المصدر -
ذاتَ يومٍ وَبينما كنتُ أتجوَّل بين أروقةِ المكتبات في رحلةِ البحثِ المُمتعة عن كتابٍ جديدٍ، لفتَ نظري كتاب أثارَ فضولي؛ لأبحثَ عن صاحبتِه التي نَثَرتْ بين صفحاتهِ مشاعرها الرَّاقية، وَكانَ هذا الحوار لصحيفةِ غرب الاخبارية مع الكاتبة العُمانيَّة (شيخة بنت سهيل الصَّوافِيَّة).
أهلًا بكِ .. الكاتبة شيخة في البدايةِ نريدُ أن نتعرَّف عليكِ من هي الكاتبة شيخة؟
أهلًا وَسهلًا بِكُم ... أَنــا طالبــة علمٍ، تخرَّجتُ من جامعةِ السُّلطان قابوسَ –طيَّبَ الله ثَراه- أجوبُ بين أروقةِ الكُتبِ، أعشقُ الكتابةَ، بل أتنفَّسها، فالكتابة باتت بالنسبةِ لي ليستْ مُجرَّد حبر ينفذُ على ورقٍ، وليست مجرَّد حروفًا تُكتب بلا هدف وَلا سبب، وما الكتابة إلا شيء كأشعة الشَّمْس أُسرِّبه إلى أعماقِ قارِئي؛ رغبةً في كسْرِ جمود الصفحاتِ، فما يجولُ في خاطري ينطقُ به لساني، وتخّطه أناملي على ورقةٍ؛ لتسعدَ قارئي، ولا تسبب له أيَّ حُزن أو ضجرٍ، بل تكون سببًا في سعادةِ كلّ عين تقرأُ كلماتي، وَلقد أصَدرت بفضل الله –سُبحانه وَتعالى- أولى باكورة مُؤلفاتي: "بَعْثَرَةُ وَرِيدْ"، أمَّا إصدراي لهذا العام فكان رواية "زَوابِعُ المَدْرسَةِ".
ما هو عددُ الكتب والروايات التي كتبتيها؟ مع ذكرِ عنواناتها؟
أصدرتُ بفضلِ الله –سُبحانه وَتعالى- في عامِ 2021 ميلاديًّا أولى باكورة مُؤلفاتي: "بَعْثَرَةُ وَرِيدْ"، وَكان عبارة عن نصوص نثريَّة (خواطر)، أمَّا إصدراي لهذا العام 2023 ميلاديًّا فكان عبارة عن روايةٍ عُنوانها: "زَوابِعُ المَدْرسَةِ".
كَمْ مِن الوَقتِ تستغرقينَ؛ لتأليفِ الكتابِ؟
ليسَ هنالك وقت مُحدد للتأليفِ، فَالإصدار الأوَّل كانَ حصاد 13 عامًا، أمَّا الآخر فكانَ حصاد عامينِ، وَللهِ الحمد.
لماذا تكتبُ شيخة، وَما هو شغفك الذي يدفعُك للكتابةِ؟
أنا التي تلجأ إلى الكتابةِ تارَّةً حينَ تزورها هجماتُ اليأس، وَتارَّة أُخرَى حين يُداهمني الشَّوقُ، وَيُرافقني الحزن، سأكتبُ وسأظل أكتب حينَ يموتُ القلبُ من الحنينِ، وتفورُ العينان دموعًا من شدِّة الشوقِ، وقبلَ أن يقتلني الصمتُ، أكتبُ؛ لكي لا تتحجرَ الكلماتُ في ذهني، وَيجفَّ الحبرُ ببطء في قلمي، فَأكتبُ؛ لكي أتنفسَ وأنتظرَ يومًا جديدًا، قالوا قديمًا: (لا يتألقُ في الكتابةِ إلَّا من يتسلَّى، وَلكن يُبْدع فيها من يتألَّم).
