفين (الماضي /الحاضر)
7 - يستثمر محمد الثبيتي الموروث الأسطوري الذي يتفجر في النص باستدعاء الشخصيات التراثية في البناء الشعري للقصيدة، فهو يبني من بعض الأساطير نصوصًا شعرية بما يتلاءم مع تجربته الشعرية المعاصرة.
8 - برع محمد الثبيتي في استخدام القناع الذي يعد من إنجازات القصيدة المعاصرة، فهو بغوص في أعماق التراث الإنساني باحثًا عن الرموز الأسطورية التي تساعده في إبراز إمكانية انتصار الحياة على الموت.
9 - الكلمة داخل السياق اللغوي للقصيدة تتجاوز المعنى المعجمي إلى أكثر من معنى بحسب السياق العام للنص الشعري ،والقصيدة المعاصرة تعطي للمتلقي مساحة واسعة من التأويلات النقدية ؛لأنها تحاط بدلالات متعددة.
10 - القصيدة عند محمد الثبيتي تعتمد على الأسطورة في بنائها الدرامي لا في مستوى التوظيف للأماكن العربية المشهورة، فهو يوظف التراث في شعره توظيفا دراميا ينم عن حسه المرهف في استخدام الأسطورة العربية من خلال توظيفه للأماكن العربية في المعجم اللغوي لشعراء الجاهلية.
11 - توظيف محمد الثبيتي لأسطورة (الفينق /العنقاء) في قصائده يجعل (القارئ /المتلقي) يدرك أن الثبيتي لم يستسلم بعد للموت ،ولم يطحنه الحزن والألم ؛لأنه يوقن أن (الفينق /العنقاء) سيبعث من رماده مرة ثانية ؛ليكمل مسيرته في الحياة.
12 - حول الشاعر محمد الثبيتي الواقع المعاصر إلى ما يشبه الأسطورة (الخلفية الأسطورية)، فهو بحق صانع أساطير لا وجود لها، حيث يضفي على الواقع لغة الأسطورة من خلال التماهي بين شخصية الشاعر والشخصية الأسطورية المستدعاة من منابع التراث.
وعن فوزه بالجائزة أكد الدكتور إبراهيم الشيخ، أستاذ النحو والعروض بكلية دار العلوم جامعة المنيا، أن الشاعر محمد الثبيتي واحد من شعراء الحداثة الشعرية في المملكة العربية السعودية، استطاع أن يقدم إضافة حقيقية لتجربة الشعر العربي المعاصر، ليس في المملكة العربية السعودية فحسب، بل وفي الوطن العربي أجمع، ولعل في توظيفه للأسطورة العربية وتعامله مع التراث العربي الأصيل خير دليل على ذلك.
ويحاول كتاب تجليات الأسطورة في الشعر المعاصر دراسة في شعر محمد الثبيتي الكشف عن أثر الأساطير في تشكيل الخطاب الشعري في بنية القصيدة العربية المعاصرة عند محمد الثبيتي ،وبيان مدى استفادة الشاعر من مختلف الأساطير في بنائه الشعري.
ويرى الكاتب أن المتأمل في دواوين "الثبيتي" الشعرية يجد أنه يعتمد بشكل كبير على الرموز الأسطورية العربية، وفي المقابل فإنَّ اعتماده على الأساطير الغربية قليل جدًّا، أو يكاد يكون معدومًا؛ وهذا يدل على ارتباط الثبيتي ببيئته العربية، برمالها وصحرائها وجبالها وآبارها ونخيلها وسمائها.
ويشير إلى أن الرمز الأسطوري عند "الثبيتي" يشكل ظاهرة بارزة في بنائه الشعري، فهو يبني من بعض الأساطير نصوصاً شعرية كاملة بما يتلاءم مع تجربته الشعرية المعاصرة، فهو لا ينفك يستلهم الأسطورة العربية؛ ليوظفها في تجربته الشعرية، على أنه يوظف بعض الأساطير من التراث الشعبي، ويستخرج من كنوز التراث العربي والإنساني ما يغني به تجربته المعاصرة.
ويتمثل حرصه على الانتماء إلى الوطن العربي من خلال استلهامه الأسطورة العربية سواء على المستوى التاريخي أو على المستوى المكاني المتمثل في اقتباساته لمعجم الصحراء، بل إنَّ عنوان ديوانه: (التضاريس) هو اقتباس لأسطورة المكان العربي (الصحراء)، فقد ارتبط بلغة الرمل ومفردات البيئة الصحراوية ارتباطًا شديدًا.
ومحمد الثبيتي يستخدم الرموز الأسطورية؛ لكي يبعث فيها القدرة على تشخيص الواقع المعاصر وتجسيده، ثم معالجة هذا الواقع من خلال دلالة الأسطورة على تطلعات المستقبل وآماله في إشراق يوم جديد تنعم فيه الإنسانية بالحب والحرية
مكونات الكتاب:
اشتمل الكتاب على مقدمة وتمهيد ،وسبعة فصول وخاتمة، وفيما يلي عرض موجز لهذه المكونات.
المقدمة:
تناول فيها الكاتب موضوع الدراسة، وأهميته وأهدافه، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة، والأسئلة التي أجابت عنها الدراسة، وأبعاد الدراسة، ولقد بين الكاتب أن هذه الدراسة تطمح إلى استقراء تجليات الظاهرة الأسطورية في شعر محمد الثبيتي ،وقد أصبحت قضية تواصل الشعراء المعاصرين مع التراث الأسطوري بأنواعه المختلفة قضية محوريات وأبحاث ،وبحاجة إلى دراسة تكشف أصولها ،وتحدد قيمتها الفنية ،ومن هنا جاءت أهمية هذه الدراسة النقدية في أبحاث الشعرية ؛للكشف عن القيمة الفنية للأسطورة في شعر محمد الثبيتي كشاعر معاصر من شعراء المملكة العربية السعودية ،وقد شكل شعره مادة خصبة للأسطورة عمومًا، والأسطورة العربية على وجه الخصوص، فقد تواصل الثبيتي مع كثير من الرموز والشخصيات الأسطورية العربية من خلال دواوينه الشعرية.
وتأتي أهمية هذه الدراسة من كونها أول محاولة نقدية تتناول الأسطورة في شعر محمد الثبيتي، حيث تحاول أن تستكشف الجوانب الأسطورية في شعره ،فلا يكاد يخلو ديوان من دواوينه من الرموز الأسطورية، أو من تضمين خلفيات أسطورية، ومن ثم باتت الأسطورة في شعره في حاجة ماسة إلى بحث يعمق دلالتها اللغوية ،ويكشف أسرارها الفنية ،ويحدد مرجعياتها الفكرية والحضارية.
وفي التمهيد:
بين الكاتب أن محمد الثبيتي متنوع المشارب ،مختلف المنهج، مما ممكن له تكوين صوت شعري مميز، له حضوره في الساحة الشعرية السعودية، وقد كُتِب لشعره السيرورة؛ لفرادة نصوصه، ومفرقتها لغيرها .وأن الثبيتي استطاع أن يقدم إضافة حقيقية لتجربة الشعر العربي المعاصر، ولعل في توظيفه للأسطورة العربية، وتعامله مع التراث العربي الأصيل خير دليل على ذلك.
لقد مثلت قصائده حداثية متطورة ،مشوبة بنكهة اللغة البدوية، أو سمات الصحراء، وقد ظل الثبيتي ممزوجا بروح بدوية واضحة.