يسعدنا لو تحدِّيثنا عن روايتكِ الجديدة.
لو أردْنَا تلخيص المشاكل المدرسيَّة في سَرْدٍ يأخذ بالألبابِ من حيث إثارةُ الأسلوب، وسلامةُ اللغة، وحُسْنُ المفاجأة، وطرافة الفكرة، وغرابة الحدثِ، وحُسْن الحبكة، وجمال الوصف، ودقَّة التعبير- فإنَّ رواية "زَوابِعُ المَدْرسَةِ" للأستاذة شيخة الصَّوافِيَّة هي المُرشح الأوَّل في هذا المجال. فمِن اسمها الذي يعني (شياطين المدرسَة أو مصائبها) تَنْفُذ الروائيَّة اللبيبة إلى قلوب قرَّائها عارضةً القضايا التربوية والتعليمية الحاصلة في المدارس؛ لا بالأسلوب التربوي الجاف بل بالأسلوب الفني المُبدع، ومن فطنة الكاتبة أنْ جَعَلَتْ مشاهد الرواية تسير في واديين: أحدُهما يصوّر حالة المدارس في بدايةِ عصر النهضة، والآخر يوثق حالة مدارسنا اليوم، وفي كلا الواديين عشرات المَشاهد التي تجعلك تعيشُ حالة الضحك والبكاء والمُخاتلة والفوضى والحكمة، إنَّها باختصار عمل أديب قل نظيرُه، يجمع المتناقضات، سالبًا لُبَّ القارئ؛ فما إن يبدأ قراءتها حتى يغرق في أسلوبها التشويقي إلى أن يُنْهِيها وقد امتلأ عقله اللاواعيّ بالحكمةِ والعبرة والبصيرة والعَجَب العُجَاب.
نعودُ معًا إلى البداياتِ، متى بدأت شيخة تكتشفُ نفسها ككاتبة؟
البداية التي كانت ولا زالت خُطواتها الأولى راسخة في ذهني، وَذلك بسبب بريد كَتبه أحد دكاترة قسم اللغة العربيَّة بجامعةِ السُّلطان قابوسَ -طيَّب الله ثَراه- قال فيه: "ما زلت أسمع بعثرة وريدكِ؛ لألج إلى العتبةِ الأولى، لأتمكنَ من تفكيكها وربطها بالنصوص المُرتبطة، ولعلَّ هذا النص يعطيني لونًا أخضر للبدء في الحديث عن هذه العتبة، بعثرة وريد، مما عرف عن الوريد أنَّه وعاء دموي في الدورة الدمويَّة يقوم بنقل الدم من أعضاء الجسم المُختلفة باتجاه القلب، ودون هذه الخُطوة لا يمكن للإنسانِ أن يحيا، وأن يعيشَ، وهذا ما يعطي كلماتك معنى الحياة، بل يعطي قلبكِ نبض الحياة للآخرين، أنتِ قلب نابض بالحياةِ، فكما أنَّ القلب لا يفرق بين المُؤمن والكافر، وإنَّما المُهمة السامية ضخ تلك الدماء، فكذاك أنتِ تضخين قلوب من حولك بذاك الإكسير وهو الحياة، فتوزعين هذا الإكسير، بابتسامتكِ، وكلماتكِ الطيبة، ودعواتكِ الراقية، لا تحملين لأيّ فرد مهما كان غلًا ولا حقدًا، وهذه صفات المؤمن المُوقن بربه، وهذا ما حملته كلمة بعثرة، فبعثرة تدل على التوزيع، الذي يرفع الجميع مقامًا محمودًا عندك حتى وإن قصر في حقك، هنيئًا لك هذا القلب الطاهر شيخة، وهكذا أريدكِ لنلقَ الله تعالى بقلبٍ سليم. نصوصكِ دائمًا مُمتازة وأفخر بها تعانق السماء، بتوظيفاتها، وتنسج على تلك الصفحات الفارغة نسيجًا مثاليًّا، ترفعين نصوصك لتكونَ راقية، وتنصبينها بكل شجاعة ووقار ليأنس بها القارئ، فتجرينها ليتابع القراءة، وهذا هو سر الجمال وسر الكتابة شيخة، تنصبين نصوصك لينشرح صدر القارئ. هذا حال الدنيا أن نجدَ قلوبًا فارغة، أو أن نجد قلوبًا قاسية فهي أشد قسوة من الحجارة وأن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإنَّ منها لما يشقق فيخرج منه الماء، وإنَّ منها لما يهبط من خشية الله، وليبق قلبكِ سام يضخ الحياة ويملأ الدُّنيا ابتسامة وبهجة وحياة".