وفي الفصل الأول:
الأسطورة: بين الكاتب المقصود بالأسطورة حيث يرى أن الأسطورة قصة مجازية أو رمزية تتضمن أحداثًا خارقة للطبيعة، وتجمع بين الفكر والخيال، وترجع إلى فلسفة العصر الذي نسجت أحداثها فيه، وتتميز بعمقها الفلسفي، وتتناقلها الذاكرة البشرية عبر الأجيال جيلا بعد جيل، وهي تشمل الحكايات الخاصة بتفسير الكون وأسرار الحياة.
وبين أن توظيف الأسطورة في الخطاب الشعري له قيمة فنية عظيمة في إكساب النص الشعري دلالات إضافية جديدة ما كان النص الشعري ليحملها لولا هذا الإدخال الموروثي الجديد إليه، فالأسطورة تعزز جو الصراع الدرامي في بنية النص الشعري ،وتدفعه بشكل أو بآخر إلى طرح بعض الرؤى والدلالات الفنية الجديدة.
وأشار إلى أن الشاعر العربي المعاصر إنما يقوم بتوظيف الأسطورة في شعره؛ لأنه يريد أن يتكلم من ورائها ،وأن يعبر عن واقعه من خلالها، ولا شك أن توظيف الشاعر المعاصر للأسطورة يربطه بالتراث ؛لأن استحضار الأسطورة في ذهن الشاعر المعاصر يعني عودته إلى التاريخ، ومن ثم رأى الشاعر المعاصر في الرمز الأسطوري هروبا من الواقع المؤلم، وبحثا عن الحرية المأمولة عبر الدلالات السياقية والفنية للأسطورة التي يستخدمها.
وقد أفادت القصيدة العربية المعاصرة أبعادًا جديدة حينما استندت إلى الأسطورة، واستفادت منها لغتها وفكرته خاصة ما فيها من معان عميقة توفر للقصيدة تعبيرها الرمزي الغني بالطاقات الثورية المتجددة؛ مما جعل شعراء الحداثة العربية يقصدون المنابع الأسطورية مستكشفين أبعادها الوجودية الفلسفية، وإن توظيف الشعراء العرب للأسطورة والرموز الأسطورية منذ مطلع القرن العشرين ليس أمرًا جديدًا، خاصة الرموز التي تنتمي إلى حضارتهم القومية، وإلى الحضارات الإنسانية الأخرى.
وتناول في الفصل الثاني:
قراءة في أسطورة الثبيتي: حيث بين أن الأسطورة غدت عند الثبيتي ركنا بارزا في بنائه الشعري بأنواعها المختلفة في قصائده الشعرية.
فلقد تعامل الثبيي مع أساطير متنوعة فقد استقى مادته الأسطورية من منابع التراث العربي الأصيل مثل (عنترة بن شداد ، وحرب البسوس وداحس والغبراء وزرقاء اليمامة) وبعضها خرافي مثل أسطورة (الفينق والعنقاء) وبعضها شعبي مثل (شهرزاد والسندباد البحري)
ويحاول محمد الثبيتي من خلال توظيفه الأسطورة، أن يقدم الواقع العربي في صورة أكثر وضوحًا من خلال رمزية الأسطورة فأكسبت الأسطورة قصائده أبعادًا درامية عميقة فقد أعطتها مزيدًا من الدلالات الرمزية التي تعبر عن الواقع المعاصر ومشكلاته، وتعبر عن طموحات الشاعر في استشراف غد أفضل محمل بالأمل والطموحات.