ما هي الأجواء المثالية التي تساعدك للكتابةِ، وهل عندكِ وقت معيَّن تخصصينه للكتابةِ؟
صَوْت يُناديني كلَّ ليلةٍ قُبَيْل الفجرِ، يوقظني من نومي وَيُرسلني نحو أوراقي على مَكتبي، صوت غريب يهمسُ داخل أذني يطلبُ مني أن أدوِّن كلماتي تحت ألحان النجوم التي تُزيِّن السماء ليلًا، أتسللُ إلى داخلي من حيث يأتي الهمسُ فأجِدُ الكثيرَ من العباراتِ المُتاطيرة: أحدها يبدو لطيفًا جدًّا لا شك أنه هو الذي يقودني خلال النهار، هنالكَ آخر في العتمة وحيدًا لا شك أنَّه مصدر الهمس، أتوجَّه إلى المكتبِة، أتجول بين رفوفها فأجدُ ملفات الماضي وملفات الحاضر، وَهنالك وسطَ مخبئي نهر بداخلهِ حروف و كلمات تجري، نسمات الهدوء تستوطنُ جدرانه، وَضوء القمر يتسلل إلى ورقتي التي احتضنت سطورها الذهبيَّة، وَقلمي الذي مسكته بيميني وَملأته بدمِ قلبي يكتبُ أحرفه بسكينةٍ وَوقار.
رسالة تُهديها لمن ساندكِ في عالمِ الكتابة؟
تحيَّة نديَّة لقلبِــــــه كقطرات المطر التي تسقطُ على قصورِ الأغنياء، وَبيوت وَأكواخ الفقراء، ظهرَ طيفُ عصفور أخذ يغرِّدُ مُداعبًا سطورَ صفحتي، وَأنا أتهيَّأ للكتابةِ بلهفةٍ، وَأتأمّلُ العصفورَ لعلَّه يساهمُ في تشكيل ذاكرتي ببهاءٍ بعد أن حسبتُ أنَّها نزحت عنِّي، وَهُنا سأضفرُ ذلك العصفور بشريطٍ من سطوري، فَحضوره أمطار خير لروحي، وَشمس لا تغيب عن وجهي، كم أعشقُ لُغتي، وَأرجو أن أنهلَ من معارِفها أمد الحياةِ، فَفي حرفِه، وَحضوره روعة الحبرِ، فَحينما تترُكُ كَلماتُه وقعها الجميل أَجِدُني بحقٍّ أَعجزُ كثيرًا أمامَ سُمو تلك الأحرف النّابعة من قلبِه قبل أن يخطَّها قلمُه، وَهي الرَّاقية حضورًا، وَسطورًا، وَتبقى كلماته التي تتمتّعُ بِوقعِها الذي أعتزُّ به، وَأَثَرها العميق حقًّا؛ لذلكَ يقفُ قلمي عاجزًا عن تقديمِ أسمى عبارات الثَّناء على جهودِه، وَسيبقى علمُه الذي استقيتُه منه شموعًا تضيءُ دربي ما حييت، فَأرْفعُ له كلَّ معاني الشّكرِ، وَالتقدير على جهودِه المُضنية، فأقولُ له من أعماق قلبي: قُرْ عينًا، وَاطمئنْ قلبًا، وارْض سدولًا، فقد بدأَ غرسُك بالنضوجِ؛ فأنا زهرة مُبَعْثَرَة صغيرة، وَلكنَّ علمَكَ قد رواها، فأنارَ اللهُ -سُبحانه وَتعالى- قلبكَ بنورِه.
ختامًا نرجو من الكاتبةِ شيخة الصَّوافِيَّة كلمةً؛ لقرَّاء
تَنْبيــــــه: ابتسمْ قبل أن تقرأ كلمتي:
تأكَّد إنَّ انقطاعَ الخير عنكَ لبعض الوقت هو تهيئة لفيضان خير جديد "مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ"، بناء على ذلك لَملمْ خريفَ روحكَ المُنهكة، وَحدِّق في السماءِ الصَّافية، ثمَّة ربيعٍ مُشرقٍ هنالك ينتظركَ، وَاجعلْ الحبَّ يفيضُ من قلبكَ، ثمَّة آفاق لا تُعدُّ ولا تُحْصَى لابدَّ أن تزورها، وَهنالك ثمار لتقْطفَها، بالإضافةِ إلى عددٍ كبيرٍ من الكُتبِ يجب أن تقرَأها، وصفحات بيضاء في سجِّل عُمرك ستكتبُ فيها حرفك بخطٍّ جريء؛ حتَّى لا يُصاب قلمك بالسمنةِ، أو تتعرض كلماتك لتخمة؛ تناول العبارات الغنيَّة بالمعاني، وَابتعدْ عن المُفْردات كثيرة الدهون.
حافظْ على ابتسامتكَ، وَبُث الفرحة في من حولكَ؛ لأنَّك لا تدري ما يُمكن أن تتركه من أثرٍ، وَكيف من المُمكن أن تُغيِّر الكثيرَ من مُحيطكَ.
ذاتَ يومٍ وَبينما كنتُ أتجوَّل بين أروقةِ المكتبات في رحلةِ البحثِ المُمتعة عن كتابٍ جديدٍ، لفتَ نظري كتاب أثارَ فضولي؛ لأبحثَ عن صاحبتِه التي نَثَرتْ بين صفحاتهِ مشاعرها الرَّاقية، وَكانَ هذا الحوار لصحيفةِ غرب الاخبارية مع الكاتبة العُمانيَّة (شيخة بنت سهيل الصَّوافِيَّة).
أهلًا بكِ .. الكاتبة شيخة في البدايةِ نريدُ أن نتعرَّف عليكِ من هي الكاتبة شيخة؟
أهلًا وَسهلًا بِكُم ... أَنــا طالبــة علمٍ، تخرَّجتُ من جامعةِ السُّلطان قابوسَ –طيَّبَ الله ثَراه- أجوبُ بين أروقةِ الكُتبِ، أعشقُ الكتابةَ، بل أتنفَّسها، فالكتابة باتت بالنسبةِ لي ليستْ مُجرَّد حبر ينفذُ على ورقٍ، وليست مجرَّد حروفًا تُكتب بلا هدف وَلا سبب، وما الكتابة إلا شيء كأشعة الشَّمْس أُسرِّبه إلى أعماقِ قارِئي؛ رغبةً في كسْرِ جمود الصفحاتِ، فما يجولُ في خاطري ينطقُ به لساني، وتخّطه أناملي على ورقةٍ؛ لتسعدَ قارئي، ولا تسبب له أيَّ حُزن أو ضجرٍ، بل تكون سببًا في سعادةِ كلّ عين تقرأُ كلماتي، وَلقد أصَدرت بفضل الله –سُبحانه وَتعالى- أولى باكورة مُؤلفاتي: "بَعْثَرَةُ وَرِيدْ"، أمَّا إصدراي لهذا العام فكان رواية "زَوابِعُ المَدْرسَةِ".