وقد جاءت لفظة الأسطورة في شعر محمد الثبيتي مرة واحدة في ديوانه (التضاريس)، قصيدة: التضاريس ،وبالتحديد في المقطع الرابع منها، وهو بعنوان الصعلوك، يقول:
من يقاسمني الجوع والشعر والصعلكة من يشاركني نشوة التهلكة؟
أنت أسطورة أثخنتها المجاعات قل لي: متى تثخن الخيل والليل والمعركة
وقد جاءت لفظة الأساطير ثلاث مرات في دواوين الشاعر :في ديوانه (التضاريس) قصيدة التضاريس ،وفي ديوانه (تهجيت حلما تهجيت وهما) قصيدة شهرزاد والرحيل في أعماق الحلم ،وفي ديوانه (عاشقة الزمن الوردي) قصيدة (عاشقة الزمن الوردي)
وقد جاءت لفظة أسطوري مرة واحدة في ديوانه (عاشقة الزمن الوردي) قصيدة قراءة سابعة
وقد أصبحت الأسطورة جزءا من وعي محمد الثبيتي في تجربته الشعرية، بل إنها أصبحت بنية درامية راسخة في النسيج اللغوي لشعره حيث تنوعت مصادرها في شعره ما بين الأسطورة البابلية، والأسطورة العربية والأسطورة الشعبية التراثية وغيرها من الأساطير الأخرى ،وتنوع توظيف الأسطورة في شعره فمرة يكون توظيفها على وجه التصريح بالشخصيات والأماكن الأسطورية ،ومرة أخرى يكون توظيفها على وجه التلميح دون التصريح.
لقد أكثر محمد الثبيتي من استخدام الأسطورة والرمز وخاصة في ديوانه التضاريس، والتضاريس هي القصيدة الأولى في ديوانه الثالث (التضاريس)، والذي يتكون من خمس قصائد هي على الترتيب: التضاريس، تغريبة القوافل، المطر، هوازن فاتحة القلب، آيات لامرأة تضيء، الأسئلة) وتتكون قصيدة التضاريس من تسعة مقاطع، هي: (ترتيلة البدء، القرين، المغني، الصعلوك، الصدى، الفرس، البابلي، البشير، الأجنحة) ويتضح من هذه المقاطع كثرة تعامل الشاعر مع الشخصيات الأسطورية التي تضفي جوا أسطوريا ذات ملمح خاص على الجو العام لنص القصيدة.
ودار الفصل الثالث حول توظيف الشخصيات الأسطورية: أسطورة (عنترة بن شداد، أسطورة السندباد، أسطورة شهر زاد، فلقد وفق محمد الثبيتي توفيقًا كبيرًا في توظيف شخصية عنترة الأسطورية، بعد أن وجد في كل ملمح من ملامحها مقابلا لبعد من أبعاد تجربته الشعرية؛ فتم الامتزاج الكامل بين الشخصيتين ،ونجح محمد الثبيتي في أن يجعل من شخصية عنترة بن شداد إطارا لتجربته المعاصرة دون أن نحس بأن الشخصية مقحمة على تجربة الشاعر على سبيل استظهار الثقافة أو التعامل معها تعاملا سطحيا، وهذا هو دور الشعراء في التعامل مع التراث.
ويعد محمد الثبيتي بحق أحد الرواد في المملكة العربية السعودية بل في الوطن العربي في استخدام (أسطورة السندباد) فهو يتخذ أسطورة السندباد قناعا له ليوجهه بما يخدم تجرته الشعرية المعاصرة، وقد استطاع وبكل براعة توظيف رمز السندباد في شعره توظيف دراميا ينم عن حسه المرهف في استخدام الأسطورة.
أما شهرزاد فهي من أهم الرموز الأسطورية الموظفة في الشعر العربي المعاصر، وتتجلى أسطورة شهرزاد في تجربة محمد الثبيتي الشعرية في قصيدته شهرزاد والرحيل في أعماق الحلم، وهي شخصية استلهمها الثبيتي من الأساطير التراثية الشعبية فهي الراوي لقصص ألف ليلية وليلة.