ما هو عددُ الكتب والروايات التي كتبتيها؟ مع ذكرِ عنواناتها؟
أصدرتُ بفضلِ الله –سُبحانه وَتعالى- في عامِ 2021 ميلاديًّا أولى باكورة مُؤلفاتي: "بَعْثَرَةُ وَرِيدْ"، وَكان عبارة عن نصوص نثريَّة (خواطر)، أمَّا إصدراي لهذا العام 2023 ميلاديًّا فكان عبارة عن روايةٍ عُنوانها: "زَوابِعُ المَدْرسَةِ".
كَمْ مِن الوَقتِ تستغرقينَ؛ لتأليفِ الكتابِ؟
ليسَ هنالك وقت مُحدد للتأليفِ، فَالإصدار الأوَّل كانَ حصاد 13 عامًا، أمَّا الآخر فكانَ حصاد عامينِ، وَللهِ الحمد.
لماذا تكتبُ شيخة، وَما هو شغفك الذي يدفعُك للكتابةِ؟
أنا التي تلجأ إلى الكتابةِ تارَّةً حينَ تزورها هجماتُ اليأس، وَتارَّة أُخرَى حين يُداهمني الشَّوقُ، وَيُرافقني الحزن، سأكتبُ وسأظل أكتب حينَ يموتُ القلبُ من الحنينِ، وتفورُ العينان دموعًا من شدِّة الشوقِ، وقبلَ أن يقتلني الصمتُ، أكتبُ؛ لكي لا تتحجرَ الكلماتُ في ذهني، وَيجفَّ الحبرُ ببطء في قلمي، فَأكتبُ؛ لكي أتنفسَ وأنتظرَ يومًا جديدًا، قالوا قديمًا: (لا يتألقُ في الكتابةِ إلَّا من يتسلَّى، وَلكن يُبْدع فيها من يتألَّم).
يسعدنا لو تحدِّيثنا عن روايتكِ الجديدة.
لو أردْنَا تلخيص المشاكل المدرسيَّة في سَرْدٍ يأخذ بالألبابِ من حيث إثارةُ الأسلوب، وسلامةُ اللغة، وحُسْنُ المفاجأة، وطرافة الفكرة، وغرابة الحدثِ، وحُسْن الحبكة، وجمال الوصف، ودقَّة التعبير- فإنَّ رواية "زَوابِعُ المَدْرسَةِ" للأستاذة شيخة الصَّوافِيَّة هي المُرشح الأوَّل في هذا المجال. فمِن اسمها الذي يعني (شياطين المدرسَة أو مصائبها) تَنْفُذ الروائيَّة اللبيبة إلى قلوب قرَّائها عارضةً القضايا التربوية والتعليمية الحاصلة في المدارس؛ لا بالأسلوب التربوي الجاف بل بالأسلوب الفني المُبدع، ومن فطنة الكاتبة أنْ جَعَلَتْ مشاهد الرواية تسير في واديين: أحدُهما يصوّر حالة المدارس في بدايةِ عصر النهضة، والآخر يوثق حالة مدارسنا اليوم، وفي كلا الواديين عشرات المَشاهد التي تجعلك تعيشُ حالة الضحك والبكاء والمُخاتلة والفوضى والحكمة، إنَّها باختصار عمل أديب قل نظيرُه، يجمع المتناقضات، سالبًا لُبَّ القارئ؛ فما إن يبدأ قراءتها حتى يغرق في أسلوبها التشويقي إلى أن يُنْهِيها وقد امتلأ عقله اللاواعيّ بالحكمةِ والعبرة والبصيرة والعَجَب العُجَاب.
نعودُ معًا إلى البداياتِ، متى بدأت شيخة تكتشفُ نفسها ككاتبة؟
البداية التي كانت ولا زالت خُطواتها الأولى راسخة في ذهني، وَذلك بسبب بريد كَتبه أحد دكاترة قسم اللغة العربيَّة بجامعةِ السُّلطان قابوسَ -طيَّب الله ثَراه- قال فيه: "ما زلت أسمع بعثرة وريدكِ؛ لألج إلى العتبةِ الأولى، لأتمكنَ من تفكيكها وربطها بالنصوص المُرتبطة، ولعلَّ هذا النص يعطيني لونًا أخضر للبدء في الحديث عن هذه العتبة، بعثرة وريد، مما عرف عن الوريد أنَّه وعاء دموي في الدورة الدمويَّة يقوم بنقل الدم من أعضاء الجسم المُختلفة باتجاه القلب، ودون هذه الخُطوة لا يمكن للإنسانِ أن يحيا، وأن يعيشَ، وهذا ما يعطي كلماتك معنى الحياة، بل يعطي قلبكِ نبض الحياة للآخرين، أنتِ قلب نابض بالحياةِ، فكما أنَّ القلب لا يفرق بين المُؤمن والكافر، وإنَّما المُهمة السامية ضخ تلك الدماء، فكذاك أنتِ تضخين قلوب من حولك بذاك الإكسير وهو الحياة، فتوزعين هذا الإكسير، بابتسامتكِ، وكلماتكِ الطيبة، ودعواتكِ الراقية، لا تحملين لأيّ فرد مهما كان غلًا ولا حقدًا، وهذه صفات المؤمن المُوقن بربه، وهذا ما حملته كلمة بعثرة، فبعثرة تدل على التوزيع، الذي يرفع الجميع مقامًا محمودًا عندك حتى وإن قصر في حقك، هنيئًا لك هذا القلب الطاهر شيخة، وهكذا أريدكِ لنلقَ الله تعالى بقلبٍ سليم. نصوصكِ دائمًا مُمتازة وأفخر بها تعانق السماء، بتوظيفاتها، وتنسج على تلك الصفحات الفارغة نسيجًا مثاليًّا، ترفعين نصوصك لتكونَ راقية، وتنصبينها بكل شجاعة ووقار ليأنس بها القارئ، فتجرينها ليتابع القراءة، وهذا هو سر الجمال وسر الكتابة شيخة، تنصبين نصوصك لينشرح صدر القارئ. هذا حال الدنيا أن نجدَ قلوبًا فارغة، أو أن نجد قلوبًا قاسية فهي أشد قسوة من الحجارة وأن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإنَّ منها لما يشقق فيخرج منه الماء، وإنَّ منها لما يهبط من خشية الله، وليبق قلبكِ سام يضخ الحياة ويملأ الدُّنيا ابتسامة وبهجة وحياة".
ما هي الأجواء المثالية التي تساعدك للكتابةِ، وهل عندكِ وقت معيَّن تخصصينه للكتابةِ؟
صَوْت يُناديني كلَّ ليلةٍ قُبَيْل الفجرِ، يوقظني من نومي وَيُرسلني نحو أوراقي على مَكتبي، صوت غريب يهمسُ داخل أذني يطلبُ مني أن أدوِّن كلماتي تحت ألحان النجوم التي تُزيِّن السماء ليلًا، أتسللُ إلى داخلي من حيث يأتي الهمسُ فأجِدُ الكثيرَ من العباراتِ المُتاطيرة: أحدها يبدو لطيفًا جدًّا لا شك أنه هو الذي يقودني خلال النهار، هنالكَ آخر في العتمة وحيدًا لا شك أنَّه مصدر الهمس، أتوجَّه إلى المكتبِة، أتجول بين رفوفها فأجدُ ملفات الماضي وملفات الحاضر، وَهنالك وسطَ مخبئي نهر بداخلهِ حروف و كلمات تجري، نسمات الهدوء تستوطنُ جدرانه، وَضوء القمر يتسلل إلى ورقتي التي احتضنت سطورها الذهبيَّة، وَقلمي الذي مسكته بيميني وَملأته بدمِ قلبي يكتبُ أحرفه بسكينةٍ وَوقار.