وقد وظف الثبيتي الرمز الأسطوري لشخصية شهرزاد لينأى بقصيدته عن الخطاب المباشر، فالقناع الأسطوري يمكن أن يقدم بنية ظنية تقدم واقعًا لواقع مرفوض ينبذه الشاعر المعاصر، ومن ثم جاز للشعراء المعاصرين استمداد نماذج لأقنعتهم من التراث الشعبي الفولكلوري كما فعل محمد الثبيتي مع السندباد وشهرزاد في قصيدته شهرزاد والرحيل في أعماق الحلم، ويعد توظيف الأسطورة أبرز سمات التجربة الشعرية لدى محمد الثبيتي، فالشاعر مولع في نصوصه الشعرية بتوظيف الشخصيات التراثية العربية وإضفاء الخلفية الأسطورية عليها.
وأما الفصل الرابع فقد عرض لتوظيف الأحداث الأسطورية: من خلال تناوله لأسطورة (زرقاء اليمامة) وأسطورة بني هلال وكفاحهم في البحث عن الماء حيث وظف الشاعر محمد الثبيتي أسطورة (زرقاء اليمامة) في قصيدته (تغريبة القوافل والمطر، من ديوانه التضاريس، وزرقاء اليمامة امرأة نبهت قومها إلى الخطر قبل وقوعه، ولكنهم لم يسمعوا لها، فكان الهلاك مصيرهم.
ويتكئ محمد الثبيتي كثيرًا على التراث العربي، ويستلهم الأسطورة من منابع التراث ،لارتباطه الوثيق بتراث أمته العربية ،وهو في ذلك يختلف عن كثير من الشعراء المعاصرين الذين ينكبون على الأساطير الغربية والأجنبية بخلاف الشاعر السعودي الذي يرى في تراثه مجدًا لأمته في الماضي والحاضر، ولعل توظيف الثبيتي لأسطورة (زرقاء اليمامة) خير شاهد على ذلك، فقد استقى محمد الثبيتي رموزه الأسطورية من منابع التراث العربي الأصيل.
لقد استدعى الشاعر محمد الثبيتي أسطورة بني هلال وقصة كفاحهم في البحث عن الماء والكلأ لما انتشر القحط في أرضهم، وعم الجدب واديهم وذلك في قصيدته (تغريبة القوافل والمطر) من ديوانه التضاريس ،وقد شكلت أسطورة بني هلال في شعر الثبيتي نسيجا لغويا يتلاءم مع بنية النص الشعري من الناحية الشكلية والفنية، حتى غدت الأسطورة بوجه عام من أكثر الظواهر الفنية في شعر محمد الثبيتي.
وكان الفصل الخامس حول تجليات الطائر في الأسطورة: وقد دار هذا الفصل حول أسطورة الفينيق، وأسطورة الغراب، وأسطورة لُبَد، فقد وظف الثبيتي أسطورة الفينيق في قصائده؛ ليرمز من خلالها إلى الانبعاث والتجدد بعد الموت والفناء ،والثبيتي يسقط الرمز الأسطوري المتمثل في طائر (الفينيق/العنقاء) على الواقع العربي الذي تقع منه أجزاء تحت الاحتلال الصهيوني ؛فبعث طائر (الفينيق/العنقاء) في قصائده إنما هو بعث للحرية المنشودة في أرجاء الوطن العربي ،وبعث لعزة الأمة الإسلامية وريادتها للعالم كما كانت من قبل، وكأنه الحلم الحضاري يبعث فيخلق من أنقاضه الحضارات القديمة كأسطورة تخليق طائر الفينيق الجديد من رماد أبيه المحترق.
أما أسطورة الغراب عند الثبيتي فقد تمثلت في نص ترتيلة البدء، وتمثلت في لوحة فنية ذات طبيعة درامية مؤثرة في المتلقي، وقد وفرت الخلفية الأسطورية للغراب في بنية النص الشعري وحدة الانطباع بالاغتراب والقلق الحاجزين بين الإنسان وبين عبوره نحو الحياة الحرة الطليقة.
أما أسطورة لبد وهي كناية عن ضرورة الفناء بعد البقاء ،فقد جاء توظيفها عند الشاعر محمد الثبيتي معينا قويا حيث ساهمت في إحداث نوع من الاتساق والتناغم بين محتويات النص الشعري بما تحمله الخلفية الأسطورية من إيحاءات دلالية، ولم يكن التعامل مع الرمز الأسطوري سطحيا وإنما كان عميقا؛ ومن هنا صارت الدلالات مشحونة بالكثير من الإيحاءات التي يصعب التعرف عليها من الوهلة الأولى.
وكان الفصل السادس عن الأسطورة والظواهر الاجتماعية: واشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: أسطورة الصعلكة،
والمبحث الثاني: أسطورة (العرافة والكهانة)، فأما أسطورة الصعلكة ؛فتناول الثبيتي لها يؤكد ارتباط الثبيتي واتصاله بالتراث العربي، إذ جاء توظيفه لشخصية (السليك بن السلكة ) في القصيدة توظيفًا معبرًا عن التوجهات الدلالية والفنية للقصيدة، وقد عبر محمد الثبيتي من خلال ارتداء قناع الشخصية الصعلوكية عن تجربته الشعرية المعاصرة، وفي هذا نفطة التماس والتواصل بين القديم والحاضر، بين التراث والمعاصرة من خلال الخلفية الأسطورية للشخصية التراثية المعاصرة.
أما عن أسطورة (العرافة والكهانة)، فقد انتقل الثبيتي من خلالها من الواقع العربي إلى الأسطورة، ومن خلال أسطورة (العرافة والكهانة) استدعى الثبيتي الأسطورة العربية لشخصية (زرقاء اليمامة) والتي تهدف إلى أخذ الحذر والحيطة، فقد أخبرت زرقاء اليمامة قومها بقدوم جيش ليغير عليهم، وحذرتهم من المباغتة والمفاجأة ،ولكنهم لم يأخذوا حذرهم ولم يسمعوا لها فهلكوا جميعًا.
ودار الفصل السابع حول:
أسطورة الواقع وفيه تناول الكاتب مبحثين:
الأول عن الشخصيات، والثاني عن الواقع والطبيعة المكانية، ففي الأول تحدث عن شخصية الملك فيصل (رحمه الله) فقد حوله الثبيتي إلى بطل أسطوري بما أضفى عليه الشاعر من صفات أسطورية، ومن هذه الصفات فهو القائد، والقائد هو، وهو الزعيم، والزعامة لا تنفك عنه، يمسح العبرات عن الحزنى ،ويجبر كسر الخواطر (به تمسح العبرات والكسر يجبر) فقد تجلى مع أفعال الحق وصفات الرجولة، كما كان (فذا ضيغم ولي وذا ضيغم أتى ،كبدر تجلى بعد أن غاب آخر).
وأما عن الواقع والطبيعة المكانية ،فمحمد الثبيتي استخدم الرموز الأسطورية في قصائده؛ لكي يبعث فيها القدرة على تشخيص الواقع المعاصر وتجسيده، ثم معالجة هذا الواقع من خلال دلالة الأسطورة على تطلعات المستقبل وآماله في إشراق يوم جديد تنعم فيه الإنسانية بالحب والحرية، والشاعر بحق هو شاعر الرمال والصحراء، فكثيرًا -رغم انتقاله إلى المدينة- ما يتغنى بالصحراء ومفرداتها، فحب الصحراء يسيطر على قلبه، لقد أكثر الثبيتي من رسم المشاهد وحركة الحياة في الصحراء، وحفلت قصائده بمفردات بيئة الصحراء، مثل: القوافل، القهوة، النوق، الشاذلية، الرمال، القيظ، الظعن، المطر، البدو، الرمال، النخل)
نتائج الدراسة:
من أبرز نتائج الدراسة التي توصل إليها الكاتب:
1 - يعد توظيف الأسطورة من أبرز سمات التجربة الشعرية لدى محمد الثبيتي، فالشاعر مولع في نصوصه الشعرية بتوظيف الشخصيات التراثية، وإضفاء الخلفية الأسطورية عليها، غير أن ظاهرة استلهامه للأسطورة العربية تظل الأكثر بروزا في تجربته الشعرية.