رسالة تُهديها لمن ساندكِ في عالمِ الكتابة؟
تحيَّة نديَّة لقلبِــــــه كقطرات المطر التي تسقطُ على قصورِ الأغنياء، وَبيوت وَأكواخ الفقراء، ظهرَ طيفُ عصفور أخذ يغرِّدُ مُداعبًا سطورَ صفحتي، وَأنا أتهيَّأ للكتابةِ بلهفةٍ، وَأتأمّلُ العصفورَ لعلَّه يساهمُ في تشكيل ذاكرتي ببهاءٍ بعد أن حسبتُ أنَّها نزحت عنِّي، وَهُنا سأضفرُ ذلك العصفور بشريطٍ من سطوري، فَحضوره أمطار خير لروحي، وَشمس لا تغيب عن وجهي، كم أعشقُ لُغتي، وَأرجو أن أنهلَ من معارِفها أمد الحياةِ، فَفي حرفِه، وَحضوره روعة الحبرِ، فَحينما تترُكُ كَلماتُه وقعها الجميل أَجِدُني بحقٍّ أَعجزُ كثيرًا أمامَ سُمو تلك الأحرف النّابعة من قلبِه قبل أن يخطَّها قلمُه، وَهي الرَّاقية حضورًا، وَسطورًا، وَتبقى كلماته التي تتمتّعُ بِوقعِها الذي أعتزُّ به، وَأَثَرها العميق حقًّا؛ لذلكَ يقفُ قلمي عاجزًا عن تقديمِ أسمى عبارات الثَّناء على جهودِه، وَسيبقى علمُه الذي استقيتُه منه شموعًا تضيءُ دربي ما حييت، فَأرْفعُ له كلَّ معاني الشّكرِ، وَالتقدير على جهودِه المُضنية، فأقولُ له من أعماق قلبي: قُرْ عينًا، وَاطمئنْ قلبًا، وارْض سدولًا، فقد بدأَ غرسُك بالنضوجِ؛ فأنا زهرة مُبَعْثَرَة صغيرة، وَلكنَّ علمَكَ قد رواها، فأنارَ اللهُ -سُبحانه وَتعالى- قلبكَ بنورِه.
ختامًا نرجو من الكاتبةِ شيخة الصَّوافِيَّة كلمةً؛ لقرَّاء
تَنْبيــــــه: ابتسمْ قبل أن تقرأ كلمتي:
تأكَّد إنَّ انقطاعَ الخير عنكَ لبعض الوقت هو تهيئة لفيضان خير جديد "مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ"، بناء على ذلك لَملمْ خريفَ روحكَ المُنهكة، وَحدِّق في السماءِ الصَّافية، ثمَّة ربيعٍ مُشرقٍ هنالك ينتظركَ، وَاجعلْ الحبَّ يفيضُ من قلبكَ، ثمَّة آفاق لا تُعدُّ ولا تُحْصَى لابدَّ أن تزورها، وَهنالك ثمار لتقْطفَها، بالإضافةِ إلى عددٍ كبيرٍ من الكُتبِ يجب أن تقرَأها، وصفحات بيضاء في سجِّل عُمرك ستكتبُ فيها حرفك بخطٍّ جريء؛ حتَّى لا يُصاب قلمك بالسمنةِ، أو تتعرض كلماتك لتخمة؛ تناول العبارات الغنيَّة بالمعاني، وَابتعدْ عن المُفْردات كثيرة الدهون.
حافظْ على ابتسامتكَ، وَبُث الفرحة في من حولكَ؛ لأنَّك لا تدري ما يُمكن أن تتركه من أثرٍ، وَكيف من المُمكن أن تُغيِّر الكثيرَ من مُحيطكَ.