2 - أغنت الأسطورة التجربة الشعرية لدى محمد الثبيتي بما أضفت على النص من إيحاءات رمزية وإضفاء أبعاد إنسانية على أغراضه الشعرية.
3 - تميزت التجربة الشعرية لدى محمد الثبيتي بكثرة لجوئه إلى التراث الإنساني، فلغة الأسطورة في شعره تعيدنا إلى أجواء التراث العربي، وقد اشتملت التجربة الشعرية لدى محمد الثبيتي على رموز تراثية متعددة شكلت بنية القصيدة عنده، وجسدت بعمق.
4 - يستلهم محمد الثبيتي الأسطورة من منابع التراث؛ لارتباطه الوثيق بتراث أمته العربية، وهو في ذلك يختلف عن كثير من الشعراء المعاصرين الين ينكبون على الأساطير الغربية والأجنبية بخلاف الشاعر السعودي الذي يرى في تراثه مجدًا لأمته في الماضي والحاضر.
5 - أن محمد الثبيتي يستخدم الرموز الأسطورية في قصائده؛ لكي يبعث فيها القدرة على تشخيص الواقع المعاصر وتجسيده، ثم معالجة هذا الواقع من خلال دلالة الأسطورة على تطلعات المستقبل وآماله في إشراق يوم جديد تنعم فيه الإنسانية بالحب والحرية.
6 - الشاعر محمد الثبيتي يصهر الأصالة بالمعاصرة؛ ليعبر عن معاناة الإنسان، ويتقمص قناع بعض الشخصيات الأسطورية ؛ليظهر المفارقة بين موقفين في زمنيين مختلفين (الماضي /الحاضر)
7 - يستثمر محمد الثبيتي الموروث الأسطوري الذي يتفجر في النص باستدعاء الشخصيات التراثية في البناء الشعري للقصيدة، فهو يبني من بعض الأساطير نصوصًا شعرية بما يتلاءم مع تجربته الشعرية المعاصرة.
8 - برع محمد الثبيتي في استخدام القناع الذي يعد من إنجازات القصيدة المعاصرة، فهو بغوص في أعماق التراث الإنساني باحثًا عن الرموز الأسطورية التي تساعده في إبراز إمكانية انتصار الحياة على الموت.
9 - الكلمة داخل السياق اللغوي للقصيدة تتجاوز المعنى المعجمي إلى أكثر من معنى بحسب السياق العام للنص الشعري ،والقصيدة المعاصرة تعطي للمتلقي مساحة واسعة من التأويلات النقدية ؛لأنها تحاط بدلالات متعددة.
10 - القصيدة عند محمد الثبيتي تعتمد على الأسطورة في بنائها الدرامي لا في مستوى التوظيف للأماكن العربية المشهورة، فهو يوظف التراث في شعره توظيفا دراميا ينم عن حسه المرهف في استخدام الأسطورة العربية من خلال توظيفه للأماكن العربية في المعجم اللغوي لشعراء الجاهلية.
11 - توظيف محمد الثبيتي لأسطورة (الفينق /العنقاء) في قصائده يجعل (القارئ /المتلقي) يدرك أن الثبيتي لم يستسلم بعد للموت ،ولم يطحنه الحزن والألم ؛لأنه يوقن أن (الفينق /العنقاء) سيبعث من رماده مرة ثانية ؛ليكمل مسيرته في الحياة.
12 - حول الشاعر محمد الثبيتي الواقع المعاصر إلى ما يشبه الأسطورة (الخلفية الأسطورية)، فهو بحق صانع أساطير لا وجود لها، حيث يضفي على الواقع لغة الأسطورة من خلال التماهي بين شخصية الشاعر والشخصية الأسطورية المستدعاة من منابع التراث.